ماذا سيفعل الحريري إذا فتحت السعودية حنفية المال؟

من الواضح ان المعارضة وجدت في الحوادث التي سجلت مؤخرا على الحدود اللبنانية – السورية، فرصة ثمينة لشن هجوم سياسي – إعلامي من «الدرجة الأولى» على دمشق، أخذ في طريقه حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المتهمة من قبل فريق 14 آذار بالعجز عن التعامل مع «الخروقات الشقيقة» للسيادة، بل ان البعض المتحمسين بلغ في حملته عليها حد وصمها بـ«الخيانة الوطنية».
ولعل ما أتاح لقوى 14 آذار ان تصول وتجول على الحدود هو ان الحكومة تباطأت فعلا في تقديم الشروحات او التفسيرات المطلوبة لما جرى في منطقة عرسال، الامر الذي أوجد «فراغا» سارعت المعارضة الى ملئه، على طريقتها، قبل ان يظهر أول معالم التحرك الرسمي لمعالجة الموقف من خلال اللقاءات التي عقدها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم مع عدد من المسوؤلين السوريين في دمشق، حيث جرى تبادل للمعطيات حول الوضع الحدودي، فيما تردد ان ابراهيم سمع تأكيدا واضحا بأن سوريا ليست بوارد خرق الحدود اللبنانية وان ما حصل مؤخرا يندرج في إطار مطاردة مهربين ضمن مناطق جغرافية متداخلة.
ولعل ثاني معالم التحرك الرسمي، ما قام به قائد الجيش العماد جان قهوجي قبيل سفره الى واشنطن بالتنسيق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الدفاع فايز غصن، حيث تم تكليف لجنة الارتباط العسكرية اللبنانية السورية أن تضع يدها على ملف عرسال.
وإذا كان متوقعا ان تستغل المعارضة بطبيعة الحال أي حدث بغية توظيفه لصالحها في معركة الضغط على الحكومة وأن تقبل أي هدية سواء أتتها على «طبق من ذهب» او على «طبق من عرسال»، فإن المستغرب ان تقدم السلطة خدمات مجانية لخصومها وان تسهل أمرهم، عبر التأخر غير المبرر في استلام المبادرة السياسية والاعلامية والميدانية للتعامل مع المستجدات الحدودية، علما بأن الأمر لم يكن يتطلب الكثير من العناء وكان يكفي إصدار بيان عن جهة رسمية مختصة، بعد إجراء الاتصالات اللازمة مع الجانب السوري، لاحتواء الحوادث التي حصلت وقطع الطريق على محاولات استغلالها، لا سيما ان المؤسسة العسكرية ووزير الدفاع يحظيان لدى دمشق بقدر من الاحترام والثقة، يؤهلهما لمعالجة أي خلل حدودي، بأقل الخسائر الممكنة. وثمة من يردد أن بعض الآراء الرسمية كانت دعت قيادة الجيش ـ مديرية التوجيه الى اصدار بيان بما حصل وبالمعالجات الجارية، لكن قيادة الجيش ارتأت المعالجة بعيدا عن الاثارة الاعلامية. 
في المقابل، ليس صعبا الاستنتاج ان قوى 14 آذار بالغت بشكل مفرط في البناء على الخروقات الحدودية الى حد رفع كثيرا منسوب الاستغلال السياسي الذي تجاوز ما يستطيع الحدث بحد ذاته ان يتحمله، بينما كان يمكن ان تتسم مواقفها برصانة أكبر لو انها عرفت كيف تدير حملتها ومتى توقفها، بدلا من ان تندفع بها الى مستوى مريب، أثار تساؤلات أوساط بارزة في الاكثرية حول الخلفيات الحقيقية الكامنة خلف هذا الهجوم العنيف للمعارضة على سوريا والحكومة دفاعا عن السيادة الوطنية، في حين انها تجاهلت على سبيل المثال لا الحصر، أحدث الخروقات الاسرائيلية لهذه السيادة التي سجلت أمس الأول تحديدا، حيث استباحت الطائرات المعادية الاجواء اللبنانية بشكل مكثف من الجنوب وصولا الى عكار مرورا بالبقاع ، من دون ان يرتفع صوت واحد منددا او مستنكرا من بين صفوف المعارضين.
وإذ يرى رئيس مجلس النواب نبيه بري ان الهمروجة الحاصلة غير مبررة وغير منطقية، يعتبر ان هناك من يريد ان يفتعل زوبعة… في فنجان، لافتا الانتباه الى وجود تداخل جغرافي على الحدود اللبنانية – السورية، وبالتالي لا يمكن الجزم ما إذا كان الجيش السوري قد تجاوزها أم لا في معرض مطاردته مهربي السلاح.
