لماذا احتُلت ليبيا؟

تُعَدّ ليبيا الدولة الأولى على مستوى القارة الأفريقية من حيث إنتاج النفط، كما تُعَدُّ الاحتياطات النفطية الليبية الأضخم في أفريقيا، إضافة إلى كونها الأفضل من جراء نوعيتها الفائقة وتكلفة استخراجها، ولديها احتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي.
ولعل رائحة النفط الليبي هي التي جذبت الكثير من «الغيارى» من فرنسيين وأميركيين وصهاينة، وجعلتهم يبدون «الغيرة والمحبة» للشعب الليبي ويتكالبون على نهب ثرواته ويتسابقون في الوصول الى بنغاري قبل سقوط طرابلس، حيث كان في استقبالهم هناك الأميركي البشع جيفري فيلتمان والصهيوني بامتياز برنار ليفني، وليكتمل المشهد بوجود نيكولا ساركوزي وديفيد كاميرون، وحامل لواء الأمبراطورية العثمانية رجب طيب أردوغان.

كل هؤلاء وسواهم جاؤوا يتسابقون لاقتسام الكعكة الليبية تحت عنوان «أصدقاء ليبيا». لكن إبرام المجلس الانتقالي الليبي مذكرة تعاون مع شركة ENI في آواخر شهر آب المنصرم تنص على إبقاء هذه الشركة المنقّب الأجنبي الأول في ليبيا، قد أزعج فرنسا لأنها كانت قد حصلت من المجلس الانتقالي على وعد بالتخلي عن 35 % من النفط لمصلحتها، ولأن فرنسا قد خاضت بل وتزعمت خوض غمار الحرب على ليبيا عبر عملية التدخل الأجنبي التي قادها حلف الناتو بالاشتراك مع سلاح الجو الصهيوني، والتي ذهب ضحيتها أكثرمن ستين ألف مواطن ليبي ومئات الآلاف من الجرحى والمعوقين، إضافة الى تدمير مؤسسات الدولة والبنية التحتية بما فيها خطوط نقل المياه من الصحراء عبر النهر الصناعي الذي بلغت كلفة انشائه 25 مليار دولار، والذي أمَّن نقل الماء المستخرج من أعماق 1300 بئر في الصحراء وفي المدن المجاورة.

وقد سارعت شركات أميركية عقب هذه الغارات وأعلنت عن رغبتها واستعدادها لإعادة بناء ما دمرته قنابل الناتو (مثل شركة كيلوغ براون أندرووت). كما أعلنت شركات أميركية أخرى وفرنسية وبريطانية وايطالية استعدادها لإعادة تكوين الجيش الليبي وتجهيزه، علماً بأن تكاليف عملية إعادة إعمار ليبيا ستُدفَع من الأموال السيادية الليبية التي تبلغ 70 مليار دولار.

الحرب كاستثمار
وكان السيناتور الديمقراطي الاميركي دينيس كوسييتش في منتصف شهر آب المنصرم، قد أشار في صحيفة «الغارديان» البريطانية، الى أن «مساهمة» أميركا المالية في الحرب على ليبيا قد تجاوزت المليار دولار، معتبراً أن التفسير الوحيد لذلك هو أن هذه الحرب تعتبر استثماراً، وتشكّل السيطرة على ليبيا فرصة لتحصيل عائدات هذا الاستثمار.

كما أن صندوق النقد الدولي الذي سارع الى الاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي واعتباره السلطة الرسمية الليبية، مبدياً كامل استعداده لتقديم المساعدات التقنية والدعم المالي والنصائح السياسية بغية إعادة إعمار وإنعاش الاقتصاد الليبي.
إن عملية اعادة إعمار ليبيا ستجري من خلال المصرف الليبي المركزي الذي سيتحول بمساعدة صندوق النقد الدولي الى فرع اضافي من فروع مجموعة HSBC اللندنية وغولدن سيتشز الاميركية، وحسب ما أشارت إليه Le grand soir بتاريخ 15/9/2011، فإن وزير المالية والنفط علي طرحوني الذي كان مدرِّس «البيزنس سكول» في جامعة واشنطن والذي عيّنه البيت الأبيض سيكون مشرفاً على الإدارة المالية العامة لإعادة إعمار ليبيا.
إن الاستعانة بالاجنبي لتحقيق انتصارات لا يمكن أن توضع في خانة «الثورات الشعبية». وما تدخُّل حلف الأطلسي بكل قوته وجبروته وتدمير كل مقومات الحياة في بلد شقيق يمكن أن يسمّى ثورة شعبية، لأن الشعب يدرك أنه خسر حرية وطنه لمصلحة الطامعين بثروات ليبيا والذين برزت خلافاتهم على أوجها حول تقاسم الحصص من النفط الليبي، الأمر الذي دفع ممثل المجلس الانتقالي الليبي في المؤتمر الذي عقد في باريس خلال شهر آب وحضرته وفود تمثل الغزاة البريطانيين والفرنسيين والأميركيين وغيرهم الى التصريح والمجاهرة بأن العقود النفطية ستكون موازية للدور الذي لعبته كل دولة في عملية إسقاط القذافي!!.
سيناريو عراقي
 
