الصايغ: لا يمكن تصوّر الشرق بلا المسحيين

الفكرة التي يبشر بها الدكتور داود الصايغ تقول بانه "لا يمكن الانتفاضة او الثورة في المنطقة العربية ان تقود الى مكان أسوأ". على طريقته يحسم الأمر في موضوع الاقليات في الشرق، وتحديدا المسيحية. "يجب الكف عن الخوف على مصير المسيحيين"، يلح في القول. بالنسبة اليه، الربيع العربي يعد "بواقع جديد"… و"يجب عدم التخوف من التغيير".

ثقة كبيرة يوحيها صوته. "لا، لست قلقاً اطلاقاً على مصير الاقليات، وتحديدا المسيحية"، يقول في حديث الى "النهار". تحليله للمستجدات في المنطقة العربية يقوده الى رسم صورة واعدة: "الربيع العربي لا يمكن الا ان يؤدي الى واقع مختلف تنشأ منه انظمة بديلة. وهذه الانظمة لا يمكن أن تكون مثل سابقاتها، بل ستكون متطورة نحو الديموقراطية والحريات العامة وفصل السلطات واحترام حرية المعتقد، وليس حرية العبادة فحسب. وبهذا المعنى، يبشر هذا الربيع العربي بواقع جديد".

ما تردّد أخيراً على السنة بعضهم من مخاوف ان هذا الربيع العربي قد يوصل مسلمين متطرفين الى الحكم، يرى فيه "مراهنة على مجهول"، مشدداً على وجوب "عدم دمج واقع الاقليات في دول المنطقة ببعضها البعض، والاستنتاج بسرعة ومن دون درس ان الوجود المسيحي بخطر، وخصوصاً اذا ما تبدلت الانظمة". ويستند في ذلك الى "ان هناك خصائص لهذا الوجود، اذ ان لكل بلد خصائصه. فليس واقع مسيحيي مصر مثل واقع مسيحيي العراق او سوريا. وبالطبع ليس مثل واقع مسيحيي لبنان".

المشكلة يرصدها، يحدّد أطرها. "عندما تلجأ انظمة الى الشمولية، لا يعود هناك خطر على الاقليات والمسيحيين فحسب، إنما أيضاً على الجميع"، على قوله، "لان انظمة الحكم المطمئنة الى مصيرها لا مشاكل لديها مع اكثريتها، ولا مع اقليتها. فمشاكل بعض الانظمة هي مع مجموع مكونات المجتمع فيها. لذلك فان توجه الحركات الحالية نحو الانظمة الديموقراطية، بصرف النظر عن المخاوف المتعلقة بالبديل، من شأنه ان يحل مشكلة ما يعرف بالاقليات في المجتمعات المتنوعة او المتعددة".
وإذا كانت قضية الاقليات في الشرق، وتحديدا المسيحية، أثيرت قبل نحو عام في اطار السينودس الخاص من أجل الشرق الاوسط، فان ما يدعو اليه الصايغ هو "عدم التخوف من التغيير. المسيحيون كانوا دائما طليعيين فيه. وعمليات التغيير هي التي تؤدي الى تغيير انظمة الحكم نحو الانفتاح وخيارات الحريات العامة وفصل السلطات والديموقراطية والتعدد".
 الارقام المتداولة حول مسيحيي الشرق تبيّن ان عددهم يصل الى 20 مليوناً، بينهم 5 ملايين كاثوليكي، من اصل 356 مليوناً يشكلون العدد الاجمالي للسكان (وفقاً لما وزعه السينودس). في مصر، يشكل عدد الاقباط من 6 الى 10في المئة من مجموع السكان الذين يتجاوز عددهم 80 مليوناً. وفي العراق، تراجع عدد المسيحيين الى اقل من نصف مليون، بعدما كان يراوح بين 800 الف ومليون و200 الف قبل عام 2003. وفي الاردن، يبلغ عددهم 200 الف، وفي الاراضي الفلسطينية 57 الفا، وفي اسرائيل 143 الفا. وفي دول الخليج، يقدرون بنحو 3,5 ملايين، وفي سوريا بين 5 و10 في المئة من مجموع السكان البالغ 22 مليونا. وفي لبنان، تصل نسبتهم الى نحو 34 في المئة من مجموع السكان.
غير أن الصايغ لا يحب اللغة التي تستخدم الارقام لاثارة مخاوف هنا وهناك. "لا اخاف اطلاقاً على الوجود المسيحي في لبنان. لا ليسوا اقلية اطلاقاً. ويجب ان يكفوا عن تقديم الارقام. هذا أمر معيب. المسيحيون لا يفعلون من 20 عاما سوى التذمر وتقديم احصاءات عن هجرتهم. ليكفوا عن الكلام على الاعداد. انه اذلال بذاته".

لكن ألا تعكس الارقام واقعاً معيناً لوجودهم؟ يجيب: "المسيحيون هاجروا من لبنان بسبب الحروب، وهو ما أثر عليهم. والمسلمون هم الاشد حرصا على الوجود المسيحي في لبنان وغيره، ويعرفون ان المسيحيين كانوا رواد النهضة العربية، وبالتالي لا أحد يأتي لحمايتهم. ولا يمكن تصور العرب من دون مسيحيين، لاسباب عالجها مفكرون ومؤرخون ومراقبون عديدون. وبالنسبة الى لبنان، لا يمكن ان يستمر بدوره وضرورته اذا كان الوجود المسيحي فيه اقلياً".

واذا كان الصايغ يرفض كل تشكيك في استمرار الوجود المسيحي في الشرق، فذلك "لان لدي ايماناً عميقاً بأنه لا يمكن الشرق العربي ان يفرغ من الوجود المسيحي". ويلح في الدعوة الى "الكف عن الخوف على مصير المسيحيين". ويتدارك: "في سوريا على سبيل المثال، كان المسيحيون موجودين دائماً فيها. فلماذا يرتبط مصيرهم بنظام هذا الحكم القائم من 1970؟ نسمع اليوم بعضهم يقول ان سقوط هذا النظام سيهدد الوجود المسيحي في سوريا. فهل هذا يعني ان اي نظام بديل سيضطهد المسيحيين؟".
بالنسبة اليه، طرح "هذا الاحتمال" ليس في موقعه. "يجب الا نقول إن الاسوأ هو الذي سيحصل. ولماذا نتوقع الأسوأ؟ انه الربيع. وما يحصل في العالم العربي هو ثورات على انظمة شمولية حكمت عقوداً طويلة. الديموقراطية تمرين. ويجب ان يتدرب مواطنو هذه الدول التي تشهد الربيع العربي عليها… ثمة شعوب عربية انتفضت. ولا يمكن الانتفاضة والثورة ان تقودا الى مكان أسوأ". 

السابق
تهديد ميقاتي
التالي
تريّث أوروبي في الاعتراف بالمجلس السوري