السفير: ثورة مصر تواجه التهديد الأخطر لانتصارها: عشرات القتلى والجرحى بين الجيش والأقباط

حتى ساعة متقدمة من فجر اليوم، كانت مصر تحاول استعادة الهدوء، غداة ليلة شهد فيها الوضع الأمني منحى خطيراً، تمثل في مقتل ما لا يقل عن 20 شخصاً وإصابة العشرات، في مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين أقباط امام مبنى الإذاعة والتلفزيون في القاهرة، سرعان ما امتدت إلى ميدان التحرير وعدد من الشوارع في وسط العاصمة، في تطور يشكل أكبر تهديد لـ«ثورة 25 يناير» على امتداد الأشهر التسعة الماضية، ويظهر في الوقت ذاته فشل سلطات المرحلة الانتقالية في إيجاد حل للتوتر الطائفي، والذي يجمع الثوار على انه أخطر أداة تملكها قوى الثورة المضادة.

وفي أول تعليق رسمي على الاضطرابات الأسوأ التي تشهدها مصر منذ انتصار ثورتها في 11 فبراير شباط الماضي، قال رئيس الوزراء المصري عصام شرف، في رسالة نشرها على صفحته في موقع «فيسبوك»، إن «ما يحدث الآن أمام ماسبيرو ليس مواجهات بين مسلمين ومسيحيين، إنما محاولات لإحداث فوضى وإشعال الفتنة بما لا يليق بأبناء الوطن الذين كانوا وسيظلون يداً واحدة ضد قوى التخريب والشطط والتطرف»، مضيفاً أن «إعمال القانون وتطبيقه على الجميع هو الحل الأمثل لكل مشاكل مصر». وختم «أتوجه إلى كل أبناء الوطن الحريصين علي مستقبله ألا يستجيبوا لدعاوى الفتنة لأنها نار تحرق الجميع ولا تفرق بيننا».
وذكر التلفزيون المصري أن شرف يتابع تطورات الموقف مع قيادات كنسية وقيادات الشرطة والجيش، فيما عقدت لجنة العدالة الوطنية اجتماعاً في مقر مجلس الوزراء للبحث في سبل احتواء الموقف الذي يبدو انه خرج عن سيطرة السلطة الانتقالية والمؤسسات الحزبية والدينية، وتحول الى اضطراب شديد يشعل شوارع القاهرة والاسكندرية التي خرج اقباطها ليلا للتضامن مع المحتجين في ماسبيرو.
وجاءت هذه الأحداث الدامية بعد ساعات قليلة على إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة سلسلة من الإجراءات لإرضاء القوى السياسية وشباب الثورة قبل الانتخابات البرلمانية في الثامن والعشرين من تشرين الثاني المقبل، وأهمها وقف محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وقبل ثلاثة أيام من فتح باب الترشح لعضوية مجلسي الشعب والشورى.

واندلعت المواجهات عندما اقترب متظاهرون أقباط، كانوا يحتجون على إحراق كنيسة في مدينة أسوان، من مبنى الإذاعة والتلفزيون في وسط القاهرة (ماسبيرو)، واستخدام قوات الشرطة والجيش العنف لتفريقهم.
وتضاربت المعلومات حول أسباب انفلات الوضع الأمني على هذا النحو، إذ تحدثت مصادر عن محاولة المتظاهرين اقتحام المبنى، فيما أشارت مصادر أخرى إلى قيام مركبات للجيش بدهس عدد من المحتجين. لكن شهود عيان قدموا رواية مختلفة لما حدث، إذا أشاروا إلى أن المواجهات بدأت عندما قامت «عناصر مجهولة» بإلقاء الحجارة والقنابل الحارقة باتجاه المتظاهرين، لدى تقدمهم من شبرا باتجاه مبنى ماسبيرو عند نفق القللي. 
وحدث سماع دوي إطلاق رصاص غير معلوم مصدره، أسفر عن وقوع إصابات من المتظاهرين. ونتج عن الاشتباكات تحطيم إحدى السيارات التي كانت تمر بالطريق، فيما تردد أن محتجين استولوا على أسلحة للجيش وقاموا بدورهم بإطلاق النار. كما ذكر شهود عيان أن المتظاهرين أحرقوا مدرعة تابعة للجيش المصري أمام مبنى ماسبيرو، قبل أن يحتشدوا على كوبري 6 أكتوبر، حيث رشقوا قوات الأمن المركزي بالحجارة. كما لوحظ وجود سيارات إسعاف في ميدان عبد المنعم رياض تتلقى مصابين.
وذكر شهود آخرون أن مدرعات تابعة للجيش طاردت المتظاهرين على كورنيش النيل أمام مبنى ماسبيرو، وهو ما أكدته لقطات مصورة بثتها العديد من الفضائيات. وقال عماد جاد، الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في مداخلة هاتفية على قناة النيل للأخبار، إنه شاهد «مدرعات للجيش تدهس المتظاهرين»، معتبراً أن «هذه جريمة حرب مسؤول عنها المشير (حسين) طنطاوي، ومجموعة المجلس العسكري، وهذه جريمة في حق الإنسانية يجب أن يحاكم المسؤولون عنها، ويجب أن يحاسب من أصدر الأوامر». وأضاف أن «هؤلاء متظاهرون سلميون، ولم يكن أحد من المتظاهرين يحمل سلاحاً، لكن الجيش هو من صعّد الأمر، والمشير يجب أن يخرج للناس الآن ويتحدث، فهذه مقدمة لحرب أهلية».
ونقلت صحيفة «المصري اليوم» عن الناشط الحقوقي شريف عازر أنه شاهد 17 جثة في مشرحة المستشفى القبطي أصيب أصحابها بالرصاص أو تعرضوا للدهس بالمدرعات خلال الاشتباكات مع قوات الجيش أمام ماسبيرو. وأضاف أن من بين الضحايا الشاب مايكل مسعد، الذي يشارك في برنامج مراقبة وسائل الإعلام في المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.

