المستقبل أسود… والمسؤولية على الجميع

المتابعون الجديون لأوضاع لبنان توصلوا الى استنتاجات غير ايجابية. فهذه البلاد تعيش "سواداً" حالكاً. وهي قد تتجه قريباً الى مرحلة اكثر سواداً. وعندما يسألهم احد الإفصاح عن "السواد" المرتقب يمتنعون عن الجواب، ويتركون للسائل الاستنتاج ولكن بعدما يشرحون له الواقع "المزري" الذي دفعهم الى التشاؤم.
على ماذا ينطوي شرح هؤلاء المتابعين؟

على الآتي:
1- على الصعيد الرسمي هناك مؤسسات دستورية تعمل شكلاً فقط. اما المضمون الفعلي فغائب عن حركاتها. فرئاسة الجمهورية تمارس دور الحياد المطلق، وإن غير الايجابي، حيال قضايا البلاد ومشكلات العباد الداخلية والخارجية. فهو لا يحسم امراً أو موقفاً أو قضية. ولا يناقش في السياسة حتى في اجتماعاته مع الوزراء. ويحرص على عدم إغضاب احد وخصوصاً الذين منهم اصحاب سلطة وسطوة. كما يحرص على عدم قطع شعرة معاوية مع المختلفين في الداخل والخارج. كأنه يريد ان يكمل ولايته من دون مشكلات. وقد يكون ابرز طموحاته بعدما انتُخب رئيساً، التأسيس لـ"عائلة سياسية". ورئيس الحكومة معروف بذكائه وعلاقاته وسعة اطلاعه ودرسه للأمور. لكنه لا يلتزم كثيراً الاتفاقات التي يكون توصل اليها مباشرة او مداورة. إذ سرعان ما يبادر في مجلس الوزراء وعند اول اعتراض الى السؤال عن الذي يقترحون للحل. علماً ان المعالجة النهائية تكون غالباً متأخرة وتحت وطأة التلويح بالتحركات السلبية. اما مجلس النواب برئيسه والأعضاء فوضعه لا يختلف كثيراً.
 
2- على الصعيد الشعبي، هناك كما يعرف اللبنانيون شعوب متخاصمة ومتعادية ولا مجال لتوافقها لأسباب قديمة وحديثة. علماً ان مصالح آنية فئوية وأحياناً خارجية تدفع بعضها الى التحالف. فأولاً، مجرد كونها شعوباً مؤذٍ للوطن. ثانياً، يسيطر الحقد المتبادل عليها وحقدها على الجهات الخارجية التي تدعم من يخاصمها في الوطن. فما بين السنّة والشيعة في لبنان وخارجه معروف، وما بين السنّة وسوريا الاسد وايران الاسلامية معروف من "ود مفقود". وما بين الشيعة والسعودية والخليج عموماً ومصر معروف. وهو ليس ودياً. وما بين الدروز من جهة والسنّة والشيعة والمسيحيين من جهة اخرى معروف ومجهول في آن واحد. ذلك انه متحرّك ومتغيّر باستمرار جراء هواجس اقلية طائفتهم رغم تاريخيتها ودورها المميز. وهذا "التقلّب" لا يترك مجالاً للود او للثقة.
اما المسيحيون فأنهم قسمان شبه متساويين. واحد مع الشيعة وحلفائهم في الداخل والخارج. وآخر مع السنّة وحلفائهم في الداخل والخارج.
الى ذلك كله وخلافاً للظواهر، يبدو ان التصدّعات داخل الشعوب "الموحّدة" سياسة قد بدأت تظهر. فالطائفة الشيعية تستعيد وحدة كاملة عندما تشعر بخطر يتهدد كيانيتها التي شعرت بها ودورها الكبير الذي مارسته، وعندما تشعر ان هناك خطراً اسرائيلياً داهماً لا يواجهه الا سلاح اقوى فريق فيها اي "حزب الله". لكنها وفي الظروف الطبيعية تختلف داخلاً حول امور عدة منها طريقة الحياة، ومنها حرية الممارسة السياسية، فضلاً عن انها تواجه عواقب غياب الدولة والفلتان في مناطقها وعجز هذا "الحزب" "القوي" عن التصدّي لكل ذلك.
والطائفة السنّية ليست احسن حالاً من حيث امكانات التصدع. علماً ان شعورها بالضعف جراء قوة الشيعة وتحالفاتهم الخارجية يجعل وحدة اكثريتها متينة الى حد ما. لكن الى متى، لا احد يعرف.
3- وعلى الصعيد الخارجي تتصرّف شعوب لبنان بعواطفها لا وفقاً لمصلحة بلادها. فبعضها تنبع سياسته من حقده على سوريا. وبعضها تنبع سياسته من عطفها عليه واعتمادها عليه ومساعدتها اياه ضد اخصامه في الداخل. وبعضها تنبع سياسته من حقد على ايران لأسباب مشابهة. وبعضها تنبع سياسته من حقد على اميركا واوروبا والغرب وعلى دول عربية اخرى. وبما ان الخارج كله يغلي الآن سواء بحوادث مباشرة او بتدخلات او مصالح، فإن المنطقة تدفع الثمن جراء الإهمال المزمن للانظمة فيها لشعوبها ومصالحها.
في مواجهة ذلك هل يتوقع عاقل ألاّ يكون المستقبل غير البعيد أسودَ؟ يسأل المتابعون انفسهم وخصوصاً في ظل غياب "الكبار" عن ساحة السياسة وانشغال معظم الساسة بالزواريب، وسيطرة "الصغار" اصحاب المصالح والشهوات وإن على حساب الوطن وشعبه او عفواً شعوبه على الساحة. 

السابق
خيرات أرضنا.. معرضاً في النبطية
التالي
وفد من امل زار مفتي سوريا معزيا