ومن الملاحظ أن السيناريو العراقي الذي طُبّق في العراق جرى استنساخه من حيث الشكل على الأرض الليبية، حيث وقع العراق تحت الاحتلال منذ العام 2003 ولا يزال يرزح تحت ثقل وعبء قوات أميركية لا تزال تدنّس أرضه وتستثمر خيراته وتعتدي على أبناء شعبه.. ان القوات المستعمرة التي تحتل الأرض أهدافها واحدة والاستعمار واحد، مهما كان شكله ولونه، وما من دولة وقعت تحت الاحتلال إلا وبقيت آثاره فيها، وها هي أميركا قد بدأت تمهّد لإرساء قواعد عسكرية لها على الأرض الليبية في بداية انطلاقتها لغزو القارة الأفريقية التي ينتظرها المزيد من المآسي والويلات التي تبشِّر بها أميركا والغرب، وكم هي تجارب الدول غنية بالشواهد، فأفغانستان والصومال والعراق ولبنان خير شاهد على الجرائم التي ارتكبها الاستعمار لفرض وجوده وقواعده في أي بلد.
بعد غزو أميركا لأفغانستان، ولم يكن قد مرّ شهر واحد على الحادي عشر من أيلول، دفعت أميركا بقواتها وراحت تقيم القواعد العسكرية بحيث بلغت حتى الآن أكثر من أربعمئة قاعدة تابعة لأميركا وقوات التحالف. وفي العراق ورغم الحديث عن انسحاب الجزء الأكبر من تلك القوات، إلا أنه لا تزال توجد الآن قواعد مسيطرة على أربع عشرة مدينة، والقائمة لم تنتهِ بعد، لأن قوات التحالف برأيهم وُجِدَت هناك لتبقى.

يقول الجنرال ويسلي كليرك في برنامج الديمقراطية الآن، إنه في أواخر العام 2001، أخبره مسؤول في البنتاغون أن الولايات المتحدة تخطط لضرب سبع دول خلال السنوات الخمس المقبلة وهي: العراق، سورية، لبنان، ليبيا، الصومال، السودان وايران، وكانت أفغانستان تتعرض للقصف حينها، والآن يصطف متعهدو البناء لإعادة بناء ليبيا التي دمروها والتي جرى بيعها وتعلن بريطانيا بأنها ستقود عملية الانتقال الليبية لأنهم تعلموا من العراق منذ بداية الأحداث في ليبيا. وبعد تدخل حلف الناتو كان جلياً للعيان أن الهدف الأساسي للأمور هو الاستيلاء على أموال الاستثمارات الليبية في الخارج ونهب لصناعة النفط كعمولة لـ«الناتو». والهدف الخفي لكل هذه العمليات كان اسقاط نظام القذافي، ولكن في حقيقة الأمر كان الهدف الحقيقي هو الحصول على الثروة النفطية وبعدها فليتفنن الليبيون بقتل بعضهم البعض على حد ما قال Edit baufer في صحيفة الغارديان بتاريخ 5/9/2011 عملاً بالقول: «اسرقوا أموالهم واتركوهم يذبحون بعضهم البعض»، وبعد ذلك يحصل الغرب على حصته الكبيرة من كعكة النفط الشهية.
«الشرق الأوسط الجديد»
وإذا كان عنوان النفط هو بعض ما يسعى اليه الغرب وقوى الاستعمار، لكن يبقى في المحصّلة أن الهدف هو إقامة شرق أوسط جديد سبق وبشّرت به ودعت اليه كونداليزا رايس بحيث تكون «اسرائيل» فيه هي حجر الزاوية، بعد إزالة كل الأنظمة التي تشكّل حجر عثرة في طريق هذا الهدف.
لم تكن الحرب على ليبيا من أجل النفط فقط، رغم أهمية هذا المنتج ورغم أن ليبيا تحتل المرتبة الثانية عشرة في العالم. ورغم أن مواردها مهمة جداً بالنسبة الى حلفاء الناتو في أوروبا، لكن السؤال يبقى هو: لماذا تخوض الولايات المتحدة حروباً عدة في المنطقة التي تحتوي على أكثر من خمس وستين في المئة من إمدادات النفط في العالم؟
ببساطة، تمكن الإجابة على ذلك بأن النفط هو أحد العناوين الأساسية للصراع، لكن تفتيت الأمة وشرذمتها وتقطيع أوصالها واستنزاف خيراتها في معارك وحروب عبثية هو العنوان الأبرز لإبعادها ــ أي الأمة ــ عن تأدية دورها القومي في الصراع ضد العدو الذي يستهدف وجودها.  

السابق
أديب إسرائيلي يطعن بيهودية الدولة ويشطب دينه من بطاقة الهوية !!
التالي
الخليج: التغيير أقوى من المال والأمن