المجلس الوطني السوري..المهام والخيارات

تشكل المجلس الوطني (الانتقالي) السوري أخيرا في إسطنبول، وهذه خطوة واسعة إلى الأمام، لأن السوريين يستطيعون عن طريقه التحدث بصوت واحد إلى المجتمعين العربي والدولي وإلى تركيا.. ثم إنهم يستطيعون عن طريق ذلك مبدئيا أن يصبحوا عنوانا يمكن التوجه إليه ليس من العرب والدوليين فقط؛ بل ومن جانب كل الأطراف التي تريد تقديم دعم إنساني أو سياسي للثورة السورية.

وليس من المعروف بعد هل ستكون للمجلس أو أمانته العامة قدرات وإمكانيات للحركة لتنظيم المساعدة والدعم، وللتواصل مع الأطراف المتشككة أو التي لا تزال تدعم النظام السوري مثل روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا. وقد أثار بعض التساؤلات، ولا شك، خروج أصوات سورية معترضة من الخارج الغربي، وأخرى من دمشق والقاهرة. وكل هؤلاء سوريون أفراد أو جهات ما شاركت أو ما أشركت في المجال الجديد.

والسوريون الدمشقيون منهم يفضلون العمل من الداخل ويعتبرونه ممكنا، ويخشون من التدخل الأجنبي في الشأن السوري شأن ما حدث في ليبيا. أما سوريو القاهرة، فيخشون أن ينحرف المجلس عن أهداف الثورة، ويريدون منه عدم الاتصال أو التفاوض مع إيران وحزب الله، لمشاركتهما مع النظام في قتل الشعب السوري. والذين اعترضوا أو لاحظوا من دمشق والقاهرة معارضون معروفون، قضى العديد منهم سنوات في سجون النظام.

لذا، فإن وجهة نظرهم ينبغي أن تعالَج بتفهم واحترام. إنما الذي أراه – ورغم عدم المعرفة بالتفاصيل – أنه ما عاد مجديا ولا مقبولا الإعراض عن العمل الموحد بذريعة هذا التفصيل أو ذاك. وذلك لثلاثة أسباب: ضخامة ما يحدث بالداخل السوري، والأهوال المحيطة بالشعب سواء أكان ثائرا أم ساكنا. ووصول العمل الخارجي والدولي إلى طريق شبه مسدود، بعد أن بلغت ضغوط العقوبات أقصى مداها، دون أن يتزعزع النظام، وعدم تقدم الموقفين الروسي والصيني. وعدم تقدم العمل العربي المشترك تجاه سوريا بعد مبادرة الجامعة العربية. ففي الداخل السوري هناك نحو خمسة آلاف قتيل، وبضع مئات من الجيش وقوات الأمن، وهناك عشرون ألف معتقل، وانشقاقات بالآلاف من الجيش، ونحو المائة ألف مواطن خارج منازلهم بسبب الملاحقة أو التضييق.
وباستثناء لبنان؛ فإن علاقات النظام بجواره العربي والتركي تزعزعت أو انقطعت. أما في الجوار العراقي، فنظام المالكي الموالي لإيران – مثل النظام السوري – مع الأسد، لكن الجمهور على الحدود بين البلدين معاد منذ عشرات السنين، خاصة منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003. وهناك، كما هو معروف، لجوء ونزوح إلى تركيا ولبنان والأردن وبعض مناطق الحدود مع العراق. وقد ازداد القتل الذريع بسبب اعتماد خطة تصفية المدن والبلدات واحدة واحدة من منسقي المظاهرات، ومن الناشطين. وكذلك بسبب الإغارات المتوالية على المدن والبلدات التي لا تزال ثائرة، ويقول النظام إن المنشقين من الجيش، والإرهابيين المسلحين، يتمترسون في أحيائها الداخلية. وهكذا، فإن سوريا كلها صارت مسرح عمليات لقوى الأمن والجيش؛ دونما استثناء لحلب ودمشق، بسبب الحضور الوقائي الكثيف للعسكر وعناصر الأجهزة المختلفة. ولا شك أن بعض مظاهر التعب – وليس الانكسار – داخلت تحركات الاحتجاج، كما داخلت عناصر وقوى الأمن والجيش لاتساع مسرح العمليات واستمرار الاضطراب لأكثر من ستة أشهر.
أما بالنسبة للأفق الدولي؛ فإن الأميركيين والأوروبيين آثروا منذ الشهر الثالث تكتيك العقوبات في الضغط، الذي بلغ ذروته في الشهر السادس بفرض حظر على استيراد النفط. وكانوا قد مرروا قرارا بمجلس الأمن جاء ضعيفا بسبب الاعتراضات الروسية والصينية على الخصوص. ثم نجحوا هذا الأسبوع في طرح مشروع قرار آخر أكثر قوة، لكنه لا يصل إلى الوضع تحت الفصل السابع إن لم تنفذ الشروط الواردة فيه.