وفي حصيلة أولية للمواجهات، تحدثت وزارة الصحة عن مقتل 19 شخصاً وإصابة 156 آخرين، فيما تحدث مصدر أمني عن مقتل ثلاثة عناصر من الشرطة العسكرية وإصابة مئة، فيما ذكرت مصادر صحافية أن عدد القتلى تجاوز 23 شخصاً.
وتوجه نحو ألفي متظاهر إلى ميدان التحرير تنديداً لما حدث للأقباط، مرددين هتافات «يسقط يسقط حكم العسكر»، و«الشعب يريد إسقاط الحكم العسكري». وقام عدد من المتظاهرين بإغلاق شارع قصر العيني، وشارع محمد محمود، بالحواجز، فيما تم تكسير زجاج نوافذ مبنى الجامعة الأميركية.
وترددت أنباء عن وقوع مشاحنات بين المسلمين والأقباط في ميدان التحرير، فيما ذكرت صحيفة «الأهرام» أن مواجهات اندلعت بين مجموعة من الشبان المسلمين والمسيحيين في ميدان عبد المنعم رياض المجاور، حيث تراشق الطرفان بالحجارة وزجاجات المياه الفارغة، مما أدى إلى وقوع عدد من الإصابات، وتهشم بعض السيارات المتواجدة بالميدان، قبل أن تتدخل قوات الأمن لإخلاء الميدان، حيث تم اعتقال عدد من المتظاهرين بين الجانبين.
وتردد ليلاً أن تظاهرات أخرى نظمت في مدينة الإسكندرية، حيث نقلت «الأهرام» عن شهود عيان إنهم سمعوا دوي طلقات نار لتفريق مئات المتظاهرين، الذين احتشدوا في منطقة سيدي جابر، أمام قيادة المنطقة الشمالية العسكرية، احتجاجاً على الاعتداءات التي استهدفت عدداً من الكنائس مؤخراً، وتنديداً بإطلاق النار على المتظاهرين في ماسبيرو.
واعلن التلفزيون المصري فجر اليوم فرض حظر التجوال في وسط القاهرة بدءا من الساعة الثانية بعد منتصف الليل وحتى الساعة السابعة صباحا على خلفية المصادمات.
وأتت هذه التطورات بعد أقل من ساعتين على صدور قرار من رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوي، بوقف إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية، إلا في ما ينص عليه قانون الأحكام العسكرية، أي الجرائم التي تقع في المعسكرات أو الثكنات أو المؤسسات أو المصانع أو السفن أو الطائرات أو المركبات أو الأماكن أو المحلات التي يشغلها العسكريون لصالح القوات المسلحة، وأيضا الجرائم التي تقع على معدات ومهمات وأسلحة وذخائر ووثائق وأسرار القوات المسلحة وكافة متعلقاتها.
وكان المجلس العسكري قام قبل ذلك بساعات بتعديل قانون الانتخابات بعد الانتقادات الحادة من جانب أحزاب سياسية هددت بمقاطعة الانتخابات المقبلة. وقضى القرار بإلغاء المادة الخامسة من القانون الانتخابي التي كانت تكرس ثلث المقاعد للمستقلين داخل البرلمان. وسيسمح إلغاء هذه المادة للاحزاب السياسية بتقديم مرشحين لهذه المقاعد.
كما قرر المجلس فرض عقوبة السجن على المرشحين الذين يهددون أو يقدمون رشوة للناخبين بهدف الحصول على أصواتهم، وأيضاً للمرشحين الذين يستخدمون شعارات دينية في حملاتهم. وفرض المجلس أيضاً غرامة بقيمة 500 جنيه على الناخبين المسجلين الذين لا يدلون بأصواتهم من دون مبرر. 

السابق
حزب الله وأمل مع أو ضد تمويل المحكمة !؟
التالي
زيت الزيتون الجيد: القطاف الباكر أكثر جودة وأقلّ ربحا.. والعكس بالعكس