هل عادت العلاقة بين الجنرالين إلى مربع الشك الأول؟

مع ان الزمن ليس زمن تصفية الحسابات، الا ان من جمعتهم الظروف «قهرا» تتبرع «ويكيليكس» لتفرقهم طوعا. هذه هي اليوم حال العلاقة بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان والعماد ميشال عون. فالرجلان اللذان يعيشان هدنة هشة منذ ما بعد تشكيل الحكومة، ولو خرقتها ملاحظات «عونية» بين فترة واخرى، على حافة الخلاف مجددا. فبعد كشف قناة «او. تي. في» لوثيقة تنقل عن سليمان قوله ان «عون مجنون» وتنتقد سلوكه وتصرفاته وخلفياته، يلوح شبح الخلاف مجددا في علاقة لا تنقصها اسباب اضافية للتوتر والجفاء.

تكرر اوساط مقربة من بعبدا ما قاله رئيس الجمهورية في تعليقه قبل يومين على وثائق «ويكيليكس»، وتؤكد انه لا يمكن الركون الى هذه الوثائق لانها تفتقر في معظم الاحيان الى الدقة وتتعمد الاجتزاء، والاهم انها لا تعكس الظروف القائمة في حينه. فالكلام قد يكون اتى في سياق ظروفه وردا على كلام قاس للعماد عون غمز فيه من مسؤولية رئيس الجمهورية اقله في التقصير في حماية اللواء فرانسوا الحاج وهو ما كان صادما وقاسيا خصوصا مع التقدير الكبير الذي يكنه الرئيس للواء الشهيد.
لكن هل تسقط وثيقة من الماضي الهدنة القائمة في الحاضر؟ تجيب مصادر موثوقة «ان سليمان لم يبادر مرة للتهجم على احد ولا حتى الى الرد على اي هجوم يتعرض له. وهو ينوي المحافظة على هذا النهج. ويعتبر ان ما ينشر او يروج لا يعبّر عن العلاقات القائمة حاضرا بين المرجعيات والقيادات ونظرتها المتبادلة الى بعضها». وتضيف المصادر «ان هدف الجميع اليوم يجب ان يكون منصبّا على كيفية تعزيز الوحدة الوطنية وتحصين جبهتنا عوض التلهي بتأجيج الخلافات». لكنها تستغرب توقيت نشر هذه الوثيقة عبر «أو تي في».

على الجبهة المقابلة، لم يكن العماد عون مرتاحا للتسريب، لكن نائبا في «التيار» يعتبر ان «كل ملاحظات العماد عون على سليمان او سواه يقولها علنا. نحن لا نستخدم لغتين ولا خطابين. ننتقد ونخاصم او نهادن ونصالح وكل ذلك بشفافية. وهذا اسلوب يناقض سلوك معظم السياسيين اللبنانيين، وهو مع الاسف، يتجلى في مواقف الرئيس ايضا». لكن النائب يتابع «برغم اسفنا لهذا الاسلوب في الحديث عن زعيم وطني امام سفير اجنبي الا ان لا تأثير لهذا الكلام على احترامنا لموقع الرئاسة او تعاوننا مع الرئيس في الملفات الحساسة». 
لكن اوساطا مراقبة تؤكد «ان الملفات الحساسة هي بالضبط في خلفية نشر «المحطة البرتقالية» لهذه الوثيقة. فعلى النار، ملف التعيينات وهي قالب دسم لا يريد العماد عون ان يتقاسمه معه من اتت به الظروف رئيسا من دون حيثية شعبية مسيحية كالتي يملكها هو، خصوصا ان الرئيس لم ينجح في بلورة خط وسطي ثالث واضح وصريح. وهو يحارب بجنود قدامى ولاؤهم ليس دائما محسوما». وتضيف الاوساط «لذا فان جزءا من مهمة هذه الوثيقة هو تسهيل التصويب على سليمان و«التهويل» عليه، واظهاره امام حلفاء التيار بانه لا يمكن الركون اليه او الوثوق به. وبالتالي الدفع باتجاه اعطاء حصة الاسد في التعيينات المسيحية لـ«التيار الحر».

وتضيف الاوساط نفسها «ان عون، الذي يعتبر انه قدم تضحية كبيرة يوم اعلن في تشرين الثاني من العام 2007 موافقته على انتخاب قائد الجيش رئيسا للجمهورية، يرى ان هذا اقصى تنازل يمكن ان يقدمه من حصته للرئيس. وبالتالي لا يحق لساكن بعبدا ان يطالب باكثر مما يحق له». لكن الرئيس، تضيف الاوساط، يريد ان يوسع اطاره وهو ما سيضاعف من الحساسيات الموجودة اصلا بين «الجنرالين». وتتابع «من الملاحظات التي يجدر التوقف عندها العلاقة الاكثر من ممتازة بين الرئيس ميشال سليمان والبطريرك بشارة الراعي».

ويقف العماد عون في موقع المراقب بحذر لمسار العلاقة الوطيدة التي تتعزز اكثر فأكثر بين الرئيس والبطريرك الذي لا يوفر مناسبة الا ويؤيد فيها توجهات الرئيس ويصلي من اجله ويدعو له من على مذابح القرى والبلدات من اقصى الجنوب الى اقصى البقاع ليأخذ الله بيده لايصال السفينة اللبنانية الى بر امانها. «وبالتالي فان تجيير البطريرك لمواقفه ولنهج بكركي الجديد لصالح الرئيس حصرا لا يرضي كثيرا العماد عون. والجميع يعرف العلاقة المميزة التي تربط البطريرك بسليمان، منذ كان مطرانا على ابرشية جبيل وان التنسيق اليوم بينهما على اعلى مستوياته. والاكيد اذا كان لا بد من ان ينحاز الراعي الى اي فريق مسيحي فلن يتردد في الانحياز الى سليمان وفريقه وتوجهاته».
وتخلص الاوساط الى القول «لهذه وتلك تمت الاضاءة اليوم على وثيقة «ويكيليكس». ولهذه وتلك قصص اخرى في الحكايا المسيحية اللبنانية… ولا بأس من الاستماع أحيانا الى بعض التنظيرات التي تقول ان الفاتيكان «حسم أمره وقرر أن يكون الراعي وريث عون.. حتى لا يصبح سمير جعجع الآمر والناهي مسيحيا».
 

السابق
رفض التوقيع
التالي
ثورة أخلاقية أيضا!