ليرقد بسلام

يستعد القراران الدوليان 242 و194، والقرار 338، الذي يطالب بتنفيذ ما سبقه، لانضمام قرار جديد اليها في آذار المقبل، هو الرقم 1757، الذي أُنشئت بموجبه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وستكون المحكمة، في وقت قريب، مكاناً مناسباً لموظفيها لتناول القهوة والثرثرة، والحديث عن أمجاد غابرة في بلاد الأرز، بعد أن يفقدوا أية قيمة وظيفية، هذا إذا ما استمرت المحكمة موجودة فعلياً ومادياً.

سيرقد القرار الدولي، هذا، بسلام في آذار المقبل، إلى جانب القرارات «الراحلة»، وسيكون هناك نزاع كبير على دفنه، لن ينحصر في لبنان، بين قوى 14 آذار وحزب الله، بل سيمتد حولنا وفي الغرب، وسنسمع الكثير من الكلام والاتهامات، لكن، في النهاية، سيطلق لبنان الرسمي رصاصة الرحمة على المحكمة الدولية، و«سيتمدد» القرار القاضي بإنشائها، محنطاً قرب أشقائه الكثر من القرارات التي اتخذت لوضع حلول للقضية الفلسطينية، وأُعدمت الواحد تلو الآخر.
في ميزان القوى المحلي ما يسمح بذلك، فرئيس الحكومة نجيب ميقاتي يعلن موقفه كرئيس للحكومة، لكن آلية اتخاذ القرار في مجلس الوزراء واضحة، ولن يحصل على تأييد أكثر من 11 وزيراً في أفضل الأحوال، وهو ما سيراه أولاً في محاولة تمويل المحكمة الخاصة بلبنان. حينها، سيكون على حزب الله تأكيد موقفه المبني على أن هذه المحكمة مسيسة، وتتعاون مع العدو الإسرائيلي، وتقودها الاستخبارات الأميركية، وتعرض ملفاتها للبيع في السوق السوداء، ولا تتحلى بالحد الأدنى من الصدقية والمهنية، وهي غير جديرة بمحاكمة قتلة رفيق الحريري، ولا كانت لجنة التحقيق مؤهلة للتحقيق المهني في اغتيال الرجل.
في مجلس الوزراء، سيكون الى جانب حزب الله، حركة أمل بوزرائها، وطبعاً التيار الوطني الحر، الذي أعلن موقفه قائده ميشال عون مسبقاً في موضوع التمويل، أما حين نصل الى تجديد مدة المحكمة، التي انقضت صلاحيتها خلال الأعوام الثلاثة الماضية، فحتماً سيكون لميشال عون موقف أقسى على جاري عادته بالتفاوض صعوداً، والتشدد المطرد. 
وفي فريق الأكثرية المتضعضع، سيكون وليد جنبلاط، الحريص على مراقبة المحيط الدولي والإقليمي، في لحظة سوداء، ربما، حين يضطر الى اتخاذ موقف، وقد يقف على الحياد وهو يعلم أن حياده سيكلفه أكثر من معارضته التمويل، ومن ثم التجديد للمحكمة، وهو التجديد الذي تلزمه موافقة الحكومة اللبنانية بحسب نص القرار 1757، وسيكون من الأربح لجنبلاط أن يناور لتحقيق القليل من المكتسبات قبل قول « نعم» أو «لا».
أما رئيس الحكومة الحالي، وبغض النظر عن موقفه المعلن، فلن يكون بعيداً عن الصمت، ما يهم فعلاً هو أن يخوض «معركة بيضاء ونظيفة» دفاعاً عن التزامات لبنان الدولية، من دون أن ينسى الحفاظ على السلم الأهلي وإبعاد شبح الفتنة المذهبية، والانقسامات المدمرة، وفي الباطن سيكون كل المطلوب هو الحفاظ على «ميقاتية» رئيس الحكومة، ودوره في شارعه، وموقعه الحكومي، ولتأخذ الأمور مجاريها، وليتصرف حزب الله بما ينص عليه الدستور والقوانين.
يبقى رئيس الجمهورية، الذي لن يؤثر قرار وقف التمويل في استقبالاته اليومية، ولا الامتناع اللبناني عن التجديد للمحكمة في برنامج سفره المتواصل، بل ربما سيتطلب الأمر منه حملات وزيارات ومشاورات وتهدئة خواطر تشغله عن أساس موقفه الداعم للشرعية الدولية المفترضة.

أما حزب الله، فقد اعتاد اللعب مع القرارت الدولية. فهو لم ينتظر الشرعية الدولية والأمم المتحدة ولبنان الرسمي لتنفيذ القرار الدولي الرقم 425، بل ذهب ببساطة وانتزعه بالقوة من العدو، وتخلص من القرار 1559 القاضي بنزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، عبر خطين، الأول هو طاولة الحوار التي اخترعها الرئيس نبيه بري، ووضعت بند السلاح للبحث الداخلي (لا الدولي أو الإقليمي)، والثاني عبر اعتماد القرار 1701، الذي محا مفاعيل القرار 1559. وهو بدأ منذ وقت طويل بدفع المحكمة نحو الهاوية، ولن يفوّت فرصة مشاهدتها وهي تهوي.
وحزب الله الذي يدرب، اليوم، فرقة موسيقى كشافة المهدي على عزف النشيد الجنائزي للقرار 1757 في آذار المقبل، يعدّ في الوقت نفسه العدة لمواجهة قرارات مقبلة، ستكون هي نفسها ما سيسدل الستار على عملية دفن المحكمة الدولية.
ثمة قرارات عقابية ستصدر قريباً، وستطغى على ما عداها، وفي آذار سيكون المطر مدراراً، وقد لا يزور أركان فريق 14 آذار قبر القرار الدولي لقراءة الفاتحة عليه. 

السابق
احمد قبلان: الاستقرار المعيشي هاجس مقلق لدى الاغلبية الساحقة من اللبنانيين
التالي
طاروا .. بزيت الطهو