البناء: طهران تُحذِّر مجدداً من تدهور علاقاتها مع تركيا بسبب مواقفها من أحداث سورية

يشهد ما تبقى من أيام الشهر الجاري زحمة حلقات بالغة الدقة والحساسية تبدأ بالملف المعيشي ولا تنتهي بموضوع تمويل المحكمة الدولية.
وبدا من خلال الحراك السياسي الذي جرى في الساعات الماضية والذي سيستكمل اليوم وغداً، أن الوضع المعيشي بات حملاً ثقيلاً على الجميع، من سياسيين وأرباب عمل وعمّال في ظل اتساع الهوة بين هذه الأطراف وغياب إمكانية التوصل إلى صيغة تفاهم حول زيادة الأجور.
هذا المشهد حمل رئيس الحكومة إلى إجراء مروحة من الاتصالات والمشاورات واللقاءات، بدأها السبت الفائت بزيارة إلى الرئيس نبيه بري، وأتبعها أمس بزيارة إلى بعبدا حيث وضع الرئيس ميشال سليمان في أجواء وحصيلة الاجتماعات التي عقدها مع رئيس المجلس والهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام، بحثاً عن المخرج الذي يحول دون تنفيذ الإضراب المحدد بعد غد الأربعاء.
وهذا الحراك سيستكمل اليوم باجتماع مع اللجنة الوزارية لبلورة أفكار معينة توضع على طاولة مجلس الوزراء في جلسته يوم غد الثلاثاء إلى جانب التقرير الذي سيرفعه وزير العمل شربل نحاس عن نتائج اجتماعاته مع لجنة المؤشر التي أنهت اجتماعها مساء الجمعة الماضي بالإعلان عن الفشل في الوصول إلى حلول.
أجواء لقاء بري ـ ميقاتي
وقالت مصادر مطلعة لـ"البناء" إن ميقاتي سيعود للتشاور مع الرئيس بري في هذا الشأن خلال الـ24 ساعة المقبلة، إن بالاتصال أو باللقاء المباشر بناء على اتفاق بينهما جرى السبت.
وقالت المعلومات إنه خلال اللقاء طرحت وجهتا نظر الاتحاد العمالي والهيئات الاقتصادية، وان ميقاتي أبلغ بري انه سيتابع الموضوع مع الهيئات الاقتصادية مرة أخرى، وانه من حيث المبدأ ليس ضد زيادة الأجور ومطالب العمال، لكن هناك قضايا معينة يجب الوقوف عندها قبل حسم هذا الأمر.
ووفق المعلومات، فإن ميقاتي بصدد حسم موقفه من زيادة المبلغ الذي طرحه على العمال إلى ما يقارب الـ 250 ألف ليرة.
أما بالنسبة الى الرئيس بري فإنه يسعى إلى حل يرضي العمال ولا يؤدي إلى نتائج سلبية على الوضع المالي والخزينة.
ووفق المعلومات أيضاً، فإن الاجتماع تطرق إلى 4 نقاط أساسية، فبالإضافة إلى موضوع العمال جرى البحث في الملف النفطي حيث اتفق على عقد جلسة للجان النيابية المشتركة في 17 الجاري يحضرها رئيس الحكومة والوزراء المختصون لعرض ما توصلت إليه الحكومة في هذا الصدد ومناقشة الخطوات الواجب اتخاذها للانتقال إلى المرحلة التنفيذية.
أما الموضوع الثالث فكان موضوع الموازنة حيث جرى التأكيد على إفساح المجال أمام مجلس الوزراء لمناقشتها والابتعاد عن التجاذبات عبر وسائل الإعلام.
وأبدى بري ملاحظات عديدة على الموازنة حيث يرى فيها بعض السلبيات وعدداً من الإيجابيات، وأبرز السلبيات هو موضوع زيادة الـ T.V.A الذي لا يحبذه الرئيس بري.
أما الموضوع الرابع فهو موضوع المحكمة الدولية حيث اتفق على أن يكون البحث في هذا الموضوع داخل مجلس الوزراء لا خارجه. ولا مانع أيضاً من إرسال مشروع قانون من قبل الحكومة في هذا الصدد إلى مجلس النواب حيث يتوقع أن يأخذ نقاشاً طويلاً في حال أرسل باعتبار أنه أساساً لم يناقش في المجلس النيابي بتاتاً.
وفي هذا السياق، أعلن رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن في اتصال مع "البناء" أن التحضيرات للإضراب تجري على قدم وساق ليكون شاملاً كل المناطق والقطاعات الخاصة والعامة، لافتاً إلى أن الهيئات الاقتصادية تدفع العمال دفعاً إلى الإضراب لتمسكها بقرارها عدم المساس بالأجور.
وكانت الهيئات قد أعلنت بعد اجتماعها مع رئيس الحكومة إصرارها على موقفها من الشطور، داعية "العمالي" إلى حوار لإيجاد سياسة اجتماعية شاملة وواضحة، لأن الحل ليس بزيادة الأجور. هذا وأكد مصدر نيابي مقرب من رئيس مجلس النواب لـ"البناء" أن مجلس الوزراء يتجه إلى رفع الحد الأدنى إلى 750 ألفاً وبدل النقل إلى 10 آلاف على أن يترك موضوع الشطور إلى اللجنة الوزارية.