ويتحدث الأميركيون والأوروبيون منذ أكثر من شهرين عن نفاد شرعية النظام، وضرورة ذهابه. لكن الأميركيين آثروا البقاء في الصف الثاني، كما فعلوا في حالة ليبيا دون أن يعني ذلك عدم الإسهام ما دامت طائرات الأطلسي هي التي عملت وتعمل. لكن وزير الدفاع الأميركي جاء إلى إسرائيل، وذكر أمرين مهمين: عزلة إسرائيل، واقتراب النظام السوري من السقوط؛ إنما لا توقيت. وصدور هذا الكلام من عند نتنياهو هو إنذار له أيضا وليس للنظام السوري فقط. فقد راهنت إسرائيل طويلا على تأمين سوريا للحدود معها، رغم احتلال الجولان. وها هو بانيتا يقول لهم إن خط الأمان هذا قد انتهى، والأفضل لكم أيها الإسرائيليون إيقاف الاستيطان والعودة للتفاوض مع الفلسطينيين، واستعادة العلاقات الحسنة بكل من مصر وتركيا، التي زعزعها الربيع العربي.
 
وهكذا ما عاد موقف الولايات المتحدة مختلفا عن مواقف فرنسا وبريطانيا وألمانيا، التي بدأت تفكر بمرحلة ما بعد الأسد. ومع ذلك، فإن الأمر يستدعي تفصيلا.. ذلك أن الحديث عن الطريق الدولي المسدود ليس سببه الفيتو الروسي والصيني وحسب؛ بل تقنية السبيل الذي ينبغي سلوكه لحماية الشعب السوري من جهة، والمساعدة في إسقاط نظام الأسد، من جهة أخرى.

وفي هذا الصدد، فإن روسيا والصين لا تنفردان بالإصرار على عدم تكرار التجربة الليبية، وإن اعتبر الجميع أن النظام السوري أكثر سوءا وشراسة من أخيه الليبي الهارب! وهنا يأتي الموقف التركي الذي تطور أخيرا وقال إن هناك قطيعة مع النظام في سوريا، وإن النظام لم يعد شرعيا، وإنه يفكر بحظر التصدير إلى سوريا. لكن هل تتدخل تركيا في سوريا عسكريا ولو تحت قناع الناتو؟ لا يبدو ذلك متاحا، للأعباء العالية من النواحي السياسية والأمنية. فالإيرانيون والسوريون يستطيعون تشغيل الأكراد ضد الداخل التركي، كما أن هناك عددا من الملفات الاستراتيجية بين إيران وتركيا، تجعل من تركيا مقيدة اليدين؛ وهذا فضلا عن تكاثر مشكلاتها مع أوروبا في الفترة الأخيرة. إنما من ناحية ثانية، لا تستطيع تركيا تحمل الاضطراب والنزاع على الحدود الطويلة مع سوريا إلى ما لا نهاية. ولذلك، فقد اتجهت في البحث عن مخرج إلى العرب أولا، ثم إلى الولايات المتحدة وحتى أوروبا. وهي تقصد بهذه الحركة الدؤوب؛ أنها مستعدة لعمل مشترك مع العرب من أجل الإنقاذ.

المفهوم أن المجلس الوطني (الانتقالي) السوري هذا، له أبوان: تركيا وقطر. وقد توافق روسيا على العودة إلى الجامعة العربية لتنظيم حوار بين النظام ومعارضيه إن لم يكن ممكنا بدمشق، ففي القاهرة. وهذه العملية التعويقية إن تمت تكون عكس ما حدث في حالة ليبيا، وشبيها بما يحدث في حالة اليمن؛ ففي حالة ليبيا، طلبت الجامعة من مجلس الأمن التدخل، وفي حالة اليمن أعاد مجلس الأمن الأمر إلى مجلس التعاون الخليجي ومبادرته. وأنا أذهب إلى أن سيناريو العودة إلى الجامعة تعويقي ولصالح النظام السوري، لأن الأمر بدأ قبل أكثر من شهرين، وقد تجاوزته الأحداث المفجعة. وكل جماعات المعارضة بالداخل والخارج ما عادت تقول بالحوار مع النظام، باعتباره غير مجد ولا مفيد إن لم يتضمن وقف العنف الذي صار ضحاياه بالآلاف.
لقد استعرضت بشيء من التفصيل المشهد الذي يرتسم أمام المجلس الوطني الجديد، الذي يكون عليه من الخارج ثم من الداخل أن يقود المرحلة الانتقالية التي ينبغي أن تبدأ قريبا. ورغم الصعوبات والعقبات الظاهرة؛ فإن الاستجابة الشعبية السريعة من الداخل السوري الثائر لتشكل المجلس الوطني، تبعث على التفاؤل: «والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون» صدق الله العظيم.
 

السابق
لن نصوّت لمغارة علي بابا!
التالي
النهار: الجيش السوري يُعاود مطارداته في منطقة عرسال