ضرائب جديدة.. على المواطن تحملها لتمويل الانفاق الاضافي للوزراء

اعتبر وزير المال السابق جهاد أزعور أنه لا يمكن قراءة الموازنة من دون الأخذ في الاعتبار الاطار الاقتصادي المالي والاجتماعي الذي يحيط بها. بعد 4 سنوات من نمو مرتفع، سيتراجع النمو خلال هذا العام الى 2.5 في المئة، مع خطر ارتفاع الاسعار سيما وان التضخم في العام 2011 سيفوق الـ 6 في المئة، في ظل حالة من عدم الاستقرار السياسي في المنطقة، وأزمة اقتصادية عالمية تضرب أوروبا، ما سيؤثر على النمو الاقتصادي في العالم.

ويقول أزعور لـنا ان الـ 2011 ليست سنة جيدة على الصعيد المالي، إذ من المتوقع أن يبلغ العجز حوالي 3 آلاف مليار، وهو رقم قياسي، والاصعب أنه سيسجل عجز في الميزان الاولي الذي يحدّد القدرة على المحافظة على الاستقرار المالي. والميزان الاولي يُظهر حجم المداخيل لدى الدولة لتغطية نفقاتها من خارج خدمة الدين. وعليه، فإن التراجع في الوضع المالي كبير جداً في العام 2011 مقارنة مع 2010، والنفقات العامة في الدولة ارتفعت بوتيرة كبيرة من 2007 الى 2010 من 13 الف مليار الى 20 الف مليار، أي بزيادة 7 الاف مليار.

انطلاقاً من ذلك، نرى أن موازنة 2012 استمرت بزيادة الانفاق بوتيرة عالية، فبدل ان تعتمد على التمويل الخارجي المؤمن في جزء كبير منه من باريس 3، اعتمدت على الاقتراض من الاسواق المحلية وكلفة ذلك ستكون أعلى لأنها تأخذ جزءاً من السيولة من درب القطاعات الانتاجية.

أضاف: لم تأخذ الموازنة في الاعتبار بند الرواتب والاجور، وتأثير رفع الحد الادنى للأجور على الموازنة. ونحن نعلم أن رفع الاجور له تأثير كبير على مالية الدولة لأنه ينعكس أكلافاً اضافية على الدولة، سيما وأن موظفي الدولة يتجاوزون الـ 25 الفاً وتالياً فإن الانفاق على الرواتب والاجور والتقاعد يقارب 5 الاف و600 مليار وهو رقم كبير جداً ومضاعف عما كان عليه منذ خمس سنوات.

تابع: ان بند زيادة الانفاق أُدرج تحت عنوان اجتماعي انما لا يعكس سياسة اجتماعية صحيحة. على سبيل المثال، هناك ارتفاع على صعيد الطبابة بحيث ستشمل كل المواطنين. وعليه، زادت اعتمادات الصحة 300 ملياراً، لكن في الوقت عينه ستستمر الدولة في الضمان الاختياري الذي هو منافس للتغطية الصحية الشاملة. ويشير وزير العمل الى انه يسعى من خلال وزارته الى اعطاء نوع من الضمان الاجتماعي الى كل المواطنين، فهذه الموازنة التي من شأنها ان تعكس السياسة الاقتصادية والاجتماعية لا نرى انها تفعل ذلك، إذ هناك أكثر من مصدر انفاق للهدف ذاته، كما هناك تضارب بين السياسات.

كذلك تم رفع اعتمادات وزارة الزراعة، لكن في التفاصيل، نلاحظ أن الاعتمادات التي ارتفعت ذهبت الى بندين هما الشمندر السكري وشراء القمح والبند الثاني دعم الصادرات من خلال “ايدال”. لكن من المعلوم ان موضوعي الشمندر السكري والقمح لا يدعمان الزراعة وهما محصوران بعدد قليل من المزارعين، أما دعم الصادرات من خلال “ايدال” فيستفيد منه المصدرون أكثر من المزارعين.

بناء عليه، وبالنظر الى الموازنة من ناحية الانفاق اكان من حيث العناوين العريضة او التفاصيل، فهي لم تعكس حقيقة الانفاق. أما الزيادات التي طرأت، لن تكون لها التأثيرات المطلوبة، ذلك إما بسبب التضارب في المواضيع الاجتماعية، أو لأن الأرقام الكبيرة توزعت على بنود لا تحسّن من وضع القطاعات مثل القطاع الزراعي.

أضاف: بصرف النظر عن قدرة الدولة على التمويل، الذي يتم عبر الاستدانة أو برفع الضرائب، ففي ظل نمو اقتصادي ضعيف وانتاجية ضئيلة، خصوصاً في القطاع العام، هل يجوز الاستمرار في رفع مستوى الانفاق؟

اما على صعيد الايرادات، فأيّد أزعور رفع الضرائب “في حال كانت تهدف الى المحافظة على الاستقرار المالي ومعالجة مشكلة الدين، أما اليوم مع تراجع النمو والتوقعات غير المشجعة للنمو خلال العام 2012، فمن الاجدى ان يتقلّص الانفاق ويتم ضبطه، لذا أُعارض سياسة رفع الانفاق ورفع الضرائب لتمويل هذا الانفاق.

القوانين الاصلاحية

ولاحظ ازعور ان سياسة الموازنة الضرائبية اختلفت عما ورد في البيان الوزاري، مشيراً الى أن الموازنة المطروحة افتقرت الى الاصلاح. واعتبر ان المدخل الاساسي للاصلاح يكون أولاً عبر اقرار قانون الضريبة الموحدة على الدخل والتي ترسي مفهوماً متطوراً للعدالة الضريبية. فلو أقرّ هذا القانون لكان أخذ في الاعتبار القدرة المالية، وتالياً ما كان ليفرض ضريبة على الفوائد بنسبة 8 في المئة بالتساوي على كل المودعين مهما كان رصيدهم، علماً أن هذا القانون موجود وأقر مرات عدة في مجلس الوزراء. كذلك، فان اقرار مشروع حساب الخزينة الموحد من شأنه أن يوفر سنوياً حوالي 400 مليار. هذا الاصلاح البسيط، وهو لا يكلف المواطن شيئا، يؤمن مردوداً موازيا للمردود الذي سينتج عن زيادة الـ 2 في المئة على القيمة المضافة.

وفي حال اردنا تحسين التقديمات الاجتماعية، من الافضل اقرار ضمان الشيخوخة، لأنه يؤمن الاستقرار والاستمرارية ويخلق عقدا اجتماعيا بين المواطن والدولة.

يتابع أزعور: ومن اجل تحسين ادارة المال العام، خصوصاً في الانفاق الاستثماري، كان من الافضل استعمال الاموال المرصودة من القروض في باريس 3 وهي لا تزال نائمة كمشاريع قوانين في المجلس النيابي. ففي حكومة متجانسة ولديها القدرة على التحرك، كنا نأمل في اقرار الكثير من الاصلاحات وإدراجها في الموازنة. والملاحظ ان العبء الضريبي وبدلاً من ان يستعمل لمعالجة مشكلة الدين، استعمل لتمويل انفاق ربما هو أكبر مما ذُكر في الموازنة.

السابق
تسليم وتسلم في قيادة قوة الاحتياط الفرنسية
التالي
غرفة الاستئناف بالمحكمة قررت وجوب تسليم بلمار إفادات بعض الشهود للواء السيد