عن الإرباك السياسي في تيار المستقبل؟

منذ أن فقد نعمة السلطة ونعيمها، عيّن تيار المستقبل نفسه قائداً للمعارضة التي «ستعيد الحق إلى أصحابه» على حد التعبير الحرفي لزعيمه سعد الحريري. إلا أن «كشف حساب» لما حققه «التيار الأزرق» منذ إسقاط الحريري من رئاسة الحكومة، يظهر انه فشل في تحقيق ما وعد به، وانكفأ من الشعار الهجومي الذي رفعه للإطاحة بالسلطة الميقاتية الجديدة، إلى ارتداء حالة انتظاريّة قاعدتها الرهان على الحدث السوري لعله يصل الى تغيير جذري على مستوى النظام في سوريا، تتمخض عن ارتداداته اللبنانية حتمية عودة تيار المستقبل الى قيادة السلطة السياسية في لبنان.
على ان الحالة الانتظارية التي يعيشها تيار المستقبل لا تقف كما يبدو، على أرض ثابتة او صلبة، خاصة أنها تقترن بما يشبه «النزيف الداخلي» في شرايين الحياة الأساسية للتيار ويتجلى ذلك بالآتي:
اولا، عدم قدرة المعارضة على أن تكون في موقع المبادرة السياسية وبالتالي انتقالها من موقع الهجوم الى موقع الدفاع.
ثانيا، «ازدواجية قيادة» التيار، ذلك أن هناك قيادة مع وقف التنفيذ غائبة عن الساحة يمثلها سعد الحريري، والثانية تحاول جاهدة ان تسد الغياب وتملأ الفراغ بما تيسّر لها وعلى طريقتها ويمثلها فؤاد السنيورة، ولا شك في ان لتلك القيادة المزدوجة تداعياتها المباشرة وليس اقلها قضية مصطفى علوش وتجرؤه على مقاربة «المحرمات».

ثالثاً، على مستوى الازمة المالية وتخبط سعد الحريري بديون داخلية وخارجية وبأرقام خيالية وآثار تلك الازمة ظاهرة للعيان في كل المؤسسات الحريرية وفي ارتفاع شكوى المستحقين والدائنين المطالبين بما هو متوجب لهم.
رابعاً: على مستوى التحوّل الواضح في موقف مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني.

ولكن برغم كل ما تقدم يحاول تيار المستقبل أن يخفي المنحى التراجعي الذي شاب حركته من خلال اظهار قدر من التماسك الداخلي، وقدرة على المواجهة برفع العناوين ذاتها والشعارات ذاتها، وحمل مجموعة «بطيخات» في يد واحدة، وتوسيع مروحة الهجوم وفتح مجموعة جبهات في آن واحد، من معركة النفط الى معركة الكهرباء الى معركة القرار الاتهامي مع حزب الله الى معركة تمويل المحكمة الدولية، الى معركة اعادة النظر في بروتوكول المحكمة الدولية المنتظرة في آذار 2012، الى المعركة المفتوحة مع نجيب ميقاتي، والى معركة ما يحلو له ان يسميه «التحاقه» بالثورة السورية، علماً ان له تجربة غير مشجعة مع الثورات، خاصة مع ما كان يسميها «ثورة الأرز».
ولكن اذا تمّ الغوص في عمق تيار المستقبل، فإن الأمور تـُرى على حقيقتها، ذلك ان هناك من يشخـِّص الواقع بما يصفه «قراءة واقعية وموضوعية» لفترة انتقال تيار المستقبل الى المعارضة منذ إسقاط سعد الحريري من رئاسة الحكومة منذ نحو عشرة اشهر. وتنطوي على صراحة وشيء من النقد الذاتي، وفيها:

– إقرار بأن تيار المستقبل، الذي تعوّد على السلطة، لم يبلع بعد مسألة خروجه منها، وبدل ان يدخل في معارضة بمعناها الفعلي، اصيب منذ البداية بانتكاسة حقيقية سببها غياب رأسه الرمزي ومشكلاته المالية. جعلت منه جسماً مشظى امام واقع سياسي محصّن.
 
– اعتبار ان التحاق تيار المستقبل بما يسميها الثورة السورية، هو التحاق مبرر يتوخى «ربحاً اكيداً» سيتأتى من «التغيير الحتمي في سوريا». وقد ادرج هذا الالتحاق تحت عنوان «أننا لا نستطيع ان نقف مكتوفي الأيدي حيال ما يجري في سوريا ونتجاهل مطالب الشعب السوري»، لكنه في الحقيقة عنوان ظاهري يستبطن «تعويض تقصير تيار المستقبل حيال ثورة الشعب المصري»، والرهان على ربح أكيد من» السقوط الحتمي لنظام بشار الاسد»، اذ ان ذلك سيؤدي في نظر المستقبليين الى احداث توازن في العلاقة مع سوريا، و«توازن لبناني» يعيد تصحيح ميزان القوى المختل في لبنان. لكن اكثر دوافع الالتحاق قرباً الى الجدية، تنطلق من خلفية الحاجة الى «ان نلمّ شارعنا، فلو لم نقم بذلك، لكانت التيارات الاسلامية تقدمت علينا في كل مكان، وتلك التظاهرة في طرابلس التي ضمت نحو مئتي شخص، لكانت اليوم تضم الآلاف»!

