اشرف الناس … والريفي

يسعى خلدون الشريف الى تكرار فعلته السابقة مرة ثانية بلا وازع، فها هو يتحدث اليوم عن اقتراب المدير العام لقوى الأمن الداخلي، أشرف ريفي، من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
وسبق لشريف أن تحدث في العام الماضي عن تقارب ميقاتي ووزير المال محمد الصفدي، وعمل على خط ميقاتي ـــــ صفدي حتى استتب الأمر على علاقة حذرة، لكن قائمة، وأتت ظروف المنطقة والبلد لتطيح حكومة سعد الحريري، وتفشل المعارضة (حينها) في خوض معركة تكليف عمر كرامي، فأتى الميقاتي متحالفاً مع الصفدي الى رئاسة الحكومة.

اليوم، ومع تربع ميقاتي على كرسي الرئاسة الثالثة، فإن البعض في جناح قوى الأكثرية يرى أن 51 في المئة من رئيس الحكومة لدى سوريا، وتتوزع باقي الحصص على: المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة، وتركيا، وإيران، وإذا ما استعادت مصر في يوم قريب قدرتها على التأثير في محيطها فستحصل على حصتها أيضاً. لكن، وبما أن الأمور لا تسير في آلية جامدة لدى الميقاتي، فإن النسب يجب أن تعدل كل فترة، واليوم ربما كانت حصة 51% من رئاسة الحكومة لدى الدول المذكورة و49% لدى سوريا. وبغض النظر عن حجم الحصص، فإن التوزع قائم فعلاً.

وبما أن رئيس حكومتنا تتقاطع عنده العديد من المصالح الدولية والمحلية، فإن مصلحته المحلية في إدارة الحكم بألّا يقطع مع أي جهة، فلا هو عدو المستقبل، بل منافس لسعد الحريري، ولا هو خصم لأي من مرشحي طرابلس في الانتخابات المقبلة، بل قد يصل الى يوم يعلن فيه تحالفاً انتخابياً في الشمال يؤمن له كما لنواب المستقبل الأرضية اللازمة للعودة الى مجلس النواب، وهو في كل الأحوال ليس ضد رجالات المملكة العربية السعودية في لبنان، بل من مصلحته حفظ رموز المرحلة الماضية، وعدم تغيير المعطيات الى أن يقضي الله في سوريا أمراً كان مفعولا. 
وخلال جلسة اجتماعية، اكتفى رئيس الحكومة بالقول إن أشرف ريفي «جيد ومرن»، ما أعطى صورة واضحة عما ستؤول إليه الأمور، فالريفي موصى به من المملكة، كما العديد من رموز المرحلة الماضية، وهو من ركائز عاصمة الشمال، وقد زرع فيها ما يمكنه من حصد مقعد نيابي أو ربما أكثر في مرحلة لاحقة، وهو أثبت قدرته على مواجهة القوانين والدولة والنظام العام إذا ما طلبت منه مرجعيته السياسية ذلك في لحظة جنون، وخصوصاً أن ريفي صار أكيدا من نيته الاستقالة قبل 4 شهور من تاريخ تقاعده كي يتسنى له خوض الانتخابات النيابية المقبلة.
ومعنى حديث ميقاتي أن اجتذاب ريفي جار على قدم وساق، وبالتالي فإن كل ما حكي وأثير وقيل عن تصفية رموز المرحلة الماضية، والالتزام بالقوانين، وإقالة الضباط والشخصيات المخالفة لإعادة الأمور الى نصابها لن يأخذ مجراه، بل ستبقى المعادلات التي كانت قائمة هي الحاكمة في المواقع الإدارية الرئيسية في الدولة.

وقد لا يُسرّ الجنرال ميشال عون أو حزب الله بمواقف ميقاتي، كما قد لا تؤدي خطواته الى تحسن في شعبيته بين أبناء جلدته، لكن لا شك بأنها ستفسح له مجالاً للعب واسع في ميدان السنّة، وبين الدول الراعية لهم في المحيط، ولن ينظر ميقاتي الى المكاسب المباشرة من ضم ريفي الى تفاهم واسع ينشئه مع فريق كامل كان ضده يوم أتى الى رئاسة الحكومة، ثم صار يرى بعينيه كيفية الإفادة من وجود ميقاتي لضرب حزب الله والتيار الوطني الحر.
ما يهمّ ميقاتي ليس الداخل والبازار المحلي، بل يهمه في الحقيقة التوافقات الكبرى التي تصنع خارج البلاد، والتي تنعكس في النهاية في الداخل المحلي. وفي النهاية، حتى وظائف الدرجة الأولى الأكثر حساسية في بلادنا الملعونة بداء المذاهب والتبعية، تتم في الخارج، أو على الأقل بعدم ممانعة الخارج، ومن يحلم بأنه سيمسك بوزارته بمفرده يجهل ألف باء الحكم في بلاد البلاء.

وفي التوافقات الكبرى ما يتيح الاستفادة من اقتراب موظفين وفاعلين كريفي وغيره، وما يتيح أن تستثمر لاحقاً في شهادات حسن سلوك تمرر أيام الحكم الصعبة، التي تضع ميقاتي تحت ضغط يومي في الداخل، وتسمح له بممارسة هوايته المفضلة في المفاوضة الى ما بعد الاتفاق وما بعد الخلاف.
وفي التوافقات الدولية أيضاً ما سيقول، بحسب وضع النظام السوري، ما إذا كان تمويل المحكمة متاحاً أو ممنوعاً، وما إذا كان التحالف مع تيار المستقبل في الانتخابات المقبلة خطأ أو خطيئة أو مكروه، لكن بمثابة أبغض الحلال، بغضّ النظر عن مبدئية حزب الله ومصالحه، وميشال عون وتوتره. 

السابق
وليد المعلم وتهديداته النووية
التالي
الاعتراف بعضوية فلسطين