اتصالات ناشطة
ومن المتوقع أن تنشط الاتصالات اليوم وغداً على الخطوط المعنية كلها في سباق مع الوقت قبل موعد الإضراب المقرر بعد غد الأربعاء.
وإذا كان الأفق شبه مسدود حول إمكانية التوصل إلى حل، فإن مصادر وزارية أكدت لـ"البناء" أنه ما دام الحوار قائماً فإن التوصل إلى حلول ليس أمراً مستحيلاً آملة بصيغة تقرّب المسافات بين أرباب العمل والعمال حول الأرقام المقترحة لزيادة الأجور.
التعيينات
وإلى جانب الملف المعيشي، فقد أضيف إلى جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء غداً 47 بنداً إلى ما تبقى من بنود من الجلسة السابقة، على أن يعقد مجلس الوزراء جلسة ثانية بعد غد الأربعاء، قالت مصادر وزارية إنها ربما تشهد صدور ما نضج من طبخة التعيينات الموضوعة على نار حامية والتي يصر رئيس الجمهورية على بتها هذا الشهر، حيث كان قد تمنى على الوزراء الاستعداد لوضع تقاريرهم حول الشواغر التي يراد ملؤها في إداراتهم.
وفي هذا السياق، كشف وزير التنمية الإدارية محمد فنيش أن نسبة الشغور في وظائف الفئة الأولى تجاوز الـ40 في المئة. ولفت في حديث لـ"المنار" إلى أن هناك تحضيراً للقيام بتعيينات في بعض الإدارات، وهناك تقدم على هذا الصعيد.  
الموازنة
أما الاستحقاق الثالث الذي ينتظر الحكومة فهو مشروع الموازنة العامة للعام 2012 حيث من المقرر أن تعقد الأسبوع المقبل جلسات متتالية للإسراع في إنجاز المشروع وإحالته في الموعد الدستوري على مجلس الوزراء.
ومن المتوقع أن تشهد المناقشات بعض الجدل خصوصاً أن أطرافاً أساسية في الحكومة أعلنت اعتراضها المسبق على فرض بعض الضرائب وزيادة الرسوم، إضافة إلى البند الخلافي المتعلق بتمويل المحكمة الدولية.
وفي هذا الصدد جدد أكثر من قيادي في حزب الله الرفض المطلق لهذا التمويل، كما الرفض المطلق لأي مساومة على هذا الموقف، وهو ما يعني أن هذا الموضوع سيحتاج إلى مشاورات ولقاءات بعيدة عن طاولة مجلس الوزراء لكي يجنب الحكومة أي اهتزازات محتملة.
الراعي ودور بكركي
في المواقف، برز كلام للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي خلال جولته الأميركية المتواصلة حيث أعرب عن تفاجئه بأن كل اللبنانيين هبّوا لاستقباله في كل المناطق، لأنهم رأوا فيه الدور المنتظر لبكركي الذي لطالما لعبته بشجاعة وإخلاص مع البطريرك السابق نصرالله صفير الذي حاولوا ان يلونوه سياسيا، قائلاً: "ان البطريرك لا لون له إلا لون لبنان، فمن يرد الحقيقة والحرية ولبنان الكبير والعيش المشترك فليمش مع البطريرك، ولا تصدقوا كل ما يقال ويُكتب، لان هناك الكثير من الكذب من العالم"، مشددا على انه مع كل الاحزاب وكل التيارات وكل اللبنانيين.
ولفت الى "ترابطنا مع العالم العربي الذي يبحث عن ذاته لان عمقنا ومصيرنا معه"، مؤكدا "اننا لسنا مجموعة منفصلة، ويجب ان نكون كبارا لكي نحافظ على رسالة لبنان في ظرف عربي يغلي".
الأسد أمام الألبا:
الإصلاحات قرار سيادي
أما على الصعيد السوري، فقد كان اللافت أمس، زيارة وفد تجمع دول الألبا ـ أميركا اللاتينية إلى دمشق الذي أكد دعمه لمسيرة الإصلاح التي يقودها الرئيس الدكتور بشار الأسد ورفضه لكل ما تتعرض له سورية من مؤامرات خارجية.
وقد أكد الرئيس الأسد أمام وفد دول فنزويلا وكوبا وبوليفيا والاكوادور أن الخطوات التي تقوم بها سورية ترتكز على محورين: أولهما الإصلاح السياسي، وثانيهما إنهاء المظاهر المسلحة، مضيفاً أن الإصلاحات لاقت تجاوباً كبيراً من الشعب السوري وأن الهجمة الخارجية على سورية اشتدت عندما بدأت الأحوال في الداخل بالتحسن لأن المطلوب من قبلهم ليس تنفيذ إصلاحات بل أن تدفع سورية ثمن مواقفها وتصديها للمخططات الخارجية للمنطقة.