ويشير بري الى ان الاتفاقية الامنية الموقعة بين لبنان وسوريا يجب ان تكون هي المرجعية وأداة القياس في مقاربة ما يجري عند الحدود، فإذا تبين بموجبها ان السوريين خرقوا فعلا هذه الاتفاقية على الارض يُعالج الأمر عبر الاقنية المؤسساتية من دون إثارة كل هذا الغبار والصراخ، وإذا تبين ان ما حصل لا يتعارض مع محتواها يصمت أولئك الذين افتعلوا كل هذه الضجة.
ويعتبر بري ان من الغرائب ان يساوي البعض بين الاعتداءات الإسرائيلية الفاضحة والواسعة والمستمرة على السيادة الوطنية وبين حوادث ملتبسة تقع على الحدود مع سوريا، مضيفا: لنفترض جدلا ان خرقا سوريا محدودا قد حصل للاراضي اللبنانية، فهل يجوز وضعه في خانة واحدة مع الانتهاكات الاسرائيلية. إن ذلك كمن يساوي بين جار دخل حديقة منزله وبين سارق يقتحمها كل يوم.
وتذهب بعض الاوساط البارزة داخل الاكثرية في «ارتيابها» من حملة فريق 14 آذار الى حد ربطها بكلام السفيرة الاميركية في بيروت مورا كونيللي التي دعت الحكومة اللبنانية الى حماية المعارضين السوريين الموجودين في لبنان. وترى هذه الأوساط ان هجوم المعارضة الحاد يندرج في سياق الترجمة الفورية لرغبة كونيللي، مشيرة الى ان هؤلاء المطلوب حمايتهم إنما يتخذون من الاراضي اللبنانية مقرا للتخريب على سوريا ولتحضير العمليات ضد أمنها، وبالتالي فإن تسمية المعارضين التي تطلق عليهم ليست في الحقيقة سوى الاسم الحركي للمهربين والمخربين.
وتنبه الاوساط الى احتمال ان يكون الهدف المضمر من وراء تصعيد 14 آذار، معطوفا على الكلام الاميركي، تهيئة المناخ للدفع في اتجاه إيجاد «منطقة آمنة» على الحدود، تؤمن الحماية لمهربي السلاح ولمنفذي أعمال التخريب داخل سوريا، بعد العجز عن فرض منطقة عازلة على الجانب السوري من الحدود.
وإذ تتهم الاوساط جهات فاعلة في 14 آذار بالتورط في أحداث سوريا، تروي ان مديرا لأحد المستشفيات في البقاع تلقى مؤخرا اتصالا هاتفيا من شخصية سياسية معروفة طلبت منه ان يستقبل وفدا من بعض بلدات البقاع للضرورة القصوى وان يتجاوب مع ما سيطرحه. وبالفعل استقبل مدير المستشفى الوفد الذي ابلغه بان الكثير من منازل بعض البلدات البقاعية تستضيف جرحى سوريين سقطوا في مواجهات مع الجيش السوري، والمطلوب نقلهم الى المستشفى بهدف تلقي العلاج.
وقد رفض مدير المستشفى تحمل مسؤولية استقبال الجرحى، ولفت انتباه الوفد الى ان هناك عناصر من الجيش والامن العام يتواجدون عند مدخل المستشفى ولا بد من ان يعبر المصابون هذا الممر الإلزامي أولا. عندها، اقترح الوفد ان يعطي المدير تعليماته الى الاطباء بان ينتقلوا الى المنازل لمعالجة الجرحى وان يسمح بنقل الأدوية الضرورية لهم، لكنه رفض.
وتنطلق الأوساط البارزة في الأكثرية من هذه الرواية لتشير الى خطورة المغامرة التي يخوضها البعض في لبنان، وهي تؤكد ان دمشق باتت تملك ملفا موثقا بالصوت والصورة حول تورط جهات لبنانية في أعمال العنف عبر مد مجموعات مسلحة بالمال والسلاح، كما هي تملك ملفا حول سعي جهات لبنانية لإقامة مخيم للنازحين وكيف كان سيتم استقدام بعضهم بالهواتف من الأراضي السورية لقاء مبالغ محددة، وأن الأمر نفسه تكرر، لكن على صورة إقامة مستشفى ميداني يحظى بتمويل أوروبي ولاحقا باهتمام إعلامي عربي.
وتختم الأوساط نفسها بالقول: «تصوروا ماذا لو أقفلت المملكة العربية السعودية، حنفية المال عن سعد الحريري في هذه اللحظة السياسية اللبنانية ـ السورية المفصلية، وتصوروا ماذا سيفعل الحريري غدا لو أعيد فتح الحنفية»؟
 

السابق
اميل لحود : ما حصل في مصر يؤكد كلام الراعي الواضح
التالي
كرامي: تمويل المحكمة “لن يمشي” لا في مجلس الوزراء ولا في مجلس النواب