لا تمويل للمحكمة والغليان السياسي آتٍ

أبلغ "حزب الله" الى كل من يعنيهم الامر ان تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لن يمر، وعليه فإن الساحة الداخلية متجهة الى ان تشهد حالة من الغليان السياسي في خلال المرحلة المقبلة، عندما سيُطرح هذا الملف على بساط البحث العملي خصوصا وأن أوان إستحقاقه،على حد ما يعلن الجميع، هو في نهاية السنة الجارية.

وفي الرسالة التي بعث بها الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون الى الحكومة اللبنانية الاسبوع الماضي والتي لم يفصح عنها الاّ بعد ايام من وصولها، في ظل نفي عدم تلقيها، طلب من لبنان ان يسدد حصته من تمويل المحكمة مشفوعة بزيادة تأخذ في الاعتبار التبدل الحاصل في اسعار صرف العملة الاوروبية الموحدة "اليورو"، في اعتبار ان المحكمة تتعامل بـ"اليورو" الأوروبي وليس بالدولار الاميركي في معاملاتها المصرفية وفي صرف رواتب ومستحقات العاملين فيها من قضاة وموظفين وغير ذلك من مصاريف.

ويقول مصدر تلقى كتاب بان ان هذا الكتاب "روتيني" وفيه، تذكير للبنان بهذا الاستحقاق ولا يلزمه بمهلة محددة، ومعلوم لدى لبنان التزامات مالية سنوية للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وكتلة دول عدم الانحياز وغيرها من المؤسسات الدولية المماثلة وليس فيها الزام للبنان بمهل محددة، ولبنان يسدد هذه الالتزامات في الوقت الذي يتلاءم مع مصلحته، وأي تأخير لا يلقي اي سلبيات عليه.

وفي هذه السياق يقول قطب بارز في الاكثرية، ان التمويل اذا طُرح في مجلس الوزراء لن يقر، لأنه لن ينال موافقة الاكثرية الوزارية، لأن الفريق الذي يؤيده والمكون من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزرائه ومن وزراء رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ووزراء "جبهة النضال الوطني" لا يشكل اكثرية تستطيع إمرار هذا الملف . إلاّ ان هذا الامر لن يمنع الفريق المؤيد للتمويل داخل الاكثرية من الاستمرار في رفع الصوت وتأكيد التزامه التمويل امام المجتمع الدولي، وكذلك امام فريق المعارضة المطالب باقراره بلا ابطاء.

ويشير القطب الى ان تمويل المحكمة في حال طرح في المجلس النيابي ربما يمر، ولكنه لا ينفذ لأن المجلس ورئاسته ستفتح ملف المحكمة منذ تكوينها نظاما واتفاقات عُقدت في شأنها مع الامم المتحدة هي غير دستورية في رأي رئيس مجلس النواب نبيه بري وكثير من الأفرقاء والقوى السياسية، وفي هذه الحال لا يمكن المجلس ان يقر تمويلا لمحكمة لم تقونن أو تدستّر لأنه لم يدرسها ويقرها شأنها وشأن ةغيرها من الاتفاقات والبروتوكولات الدولية أو ذات الطابع الدولي، وتاليا لا يمكن الحكومة ان تموّل هذه المحكمة او اي مؤسسة مشابهة "لأن الاساس الذي بنيت على اساسه غير دستوري".

لكن هذا القطب يقول ان عدم تمويل المحكمة لن يؤدي الى الغاء هذه المحكمة، بل تبقى موجودة، وللامم المتحدة ان تتخذ الخطوات التي تريد في هذا الصدد على مستوى التمويل او غيره.

ولا يتوقف القطب عند ما يمكن ان تكون عليه ردة فعل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي تعهد في الامم المتحدة ومجلس الامن وعلى هامشهما في نيويورك أخير، وكذلك وفي اكثر من مناسبة، ان يفي لبنان بالتزاماته الدولية ومنها موضوع تمويل المحكمة. لكن هذه القطب يعتقد ان ميقاتي لن يكون محرجا أمام المجتمع الدولي لأن سقوط التمويل في مجلس الوزراء، او حتى في مجلس النواب، سيرفع الحراجة عنه وفي امكانه ان يقول للمجتمع الدولي ولكل الذين تعهد امامهم في الداخل والخارج "انني حاولت ولكن"، بمعنى انه عمل لإقرار هذا التمويل وإمراره عبر المؤسسات الدستورية ولكن اللعبة الديموقراطية المتمثلة بالتصويت عليه، اسقطته نتيجة عدم موافقة الاكثرية الوزارية عليه في مجلس الوزراء، وأن مجلس النواب لم يقر هذا التمويل "لأن الاسس التي بنيت عليها المحكمة غير قانونية وغير دستورية لأنها لم تعرض عليه حتى يدرسها ويقرها وتصبح بتلك الصفة".
 
