سيدي البطريرك

لا تفاجأ لحظة بأن جميع اللبنانيين، في لبنان أو في العالم، هبّوا اليك وأنت تزورهم، لأنهم، وفق قولك، رأوا فيك الدور المنتظر لبكركي الذي طالما اضطلع به الصرح التاريخي بشجاعة واخلاص مع البطريرك السابق الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير.
مفاجأتك سيدي ذكرتني بما رواه لي يوماً الوزير السابق جان عبيد عن قوله لأحد رؤساء الجمهورية "لا تبحث عن الضوء، فأنت الرئيس والأضواء تتبعك أينما حللت. إن فيك من عوامل الجذب الكثير". وكان يومها في حضرته مع غسان تويني، ودار نقاش حول وجوب تغطية النشاطات اليومية الرتيبة للرئيس أو عدمها.

سيدي، لا يحتاج البطريرك الماروني، كل بطريرك ماروني ، الى من يهدي اليه درعاً ووساماً، ومن يمنحه هبة أو جاهاً، ولا يحتاج سيد بكركي الى من يهديه الى سواء السبيل، ففي مخزون البطريركية من التاريخ ما يعطي دفعاً لسنين كثيرة، ويصوِّب الأداء عندما تضطر ظروف ومتغيرات أي بطريرك الى الانحناء والانكفاء، بل التعرض له، كما حصل مع سلفك تحديداً.

تذكرت الواقعة السابقة وأنا أتابع باهتمام مواقفك الاميركية إن جاءت دقيقة ( اذ اعتدنا في ما سبق كلامك على ان الاعلام يجتزئ المواقف). تابعت باهتمام موقفك اللبناني حتى الصميم بما يذكر فعلا بالمواقف التاريخية لسلفك الذي ربما نسي بعض الوقت رعايته الانطاكية، معتبراً نفسه بطريرك لبنان، اذ وجد فيه كما كل اسلافه موئل الحرية، وخصوصاً حرية المعتقد التي حفظت الايمان الماروني بل المسيحي منذ زمن بعيد، مما جعل الكنيسة المارونية شعلة متقدة للحرية.
قلت بالأمس إن البطريرك لا لون له إلا لون لبنان، وإن من يريد الحقيقة والحرية ولبنان الكبير والعيش المشترك فليمشِ مع البطريرك، وانك مع كل الاحزاب وكل التيارات وكل اللبنانيين. وهذا تماماً ما يريده اللبنانيون كافة من بكركي، ومنك تحديداً، يا صاحب الغبطة. كيف لا وهم ينشدون الحرية، والحقيقة، وعيشهم المشترك، ولبنانهم الاكبر من مساحته الجغرافية ومن امكاناته الاقتصادية. قد يختلفون في التكتيكات والخطط والسبل التي تقود الى ذلك، لكنهم لا يختلفون حتما على الثوابت. واذا ضلوا، فان ثوابت بكركي ومواقف البطاركة العظام كانت دوماً دليلهم الى خير السبيل.
يحلم البعض اذ يقولون إن في بكركي بطريركين، لكن الحقيقة بعيدة من حلم مدمّر، وقد صوّب البطريرك صفير هذا اللغط المتداول أمس اذ قال: "نحن لا نتعرض لما قاله صاحب الغبطة وهو يقول ما يجب قوله، ونحن مع ما يقول ولسنا ضدّه. أنا كنت بطريركا وقدمت استقالتي، فأصبحت خارج اللعبة". بهذه الكلمات القليلة وجه البطريرك صفير البوصلة التي عرف دائماً ان يوجهها وفق الثوابت غير المكتوبة غالباً، بل المحفورة في التاريخ.
فيا سيدي، قد يكون تأويل أو تحوير أو اجتزاء صار أكثر صعوبة في زمن المرئي والمسموع، ولكن لا يهمنا ما فات، بل نتطلع اليك في مستقبلنا، ونحن معك في اننا لسنا مجموعة منفصلة ويجب ان نكون كباراً كي نحافظ على رسالة لبنان في ظرف عربي يغلي لأننا مرتبطون بالعالم العربي الذي يبحث عن ذاته.  

السابق
ديبلوماسي أوروبي: لبنان في عين العاصفة وواشنطن تريده جبهة متقدمة للمعارضة السورية ضد النظام
التالي
بند التمويل الخط الأحمر في مصير الحكومة