وأشار الرئيس الأسد إلى أنه وبالرغم من ذلك، فإن عملية الإصلاح مستمرة وهي تجري بناء على قرار سيادي غير مرتبط بأي إملاءات خارجية ومن أي جهة كانت.
المعلم يحذّر
من ناحيته، شدد وزير الخارجية السوري وليد المعلم خلال مؤتمر صحافي مشترك مع أعضاء الوفد الزائر، على أن أي دولة تعترف بالمجلس السوري المعارض سنتخذ إجراءات مشددة ضدها.
وأشار الى أن "حركة التخريب والعنف انتقلت لتشمل البعثات الدبلوماسية السورية في الخارج، والدول التي توجد فيها هذه البعثات تقع على عاتقها مهمة حمايتها"، مؤكدا أن الدول التي لا تحمي البعثات السورية ستعامل بالمثل في دمشق.
ونفى المعلم علمه بأي وساطة روسية من أجل الحوار مع المعارضة. ولفت الى أن المجموعات الارهابية تقتل الناس بالاجرة، ولا ارى ربطا بين أفعال هذه المجموعات والإصلاحات.
وقال: هل المجموعات الإرهابية المسلحة تريد عقد حوار وطني؟ وهل المجموعات المسلحة التي تغتال رجل الفكر والعلم تريد إصلاحات في سورية؟ إن هذه المجموعات تقتل الناس بالأجرة، لذلك لا أرى ربطا بين ما تفعله وبرنامج الإصلاح والحوار المنوي تنفيذه.
وأضاف المعلم إن المعارضة الوطنية مدعوة الى المشاركة في الحوار الوطني ومدعوة الى المشاركة في بناء مستقبل سورية.
سليمان يعزي حسون
تزامناً، زار المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم سورية أمس ناقلاً تعازي رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، إلى المفتي العام للجمهورية السورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون، باستشهاد نجله سارية الذي اغتيل الأسبوع الماضي، وقال: "إن الذي يستهدف الأبرياء في سورية ولبنان، هو العدو المشترك".
وأعرب المفتي حسون عن تقديره لتعزية الرئيس سليمان، متمنياً أن يكون استشهاد نجله حقناً لدماء السوريين، وقال: "إننا في سورية ندفع ضريبة مواقفنا المتمسكة بالحقوق واحتضان المقاومة".
كما التقى ابراهيم عدداً من القادة الأمنيين السوريين وبحث معهم الأحداث التي حصلت على الحدود اللبنانية ـ السورية أخيراً.
ونقلت "المنار" عن اللواء ابراهيم انه اطلع من المسؤولين السوريين على تفاصيل ما حصل من مواجهات بين الأمن السوري ومهربي أسلحة. وأكد إبراهيم أن الأجواء كانت ممتازة وأن هناك تنسيقاً مشتركاً بين الجانبين لما فيه مصلحة للبنان وسورية.
وعلمت "البناء" من مصادر مطلعة أن زيارة اللواء عباس ابراهيم إلى دمشق أمس كانت تتضمن مهمتين: الأولى التنسيق مع القيادات الأمنية السورية لضبط الوضع على الحدود المشتركة، والثانية: زيارة مفتي سورية أحمد حسون بتكليف من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لتقديم التعازي باستشهاد نجله سارية.
وأشارت المصادر إلى أن لقاء ابراهيم مع القيادات الأمنية السورية كان مثمراً وإيجابياً ونتج منه الاتفاق على خطوات لكبح عمليات التهريب التي تحصل عبر المعابر غير الشرعية بين البلدين. وأوضحت أن الاجتماعات الأمنية ستستمر بين الجانبين بهدف التنسيق الأمني لما فيه خير البلدين.
طهران تحذر تركيا
في سياق متصل، برز كلام من طهران أمس على لسان اللواء يحيى رحيم صفوي القائد السابق لقوات النخبة ومستشار القائد الأعلى السيد علي خامنئي، اعتبر فيه أن نشر منظومة الدرع الصاروخية لشمال الأطلسي على الأراضي التركية "خطأ استراتيجي ترتكبه أنقرة"، مضيفاً "أن تركيا تسير بالاتجاه الخطأ في تعاملها مع أحداث المنطقة، وربما هذا هو ما يريده الأميركيون لها، وهذا أمر مؤسف جداً"، لافتاً إلى أنه "على تركيا أن تعيد النظر في سياساتها الإقليمية، وألا تتأثر بالإملاءات الأميركية ولا بضغوط حلف شمال الأطلسي، وأن تتعاون بإيجابية في إيجاد الأمن والاستقرار في منطقتنا لكي لا تتأثر علاقاتها مع إيران وسورية في شكل سلبي".
وتابع: "ان تركيا تتعاون مع أميركا والسعودية و"إسرائيل" من أجل زعزعة الاستقرار والأمن في سورية، وهذا أيضاً خطأ استراتيجي آخر ترتكبه حكومة أنقرة ضد الشعب السوري".
 

السابق
أبعد وأخطر من تمويل المحكمة
التالي
النهار: الحكومة تُسابق الإضراب في اختبار بين أطرافها