التعايش الاشتراكي العوني تركيبة قسرية

يخفي واقع الحكومة انقسامات أكثر بكثير من التي يعبر عنها بعض المواقف التي تخرج الى العلن على رغم ان بعضا منها لا يمكن اخفاؤه. وبعض هذا الامر خرج في موضوع تعيين رئيس الجامعة اللبنانية والذي لم يستند فقط الى كفاية علمية بين سائر المرشحين بل حصل لاعتبارات سياسية مقصودة ومكشوفة بحيث نقضت منذ هذا التعيين الاولي صدقية الحكومة في قدرتها على اعتماد معيار العدالة والكفاية وان تكون لكل اللبنانيين. وذلك علما ان كل المسائل تبدو على محك الخلاف داخل الحكومة. فلا جدار قائما بين التيار الوطني الحر ووزرائه منذ ازمة مشروع الكهرباء وفشل هؤلاء في تمرير مشروع من دون اي ضوابط قانونية ووزراء الحزب التقدمي الاشتراكي الذين احبطوا محاولة الالتفاف على تجاوز الحكومة ومجلس النواب في تأمين هذه الضوابط. ويحاول هؤلاء الرد على احباط محاولتهم بتناول وزراء الاشتراكي بالامور الشخصية خصوصا وزير الاشغال العامة والنقل غازي العريضي الذي يأخذ الواجهة في هذا الاطار في حين ان الخلافات تبدو مفتوحة على اتساع كبير بين الطرفين علما ان موقف وزراء التيار في موضوع الكهرباء اثار حفيظة حلفائه من "حزب الله" واصطدم مع وزراء حركة "امل." ويجمع اكثر من وزير على التأكيد ان اداء وزراء التيار الوطني ينطوي على استفزاز واضح في كيفية اثارة المواضيع وطرق عرضها.

ويظهر الابتعاد او التمايز الاشتراكي واضحا عن قوى 8 اذار فيما اثارت مواقف النائب وليد جنبلاط حفيظة القيادة السورية التي لمحت مطلع الاسبوع الماضي ولدى استقبالها بعض السياسيين اللبنانيين الى تمايز مواقف افرقاء اللبنانيين وفهم منها انها تقصد مواقف النائب جنبلاط فيما السفير السوري في لبنان لم يخف ملاحظاته في هذا الاطار. وهذا الامر يسلط الضوء اكثر على تمايز مواقف الافرقاء في الحكومة من الموضوع السوري ومن كل المواضيع باستثناء موضوع مواجهة اسرائيل وسلاح "حزب الله" الذي شرح جنبلاط اخيرا وجهة نظره من استيعابه في الوقت المناسب للحزب ووفق اختياره هذا الوقت.  فالحكومة تبدو مركبة بعضها على بعض قسرا في ظل نقاط اختلاف كثيرة لا تحصى. واذا كان افرقاؤها اختلفوا في موضوع الكهرباء فكيف الحال في مواضيع اخرى لا تقل اهمية كالذي يمثله تمويل المحكمة الخاصة بلبنان. فاللقاءات الاخيرة للامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله مع سياسيين لبنانيين خرجت بمعادلة ان لا تمويل للمحكمة خارج مجلس الوزراء مما يعني ان لا تمويل لها. وقد خرج كثر للتبشير بهذه المعادلة على انها ما يجب التعامل معه وليس ما قاله رئيس الحكومة في الامم المتحدة. ويعتقد ان هذا الموضوع سيشكل تحديا في ظل اقتناع ان الحزب تراجع عن تسهيل الموضوع امام الرئيس نجيب ميقاتي مما قد يطرح مصير الحكومة على المحك على نحو جدي لان هناك فريقا لا يود ان يتم تجاهل رأي قسم كبير من اللبنانيين يريد العدالة من خلال المحكمة كما لا يود ان يتم تجاهل تحذيرات المجتمع الدولي ولا دحض قدرة او صدقية رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في تعهداتهما للبنانيين وللخارج. ويذهب البعض الى التساؤل في هذا الاطار ايهما اهم هل الحكومة اهم ام هي المحكمة الاهم وصولا الى استنتاج ان المحكمة اهم كونها استحقاقا محليا وخارجيا على حد سواء يمكن ان يرتب على لبنان ضغوطا كبيرة قد لا يكون لديه قدرة على تحملها في حين ان الحكومة هي موضوع داخلي فقط او غدت موضوعا داخليا. وقد لا يحتمل غياب التضامن الحكومي الانقسام العمودي في موضوع تمويل المحكمة.

ولا يثير احد واقع ان الظروف التي اقتضت تأـليف الحكومة قد انقضت وتغيرت على رغم الاستقبالات الاخيرة للرئيس السوري بشار الاسد التي توحي بان شيئا لم يتغير والتي اظهرت انتعاش النظام خصوصا بعد الفيتو الروسي والصيني في مجلس الامن على قرار دولي يدين هذا النظام. لكن الامور في شكلها الخارجي هي غيرها في مضمونها الفعلي وهناك متغيرات جوهرية لا يمكن القفز فوقها بحيث تطرح تحديات امام الحكومة ليس اقلها حادث اختراق الجيش السوري الاراضي اللبنانية في عرسال وسواها ومنها موضوع الاتهامات حول ملاحقة المعارضين السوريين في لبنان والسماح بحصول ذلك. فصمت الحكومة على هذا الامر وتجاهلها اياه او التقليل من اهميته لم يمنع كونه حصل من دون القدرة على المجاهرة به او القول علنا بالسعي الى عدم تكراره او مطالبة النظام السوري بذلك على رغم الرسائل السياسية التي يراها كثر في هذا الخرق. والتحدي الذي لا يقل اهمية يكمن في العجز الذي يظهره لبنان الرسمي في موضوع التهديدات لمقر "الاسكوا" وما اثاره من هشاشة الوضع الامني.
وتواجه الحكومة الاستحقاقات المطلبية المعيشية التي يتعذر تلبيتها من حيث القدرة على فرض ضرائب جديدة او تأمين زيادة في الاجور علما ان قوى 8 اذار اسبغت وتحاول ان تسبغ على الحكومة هذا الطابع اي تصحيح الاوضاع الاجتماعية الصعبة حيث تؤمن لها مكاسب على المستوى الشعبي يعطيها زخما افتقدته للاعتبارات السياسية المعروفة. 

السابق
مغانم السلطة ومغارمها
التالي
وليد فارس مستشارا