ثورات العرب بلا ربيع

لا أدري من أين استقى العرب تسمية ثوراتهم بالربيع العربي. نعم صحيح أن ثوراتهم انطلقت وشرارة الانقلابات على الأنظمة الدموية بدأت وأُقصي البعض والبقية على وشك، لكن تسمية الربيع على ثوراتهم تيمناً بالغرب الاوروبي فيها تجن ومبالغة شديدة. فهناك الاوروبيون جميعهم وبشتى صنوفهم وأطيافهم خرجوا وثاروا فكان لهم ما أرادوا، فلم يتهم بعضهم البعض بأن هذا فرنسي وذاك انكليزي وهذا كاثوليكي وذاك ارثوذكسي والخامس علماني. مشكلتنا يا اخوان ليست في آليات التحرر، بل في عقليات التحرر!

فأغلب الظن أن مصير ثوراتهم كمصير أنظمتهم الفاشلة، فشلوا في التوحد برغم إسلاميتهم وعلى مدار مئات الاعوام ومنذ البعثة المحمدية، وفشلوا في التوحد برغم قوميتهم العربية أمام الغزو الاجنبي والاحتلال الاوروبي منذ نصف قرن، ومازالوا فاشلين امام الغزو الإسرائيلي برغم وضوح مظلوميتهم، ويبدو أنهم سائرون بالضبط على درب الفشل في ثوراتهم برغم شرعيتها أمام سلطات شمولية دكتاتورية حاكمة لعقود من الزمن.
فحاليا وكما سرق الأجانب الثورة الليبية، سرق العسكر المصريين، وسرق علماء البلاط الثورة اليمنية والسورية. يحصل ذلك بسبب العقليات البسيطة، فشل بعد فشل، وسرقات بعد سرقات، وفساد بعد فساد، وظلم بعد ظلم. لاحظ الثورات العربية وقارن بينها، صدقني ستجد نفسك مدهوشا مما يجري، ومتعجبا ما تسمع! توجد اليوم ست ثورات عربية: تونس، مصر، ليبيا، سورية، يمن، بحرين. تتشابه الثورات جميعها في كل شيء، باستثناء ميول ومزاجات العرب!
 
تتشابه في ما بينها بأنها حكومات سلطوية شمولية تحكم بقسوة الظلم والبطش وانتهاك لحقوق الانسان وسلب الرأي والتفرد بالسلطة ونهب ثروات الشعب، حكومات مستمرة تحكم منذ عقود، حكومات وأنظمة تمنع تداول السلطة، أنظمة سياسية لا يملك الشعب فيها محاسبة المسؤولين ولا يمارس سوى وظيفة السمع والطاعة، أشبه وأقرب لأنظمة الرق والمالك والمملوك! ببساطة ثورات لوجود هذا الظلم وبسبب مطالب شعبية شرعية تريد التغيير، لا أكثر ولا أقل! وتتشابه الثورات في أن أنظمتها السياسية تقمعها بقائمة وسائل واحدة وجاهزة لأي وقت: فالثوار شرذمة أثاروا الذعر بين المواطنين الآمنين، أرعبوا السكان، «مندسين ومدسوسين» من الخارج، يحملون أجندات أجنبية، لتبدأ من بعدها بسياسات التمييز الطائفي بين أفراد الشعب لتهييج فريق على فريق، ثم استخدام العنف والسلاح والقتل والمحاكم العسكرية والتنكيل والتعذيب والاضطهاد!

لكن ولأن الفشل رديف العرب، يقسم العرب ثوراتهم بحسب المناطق الجغرافية. فكلما ابتعَدَت الجغرافيا، كلما كانت الشعوب على حق في التغيير، وما ان اقتربت، صار الحق يميل اكثر للسلطة. فما كنا نصدقه هناك نبدأ بتكذيبه هنا. فنظام العبودية هناك يصبح ولاية أمر هنا، وممارسة القهر هناك يصبح استتباب الأمن هنا، وحق الناس في التعبير هناك يكون ترويع الآمنين هنا، والديموقراطية مطلب شرعي هناك يصبح الخروج على الحكومة حراماً شرعاً هنا، والمحاكم مسيّسة وبيد الحاكم والسلطة هناك، تصبح المحاكم العسكرية للمدنيين مشروعة هنا، والثوار البسطاء خبراء ويجوز لهم حق التعبير في تطبيب السياسة هناك، نصدق أن الاطباء والمفكرين والصحافيين مجرمون وأصحاب اجندات خاصة هنا! الحمدلله والشكر! 

السابق
الانباء: جنبلاط وحزب الله اختلاف تحت سقف الاحترام
التالي
المعلم.. 6 بيضات أم ساعات؟