مصير علوش رهن الشيخ سعد

لم تهدأ العاصفة التي أثارها منسق تيار المستقبل في طرابلس مصطفى علوش إثر مواقفه التي أطلقها أخيراً ضد السعودية، وخصوصاً داخل «التيار الأزرق» الذي يعيش هذه الأيام فترة من الإرباك لم يعرفها سابقاً

محاولات احتواء مواقف النائب السابق مصطفى علوش، التي انتقد فيها وضع الحريات العامة في السعودية، لم تجعله يتراجع عن تمسكه المبدئي بها رغم الحرج الكبير الذي سبّبته لتيار المستقبل، وجعلته يرى فيها تهديداً لـ«علاقاته التاريخية» مع المملكة، وهو ما يُفسر الانزعاج الشديد لدى الرئيس سعد الحريري، الذي نقل مقربون أنه «طار صوابه عندما بلغته التقارير المرسلة من بيروت عن مضمون كلام علوش، فاتصل بالأمين العام للتيار أحمد الحريري، طالباً منه معالجة الموضوع بسرعة».
قبل مجيئه إلى طرابلس يوم الجمعة الماضي، وبعده، تحرك أحمد الحريري على أكثر من خط لمعالجة القضية، إلا أن الأزمة بقيت بلا أي حلحلة نتيجة رفض علوش التراجع أو الاعتذار عمّا صرّح به، ما دفع من تدخلوا لاحتوائها إلى اقتراح مجموعة من المخارج، على أن يختار الرئيس الحريري أحدها. ومع أنه ليس واضحاً الخيار الذي سيرسو عليه قرار الحريري، تبدو كل الاحتمالات واردة، بما فيها إبعاد منسق التيار في الشمال عن منصبه، إذا تعذر السير في حل وسط يقضي بترقيع الأزمة وتقطيعها في هذه المرحلة.
وتفيد معلومات استقتها «الأخبار» من مصادر متعددة داخل تيار المستقبل أن محاولات جدّية جارية لحلّ الأزمة في بيروت مع السفير السعودي علي عوض العسيري، الذي كان علوش، قبل أيام، في عداد مهنئيه بالعيد الوطني السعودي، قبل أن تنتقل إلى الرياض، حيث سيكون حلها هناك معقداً ومكلفاً جداً على الحريري، الذي يعاني صعوبات ومتاعب مع أفراد من العائلة المالكة، بعضهم يمسك حالياً بمفاتيح أساسية بالسلطة في المملكة.
هذا الوضع الحرج للحريري في السعودية يدركه علوش تماماً، ومع ذلك يرفض العودة عن مواقفه، إلا أنه في المقابل يطرح مخرجاً أمام قيادة «التيار الأزرق»، وذلك عندما قال في اتصال مع «الأخبار»: «أنا موجود داخل تيار المستقبل باقتناعات معينة، لكنني لا أُقدّم مستقبلي السياسي على مستقبل التيار، ولا أريد إحراجه بمواقفي الخاصة، وإذا ارتأى البعض أن يُحمّلني وحدي مسؤولية مواقفي، فلا مانع عندي».
تحميل المسؤولية لعلوش وحده ليست معروفة آليته بعد، وإنْ كان قد نفى الشائعات «التي تحدثت عن إجراءات ما ضدي، لا يوجد أي شيء من ذلك، ولا صحّة لما قيل إنني لم ألتق أحمد الحريري، لقد التقيته أمس وكان اللقاء طبيعياً»، مشيراً إلى أن الموضوع «أخذ أكبر من حجمه، وضُخِّم في وسائل الإعلام». 
غير أن علوش لا ينفي أنه تلقى انتقادات من داخل التيار لما أدلى به؛ إذ أشار إلى أن «البعض قال لي إن هذا الحديث لم يكن ضرورياً»، ملمحاً إلى توقعه التعرض لإجراء ما، عندما قال: «أنا عضو في تيار المستقبل، وأخضع لنظامه الداخلي ولأي قرار يمكن أن يُتخذ بحقي».
الانطباع داخل أوساط التيار في طرابلس هو أن علوش قام بـ«دعسة ناقصة» قد تخرجه من عداد مرشحي التيار في عاصمة الشمال في انتخابات 2013، وخصوصاً أن كثيرين يريدون تحجيمه وإبعاده كي تخلو لهم الساحة، أبرزهم النائب سمير الجسر، وأن عدداً من الطامحين بدأوا منذ اليوم الاستعداد وتقديم أوراق اعتمادهم لمن يهمهم الأمر كي يحلّوا مكانه في منصب المنسقية أولاً، وعلى لائحة المرشحين للانتخابات النيابية في مرحلة ثانية.
استغلال البعض داخل تيار المستقبل لكلام علوش، في فترة يعاني فيها التيار انعدام وزن بعد ابتعاده عن السلطة وأزمة مالية، دفع النائب السابق إلى وصف من يفعل ذلك بأنه «شخص ضعيف». وعندما لُفت نظره إلى أن كثيرين في التيار يقولون في السعودية داخل الغرف المغلقة كلاماً أقسى من كلامه ولا يتناولهم أحد، اكتفى بالردّ: «لا أعرف، ولا أريد أن أدخل في سجال مع أحد».
يقرّ كثيرون من كوادر المستقبل بأن علوش قدّم بمواقفه هذه خدمة كبيرة لخصومه داخل التيار، وإنْ كان هؤلاء يُدركون أن أي قرار يخصّ مستقبله هو من اختصاص الشيخ سعد حصراً، وبناءً على ذلك، إن الحسابات السياسية التي تجري لمعالجة القضية، تتلخص في معرفة النفع أو الضرر الذي سيعود على تيار المستقبل حيال أي قرار يتخذ بحق علوش، سواء بالإبقاء عليه أو إبعاده.
تداعيات كلام علوش لم تقتصر على المستقبل وحده، وإنْ كان المعني الأول به؛ فخصوم التيار في طرابلس يرون في تضعضع وضعه ووقوعه في أزمات داخلية وخارجية تطوراً يصبّ في مصلحتهم؛ إذ بدلاً من أن يخوض هؤلاء معارك في وجهه، يجدون من يخوضها عنهم بالمجان من داخل التيار، الذي يعاني صراع أجنحة يمتد من أعلى القاعدة إلى أسفلها.
ويلفت كوادر في تيار المستقبل، لا يكتمون انزعاجهم من الحالة التي وصل إليها التيار، إلى أنه «يكفي أن يراقب المرء حركة أحمد الحريري في الشمال من جهة، وحركات فؤاد السنيورة وسمير الجسر وأحمد فتفت من جهة أخرى، وما يُحكى عن تنسيق غير مباشر بينهم وبين نجيب ميقاتي، حتى يُدرك مدى حجم الصراع الداخلي الذي نعانيه». 

السابق
اعتصام امام الاونروا في صيدا وبيروت
التالي
المشي أثناء النوم مشكلة نفسية؟