وفي ظل تكاثر الكلام عن ان ميقاتي يمكن ان يستقيل في حال عدم تمويل المحكمة، اشار القطب الى انه يستبعد اقدام رئيس الحكومة على خطوة من هذا النوع "ولكن في حال استقالته لن تكون هناك مشكلة، فالاكثرية الجديدة التي حملته الى رئاسة الحكومة لن تنقص خلافا لكل ما يشاع ويقال ستستمر، لأن ميقاتي ومعه رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط لن يخرجا من تموضعهما السياسي فيها وكذلك في وسطيتهما لاعتبارات كثيرة منها الداخلي ومنها الخارجي، خصوصا وان المنطقة دخلت مرحلة جديدة بعد الفيتو الروسي ـ الصيني الذي اسقط مشروع القرار الغربي الاخير ضد سوريا في مجلس الامن الدولي، والغى الآحادية القطبية في قيادة العالم".

ويعتقد القطب الاكثري نفسه إن فريق 14 آذار سيصعد حملته على ميقاتي وحكومته تحت عنوان عدم ايفائه بالإلتزامات التي قطعها في شأن تمويل المحكمة. اما في حال إستقالته، وهي مستبعدة في رأي كثير من عارفيه، فسيعتبر فريق 14 آذار نفسه امام جمهوره انه انتصر و حقق هدفه، وهو اسقاط الحكومة التي سماها "حكومة حزب الله" عند صدور مراسيم تأليفها واعلن العزم على اسقاطها.

على فريق 14 آذار لن يكتف بالحملة على ميقاتي في حالتي غستقالته أو عدمها، بل سيواصل حملته على الاكثرية وعينه على استحقاق الانتخابات النيابية في سنة 2013 حيث يطمح الى العودة الى مجلس النواب بأكثرية جديدة تمسك بناصية السلطة. ولذا فإن هذا الفريق سيحاول توظيف ما سيحصل لتمويل المحكمة وغيره من الملفات سياسيا وانتخابيا من أجل اعادة الامساك بقاعدته الشعبية وخوض المعركة الانتخابية، مراهنا في الوقت نفسه ان تأتي المتغيرات التي تشهدها الساحة العربية عموما، والسورية خصوصا لمصلحته.

ولذا فإن المرحلة المقبلة داخليا وخارجيا ستكون مراقبة التطور الحاصل في الموقف الروسي في ضوء الفيتو الذي مارسه والصين وادى الى اسقاط مشروع الغربي في مجلس الامن أخيرا، وذلك في ظل سؤال كبير بدأ بعض القيادات يطرحه وهو : هل ان هذا الفيتو الروسي فتح عهد عودة التوازن الى السياسية الدولية بعدما كان هذا التوازن قد إختل لمصلحة الآحادية الاميركية في قيادة العالم اثر سقوط الاتحاد السوفياتي السابق مطلع التسعينات من القرن الماضي؟ وهل ان هذا الفيتو هو مرحلي وتكتيكي، أم بداية توجه روسي إستراتيجي كبير تدعمه الصين ودول كبيرة الحجم سكانيا وإقتصاديا في العالم من مثل الهند والبرازيل وجنوب افريقيا لمواجهة الآحادية الاميركية؟ وهل ان الروس سيطبقون هذا التوجه في التعاطي مع كثير من الفرارات الدولية التي صدرت عن الامم المتخدة ومجلس الأمن من دون ان ينقضوها بـ"فييتو"، او وافقوا عليها (من مثل القرار الدولي 1757 الذي قضى بتأسيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بإجماع الاعضاء في مجلس الامن) أو إممتنعوا عن التصويت عليها مراعاة للولايات المتحدة الاميركية أو لتجنب صدام معها ما كان يمكنهم الدخول فيه يومها لأسباب واعتبارات معلومة أومجهولة؟

ولذا فإن الموقف الروسي المستجد بقيادة الرئيس ديمتري مدفيديف سيكون تحت المجهر المحلي والاقليمي والدولي في هذه المرحلة، وفي ضوء تطوره يمكن استكشاف ما سيكون عليه مستقبل لبنان من خلال المحكمة او غيرها، وكذلك مستقبل المتغيرات العربية ومستقبل العلاقات الدولية، بل النظام الدولي برمته. 

السابق
رؤساء·· وإرتباكات
التالي
نكسة لثورة مصر