التمويل يقابله شهود الزور والبروتوكول!

لا يزال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي متمسكاً بموقفه القاضي بدفع لبنان المتراكم عليه من حصته المستحقة والتي ستستحق في تمويل "المحكمة الخاصة بلبنان". ويبدو ان رافضي ذلك من جهات سياسية حليفة لـ"حزب الله" لم تدفعه الى التردد في هذا الموضوع. بل قد تكون ضاعفت تمسكه بموقفه منه. وقد يكون انضمام رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان اليه في تأكيد التزام الدولة اللبنانية الاستمرار في تمويل "المحكمة" عاملاً اساسياً في رفضه التخلي عن موقفه. اولاً، لأنه رئيس الدولة ولأن تفاهمه ورئيس الحكومة لا بد ان يدفع الآخرين الى إعادة حساباتهم سواء لمعرفة دوافع التفاهم او لتلافي سلبيات مناهضته. وثانياً، لأن الرئيس سليمان غير المتهوّر معروف بأنه لا يتخذ موقفاً نهائياً من قضية خلافية إلا اذا تأكد من انه سيكون في الجانب الرابح.
هل الالتزام النهائي للرئيس سليمان وميقاتي في محله؟

القريبون من "حزب الله" يؤكدون انه لن يتخلى عن رفضه تمويل "المحكمة"، وانه سيترجم ذلك عملياً بكل الوسائل المتاحة ومنها رصيده السياسي و"الوطني" وتحالفاته و"قوته" ووجوده المتنوع من غالبية المؤسسات الرسمية. والمتابعون من قرب لحركة هذا "الحزب" وقيادته، وهم للمناسبة موضوعيون، يرجّحون استناداً الى معلوماتهم حصول "التمويل" في الوقت المناسب وبموافقة من كل الذين يرفضونه اليوم.
من المحقّ اكثر في موقفه القريبون من "الحزب" والمتّصلون به ام المتابعون له؟ 
المعلومات الدقيقة المتوافرة تشير الى ان "الحزب" سيقرر في النهاية السير في تمويل "المحكمة" لأسباب عدة، منها معرفته ان إحجام دولة لبنان عنه لن يمنع الامانة العامة للامم المتحدة من تمويلها من مصادر اخرى. وهذا يعني ان "المحكمة" ستستمر في عملها. ويعني ايضاً ان لبنان كله، بما في ذلك "الحزب"، سيعاني جراء تخلّيه عن التزاماته الدولية. ومعاناته قد تكون قاسية جراء الظروف الصعبة التي تمر فيها المنطقة عموماً وسوريا خصوصاً والتي لا يمكن تلافي انعكاساتها على لبنان. ومنها ايضاً ان ما يهم "الحزب" اكثر من التمويل هو "البروتوكول"، اي الاتفاق الموقّع بين لبنان والامم المتحدة الذي أُنشئت "المحكمة" بموجبه الذي يُفترَض ان تجدد مدته في آذار المقبل. فقيادته تريد من لبنان، وبعدما صار فريقه اكثرية انبثقت منها حكومة موالية له، ان يقرر رسمياً اي في ملجس الوزراء رفض التجديد المذكور، او بالأحرى الابلاغ الى الامانة العامة للامم المتحدة ان مَن مثّل لبنان في وضع "البروتوكول" وفي التوقيع عليه لم يكن وضعه دستورياً وميثاقياً وربما شرعياً.

ولذلك فان لبنان الرسمي اليوم يريد إعادة النظر فيه بالتعاون معها (اي الامانة العامة). وفي حال رُفِض ذلك فان لبنان قد يتخلى عن التزامه البروتوكول ويعتبره غير موجود. طبعاً من يجدّد "البروتوكول" هو الامين العام للامم المتحدة الذي يستشير لبنان في الموضوع. لكن ذلك على اهميته لا يلغي ضرورة موافقة لبنان، لأن تخلّيه عن "الاتفاق" وهو لا يزال دولة معترف بها رسمياً في الامم المتحدة، وكذلك حكومته وإن بأكثرية موالية لـ"حزب الله"، يمكّنه من رفض تنفيذ كل ما تطلبه "المحكمة" منه. علماً ان هذا هو ما يسعى "الحزب" اليه. طبعاً تعرف قيادة "الحزب" ان "التجديد" يمكن ان يتم قبل آذار المقبل. ولذلك فإنها تصر ومنذ الآن على موقف رسمي منه، سلبي طبعاً. ويعرف الرئيس ميقاتي ذلك بدوره، ولذلك حاول من نيويورك الكلام وان بعموميات عن محاولات لتعديل "البروتوكول".

في اختصار لم يقرر "حزب الله" حتى الآن موقفه النهائي من "التمويل". لكن العارفين الموضوعيين يقولون ان هذا الموضوع كما "التجديد" سيتسبّب بأزمة كبيرة في البلاد، وإن الخروج منها قد يكون ممكناً بقرارين مهمين. الأول، قبول تمويل "المحكمة" من كل رافضيه. والثاني، إقدام مجلس الوزراء على اتخاذ قرار او قرارات نهائية تتناول قضايا ثلاث مهمة جداً. اولاها، إحالة ملف شهود الزور على المجلس العدلي. وثانيتها، ازاحة من تجب ازاحته من الإدارات القضائية والامنية والعسكرية والمدنية، وتعيين من يجب تعيينه فيها بحيث تصبح كلها منسجمة مع "الوضع الجديد" الحكومي والبرلماني و"الواقعي" على الارض. اما ثالثتها، فهي تعديل "بروتوكول" المحكمة او التخلّي عنه.
هل يقبل الرئيسان سليمان وميقاتي هذا "البازار"؟ ربما. لكن الله وحده هو الأعلم. 

السابق
مؤشرات سلبية تواجه الحكومة
التالي
سوريا والنفاق الروسي