كيف ولماذا هدّد ميقاتي بالاستقالة؟

مؤشرات كثيرة برزت في الآونة الأخيرة على مشكلة تواجه الائتلاف الحكومي للأكثرية الجديدة. وإلى جانب الاختبارات الدائمة القائمة بسبب ملف المحكمة الدولية، برزت مشكلة تتعلق بدور لبنان في مجلس الأمن وكذلك بالسياسات المالية للحكومة

يوم الثلاثاء الماضي، كان النقاش يدور بين أطراف الائتلاف الحكومي بشأن كيفية تعامل لبنان مع مشروع القرار المطروح أمام مجلس الأمن الدولي والمتعلق بفرض العقوبات على سوريا. أكثرية الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة تريد أن يكون موقف لبنان حازماً لناحية رفض القرار، أما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فكان مصراً على اكتفاء لبنان بالامتناع عن التصويت. رئيس الجمهورية ميشال سليمان كان موقفه كالمعتاد: أنا أميل إلى الامتناع عن التصويت. لكنني أؤيد الرفض إذا توافق عليه الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي.

بري، الموجود في أرمينيا، كان يبعث برسالة إلى الرئيس ميقاتي مفادها أن موقف لبنان يجب أن يكون مماثلاً للموقف الروسي الذي سيرفض القرار. حصل نقاش بين الأطراف، فيما بعث وزير الخارجية عدنان منصور برسالة إلى مندوب لبنان الدائم لدى الأمم المتحدة السفير نواف سلام، يبلغه فيها أن يصوّت ضد القرار. فما كان من سلام إلا أن اتصل بميقاتي، ليسأله رأيه. فقال ميقاتي لسلام أن يتمهل، وألا يتصرف من دون العودة إليه. وقال سلام لميقاتي، على حد قول مقربين من الأخير: «أنا لا أستطيع أن أصوت ضد القرار. أقصى ما يمكنني القيام به هو الامتناع عن التصويت. وإذا أصررتم على الرفض، فسأستقيل». رد ميقاتي بكلام مفاده أن موقفه وموقف سلام واحد، ثم اتصل بالمعاون السياسي للرئيس نبيه بري الوزير علي حسن خليل، قائلاً له: «أنا لا أستطيع أن أصدر تعليمات برفض مشروع القرار، وعلى وزير الخارجية أن يبعث بتعليمات إلى سلام يبلغه فيها ضرورة الامتناع عن التصويت.