– وجود تمايز في الرأي حيال أمور عدة، فثمة من يطرح المواجهة القاسية مع الحكومة، وثمة في المقابل من يطرح التمهل والتروي وتأجيل المواجهة ريثما تنجلي صورة المشهد السوري او ريثما يصدر ملحق القرار الاتهامي قريباً وما قد يشمله من اسماء جديدة. وثمة ميل كبير للتعامل «على القطعة» مع الحكومة بحسب المواضيع التي تتصدى لها وكل موضوع على حدة، كما حصل مع خطة الكهرباء وكما يمكن أن يحصل مع موضوعي المياه والأجور..
– إقرار بتمكن نجيب ميقاتي في إثبات حضوره دولياً وعربياً وكذلك في جزء كبير من «بيئته»، وكان هذا الحضور ليكون أقوى في الشمال والعاصمة لولا الأحداث السورية.

– بروز أكثر من رأي حول كيفية التعاطي مع ملف تمويل المحكمة، بين متحمس لترك نجيب ميقاتي يتخبط في هذا الملف ربطاً بالتداعيات المرتقبة دولياً، وبين داع الى الزام حكومة ميقاتي في ما لو رفضت التمويل، بدفع المتوجب على لبنان للمحكمة، ويشجع اصحاب هذا الرأي ان يتقدم تيار المستقبل باقتراح قانون يلزم الحكومة تسديد حصة لبنان في المحكمة، مقابل من يعتبر ان التقدم باقتراح قانون ينطوي على مخاطرة، اذ ان الاكثرية النيابية قد تقرّ هذا الاقتراح في المجلس النيابي، ولكن ذلك قد يدفع الفريق الآخر الى الطعن به امام المجلس الدستوري، وستكون هناك مشكلة كبرى اذا ما قبل المجلس الدستوري الطعن، والغى القانون على قاعدة ان هذا القانون غير دستوري لأنه يتصل بمسألة لم تتم وفق الاصول الدستورية، وسيأخذ «حزب الله» وحلفاؤه ذلك ممسكاً وسيعتبرونه شهادة من اعلى مرجعية قانونية دستورية ضد المحكمة، وأن الطعن بقانون التمويل معناه الطعن بالمحكمة والاتفاقية والبروتوكول، لذلك فليترك هذا الامر للحكومة، ولتتخبط فيه وحدها».

– اختلاف الرأي حول موقف نجيب ميقاتي من تمويل المحكمة الدولية، بين من يقدر له ذلك، وهم قلة، وبين من يعتبر ان ما يقوم به هو واجبه ومن واجبات حكومته، وبين مشككين يضعون توجّه ميقاتي في سياق مسرحيّة مزايدة يسعى من خلالها الى فتح الابواب الدولية المقفلة في وجهه، والى مخاطبة السنة في محاولة واضحة لتبييض صفحته حيال الخطأ التاريخي الذي ارتكبه بترؤسه حكومة بدلاً من سعد الحريري. ولكي يجنب نفسه الإحراج في ما لو تعذر على حكومته تمويل المحكمة.
– حذر واضح من وليد جنبلاط، وثمة كثيرون يرغبون في تلقف انعطافته، الا ان هؤلاء لا ينسون تخليه عن 14 آذار، ولكانوا بادروا في اتجاهه لولا انه عوّد الجميع على انه يتخذ مواقفه استناداً الى ميزان القوى ويميل معه حسب الهوى. ومما لا شك فيه ان في تيار المستقبل من يسجل لجنبلاط موقفه من الثورات العربية، ومن البيان الذي اصدره رداً على البطريرك بشارة الراعي ورفضه حلف الاقليات، ودعوته الى التدرج في استيعاب السلاح.
– دخول تيار المستقبل في الآونة الاخيرة في خلاف واضح مع حلفائه المسيحيين حول القانون الانتخابي، فطروحاتهم لا تنسجم مع طرحه، فهو يتمسّك بتقسيمات انتخابية قاعدتها الطائف وتنسجم مع العيش المشترك، بينما طرح حلفائه المسيحيين ينسفه. 

السابق
السفير: مجلس الوزراء..كثير من الحوار وقليل من الحلول!
التالي
هزيم التقى وفداً من حزب الله: لسنا خائفين على المسيحيين