لمن يزهر الربيع؟

أمور كثيرة تسير رأساً على عقب. موقف حزب الله من الثورة في سوريا هو عكس ما يجب أن يكونه في حقيقة الأمر، والشاهد هو موقفه من الثورة في مصر، وبيانه بتهنئة الثوار المنتصرين في لبيبا، يوم دخولهم عاصمة بلادهم طرابلس الغرب.
وإن كان لحزب الله أن يأخذ هذا الموقف، للكثير من الاعتبارات التي تعنيه، فإن موقف القوى الأخرى في لبنان، المناصر للثورات العربية، يثير الدهشة.

لم تكن قوى 14 آذار، يوماً، متحمسة للثورات في العالم العربي كما هي اليوم. ما شجّعها فعلاً هو التدخل الخارجي، الذي أضحى ضريبة قاسية يدفعها الثوار في ليبيا، والذي أحبط الحراك الثوري في مصر الى حين، وغض الطرف عما يحصل في البحرين، مما أراح هذه القوى من اتخاذ موقف مما يحصل هناك. وهي كانت ستأخذ موقفاً معادياً للثورة البحرينية على قاعدة أنها من المحاولات الإيرانية للتسرب الى العالم العربي. أما التدخل الأجنبي، فشأن آخر.
إذا كانت الثورات العربية مصابة بإشكالية عدم قدرتها على حسم الصراع من دون التدخل الغربي، فإن ما يحصل في المنطقة، وعلى المدى البعيد، هو على عكس ما تشتهي قوى 14 آذار، سواء كانت مستقبلاً أم قوات لبنانية أم شخصيات مستقلة، فهذه الثورات تحاول القطع مع الأنظمة التي قامت على شعارات فارغة، تشبه الى حد بعيد ما تمارسه قوى 14 آذار منذ أن نقلت بندقيتها من كتف الاستخبارات السورية الى كتف الولايات المتحدة والعم جيفري فيلتمان.
حسني مبارك كان صديقاً لهذه القوى، سواء لفؤاد السنيورة أو لسمير جعجع، وكان داعماً لها. معمر القذافي هو الصديق الشخصي للرئيس أمين الجميل، ولغيره من قوى 14آذار، كما من قوى 8 آذار. هذه الأنظمة المحنّطة هي ما يرغب، دائماً، ثوار الأرز في طلب دعمها. وحين غضبت المملكة العربية السعودية من سعد الحريري لم يكن ذلك ناتجاً من تطرف الحريري في دعم الثورة في البحرين وليبيا، ومطالبته الثوار المصريين بمهاجمة السفارة الإسرائيلية في القاهرة، والطلب من قطر إغلاق مكتب التمثيل في الدوحة، بل لأنه، ببساطة، خذلها في صراعاتها التي تحاول ربط المنطقة بمصالح الغرب. 
قوى 14 آذار هي المسؤولة عن مقتل المئات من العمال السوريين في لبنان، في هجمات عنصرية بعد مقتل الرئيس رفيق الحريري، الذي نشرت صحف الفريق نفسه حواراته مع وليد المعلم، وهو يؤكد له كم كان مخلصاً لسوريا في كل حراكه، وكم تعرض للاضطهاد لمجرد الشك في ولائه للنظام السوري.
هذه القوى مسؤولة، أيضاً، عن المعاملة الدونية التي لا يزال يتعرض لها الفلسطينيون اللاجئون في لبنان، من نهر البارد، حيث لا يزال أهل المخيم ينتظرون تحقق وعود فؤاد السنيورة عام 2007، حين طالبهم بخروج مؤقت من المخيم للقضاء على تنظيم «فتح الإسلام»، الى كل المخيّمات التي يطالب أهلها، كل يوم، بمساواتهم بالبشر الطبيعيين، ولا من مجيب.

لكن، بعد منتصف تموز، ولأسباب لا تزال في علم الغيب، اكتشف فريق 14 آذار الثورات العربية، صار سعد الحريري يجاهر بدعم الثورات، ويهنئ شبيهه، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بخطابه في الأمم المتحدة، ويشدد على حقوق الشعب الفلسطيني، بل وصار يرسل التحيات الى الشعب السوري «الذي يدفع في كل يوم ضرائب باهظة من الدم والأرواح فداءً لحرية أصبحت هدفاً يراهن عليه، ونظام ديموقراطي يسعى إليه»، بعدما كان «ثواره» وفرع معلوماته في لبنان يضطهدون الفلسطينيين والعمال السوريين ويوقفون نواطير المباني أياماً، ويطردونهم للاشتباه في تعاملهم مع الاستخبارات السورية، وهي، بالمناسبة، نفسها التي حاول والده تأكيد ولائه لها بشتى السبل.
السنيورة، أيضاً، وفجأة، انتقل من موقف «عدم التدخل في الشأن الداخلي السوري» الى أداء دور نيلسون مانديلا، فصار حامياً ومحامياً عن الثورات العربية، وأخذ على ضميره وعاتقه نفي وجود قوى سلفية في سوريا مشاركة في الثورة هناك.
إن من يموت في سوريا يموت وحده، والتظاهرات اليومية هناك وحركة التحرر القائمة تسير دون حاجة إلى تدليسها بخطب أصدقاء كل الدكتاتوريين والمجرمين العرب، وهاكم ثالثة الأثافي سمير جعجع يحاضر في الديموقراطية والثورات الشعبية والأنظمة الغاشمة المتخلفة.
ليس المستغرب أن يقف حزب الله موقفه من الحراك الثوري في سوريا، بل العجيب أن يحاول فريق 14 آذار امتطاء الثورات العربية، وأركان الفريق أنفسهم فشلوا في أن يكونوا مطية للغرب في بلادهم.
حتماً الربيع العربي لا يزهر لفارس سعيد ولا لرفاقه. 

السابق
النهار: فرنجية يكتب من فرنسا لسيدة الجبل والدعوات لم تُكتب بعد
التالي
الراي: بيروت مربكة بالتهديدات الغامضة لمراكز الأمم المتحدة ومؤسساتها