وإذا لم يفعل منصور ذلك، فسأستقيل، وكذلك سيفعل نواف سلام». رد خليل بأن قراراً كهذا يحتاج إلى توافق، قائلاً له إنه سيراجع الأمر مع الحلفاء. بعد دقائق، قرر الرئيس ميقاتي «الالتفاف» على شركائه في الحكومة، فاتصل بوزير الخارجية السوري وليد المعلم. ودار حوار بين الرجلين، كان خلاله المعلم يصر على أن الموقف اللبناني المتضامن مع سوريا يقتضي رفض مشروع القرار الدولي الذي سيشرع لاحقاً خنق سوريا، وقد يجري استغلاله للتدخل العسكري، كما حصل في ليبيا. طلب ميقاتي من المعلم أن يعيد التفكير في الأمر من زاوية المصلحة اللبنانية وحساسية الوضع اللبناني، على أن يعودا إلى التواصل بعد نحو ربع ساعة. في هذا الوقت، طلب الرئيس ميقاتي من «صديق مشترك» بينه وبين الرئيس السوري بشار الأسد التواصل مع الأخير لشرح وجهة نظر ميقاتي، فكان لرئيس الحكومة ما أراد. فقد أجرت دوائر القرار السورية اتصالات بالعاصمة الروسية موسكو للاستفسار عما إذا كان امتناع لبنان عن التصويت يحرج الروس، لكون لبنان يمثل المجموعة العربية، وهو من أقرب الدول العربية إلى سوريا. وأتى الرد الروسي بأن موقف موسكو من مشروع القرار ثابت بغض النظر عن القرار اللبناني. وبعد دقائق، تبلّغ ميقاتي أن «الرئيس الأسد يتفهم حساسية الوضع اللبناني، ويبدي حرصه على الاستقرار اللبناني المستند إلى استقرار الحكومة». وعلى هذا الأساس، أبلغ ميقاتي شركاءه في الحكومة ما جرى، فردوا قائلين إن موقفهم ثابت بشأن ضرورة رفض مشروع القرار، إلا أنهم مستعدون للتنازل حفاظاً على تماسك الحكومة. وما كان من وزير الخارجية إلا أن أبلغ سلام اتخاذ موقف الممتنع عن التصويت. 
ورأت مصادر حكومية أن موقف ميقاتي لم يكن سوى «بروفا» لما سيجري بشأن المحكمة الدولية، علماً بأن حزب الله وحركة أمل أبلغا ميقاتي مباشرة مطلع الأسبوع الجاري أنهما سيصوتان ضد تمويل المحكمة في الحكومة، فضلاً عن رفضهما صدور مرسوم جوال بسبب عدم قانونيته. ورد ميقاتي بأن في حوزته مشروعاً للحل، لكنه لن يطلع أحداً عليه الآن لكي «لا يحترق»، لكن مصادر متابعة للشؤون الحكومية رأت أن إمرار «لغم» تمويل المحكمة سيكون في حاجة إلى تدخل شخصي من الرئيس السوري بشار الأسد؛ لأن ميقاتي مصر على الاستقالة إذا لم يمر تمويل المحكمة، بغض النظر عما إذا كان القرار صادراً عن الحكومة أو عن مجلس النواب.
وفي هذا السياق، ذكر مصدر وزاري بارز، أن طريقة إعداد مشروع قانون الموازنة يشي بأن هناك مشكلة مقبلة على الوضع الحكومي، وخصوصاً أن الوزير المعني محمد الصفدي، سبق أن قال في مجالس خاصة إن الجهد الفعلي الخاص بمشروع الموازنة لم يبذل بعد، ما دفع معارضين للمشروع إلى القول إن ما قدمه الصفدي ما كان ليحصل لولا ضغط مراجع حكومية، في إشارة إلى الرئيس ميقاتي، الذي يتهمه التيار الوطني الحر بأنه يريد إبقاء السياسات المالية والنقدية والضرائبية التي كانت معتمدة أيام الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري. وفي الإطار ذاته أيضاً، ذكر موظفون في وزارات خدماتية أنهم يُسرعون في إنجاز بعض المعاملات؛ لأنهم سمعوا من وزرائهم ما يشبه التأكيد أن هذه الحكومة لن تعمّر طويلاً.

فرنسا وسوريا ولبنان

على صعيد آخر، أعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو، في مؤتمر صحافي أمس، عن قلق بلاده «العميق إزاء معلومات أفادت بحصول توغل للجيش السوري في لبنان قد يكون أدى إلى مقتل مواطن سوري»، وقال: «نذكر بتمسك فرنسا باستقلال لبنان وسيادته وسلامته».
وفي طرابلس، لم تقع أي مشكلة خلال الاعتصام الذي دعا إليه اللقاء العلمائي تحت عنوان التضامن مع الشعب السوري، بعدما انفض المشاركون الذين كان عددهم أقل من المتوقع، لكونه لم يتجاوز 1500 مشارك وفق أوساط مقربة من المنظمين، الذين فوجئوا أيضاً بغياب النواب والسياسيين وممثلي الأحزاب والتيارات السياسية عن الاعتصام.

حزب الله والمعارضة

من جهته، قلل نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، في احتفال تربوي، من تأثير المواقف الغربية، وخصوصاً الأميركية، في الاستحقاقات اللبنانية، مذكراً بأن ضغوط الولايات المتحدة لم تمنع تأليف الحكومة الحالية، ولا صدور «بيان وزاري يخالف كل تطلعاتها، وإذا بأميركا مضطرة إلى التعامل مع من يقف على رجليه، مع من لا يقبل أن يكون منساقاً لشروطها، بل بالعكس، هي لا تحترم أولئك الذين يتزلفون لها، ورأينا تزلفاتهم من خلال التقارير التي قرأناها على صفحات الصحف». وأعلن أن قرار حزب الله هو عدم الرد على أطراف «تحاول أن تستفزنا، وأن تستدرجنا إلى أجوبة ليعرفوا موقفنا ليردوا علينا»، وأنه يؤجل «الإجابات الصحيحة إلى وقتها». 

السابق
بلدة قانا احيت ذكرى اسبوع المغترب
التالي
25 عنصراً للمكافحة يغطّون 277 بلدة ومخما.. وكيف لن تزدهر المخدرات جنوبا؟