الراي: بيروت مربكة بالتهديدات الغامضة لمراكز الأمم المتحدة ومؤسساتها

في حين تبدو الحكومة اللبنانية منصرفة الى معالجة ملفات كثيرة يطغى عليها الطابع المطلبي والاجتماعي والخدماتي والاقتصادي مع انحسار الجدل والسجالات حول موضوع تمويل المحكمة الدولية وانتقالها الى خلف «الكواليس»، شكلت مسألة التهديدات الامنية لمقرات تابعة للامم المتحدة في بيروت نقطة استقطاب واسع غير معلن للاهتمامات الديبلوماسية والسياسية الى جانب كونها تشغل الاجهزة الامنية اللبنانية.
وقد اكتسبت هذه المسألة طابعاً مثيراً للمخاوف في ظل الاجراءات الامنية التي اتُخذت حول مقر اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «الاسكوا» في وسط بيروت من جهة، واقتحام مجهول مكاتب اخرى لمنظمات تابعة للامم المتحدة في مبنى «جفينور» في منطقة الحمراء موزعاً مناشير عن وجود متفجرات فيها من جهة اخرى.

وفيما تردد ان الاجهزة الامنية تلاحق مشبوها تم التعرف عليه في الحادث الثاني، لم تُخفِ اوساط معنية بهذه المسألة لـ «الراي» خشيتها من الملابسات التي تكتنف هذا الملف بأبعاده الامنية والسياسية في ظل التكتم الغامض الذي يفرضه مسؤولو الامم المتحدة والمسؤولون اللبنانيون على طبيعة التهديدات التي تتعرض لها وكالات الامم المتحدة في لبنان في هذا التوقيت بالتحديد. ذلك انه لم يفت هذه الاوساط الاشارة الى معلومات متضاربة جرى تسويقها في الايام الاخيرة، وعكست حال بلبلة في التعامل مع هذا الام .
ومع ان المعنيين في الامم المتحدة في بيروت كما المعنيين السياسيين بالوضع الامني قللوا من اهمية الحادث الذي حصل في مبنى «جفينور» ، فان اثارة احتمال نقل مكاتب «الاسكوا» وموظفيها الى مقر آخر من وسط بيروت اكد وجود تهديدات جدية يصعب ادارة الظهر لها، فيما لم يعد ممكناً الاستمرار طويلا في ضرب طوق أمني لحماية مقر «الاسكوا» في ظل ما يثيره من اختناق مروري في وسط العاصمة.  
وتقول الاوساط المعنية نفسها ان ما يثير الخشية في هذا الاطار هو ان يكون هناك معلومات لدى قيادة العمليات الامنية في الامم المتحدة التي طلبت اجراءات الحماية لمبنى «الاسكوا» عن استهداف طويل المدى لمقراتها في بيروت، مما يعني علاقة هذا الملف بأبعاد بعضها قد يعود الى قضايا تعني لبنان في ارتباطه بقرارات دولية وبعضه الاخر قد يكون على صلة بملفات اقليمية اخرى. فليس خافياً ان هذا الوضع الطارىء يثير هواجس داخلية سواء في شأن القوة الدولية العاملة في الجنوب « اليونيفيل « التي تعرضت لاعتداءات امنية متكررة، او في شأن مسائل اخرى من بينها ملف المحكمة الدولية. وهي هواجس تتصاعد بصمت ولا تجد اجوبة شافية وسط الكتمان الشديد الذي يحرص عليه المعنيون الدوليون واللبنانيون مما يفاقم حال التوجس من هذا العامل الطارىء على المشهد الداخلي.

وتضيف هذه الاوساط ان هذا الملف سيشقّ طريقه حتما الى الاولويات التي تعالجها الحكومة، ومن غير المستبعد ان يُطرح في جلسة مجلس الوزراء التي تعقد اليوم في قصر بعبدا رغم انشغاله بـ 159 بنداً أثقل بها جدول اعمال الجلسة، ذلك ان البحث عن مقر موقت آخر للامم المتحدة يبدو قراراً لا مفر من تنفيذه لتأمين الحماية للوكالات التابعة لها وعدم المغامرة في دفعها لترك لبنان الى مكان آخر، خصوصا بعدما اكدت الامينة التنفيذية للاسكوا ريما خلف هذا التوجه نافية اي اتجاه الى الانتقال خارج لبنان. وسيكون على الحكومة التصرف باقصى سرعة لئلا يغدو التهديد الغامض المستمر للامم المتحدة سيفاً مصلتاً على صدقية الحكومة وقدرتها مما يفقدها الكثير مما تسعى اليه للحفاظ على هذه الصدقية امام المجتمع الدولي، وتجنباً لاي طارىء محتمل يمكن في حال حصوله ان يشكل ضربة قاصمة للحكومة والاجهزة الامنية.

وكانت قضية الاجراءات الأمنية المتخذة حول «بيت الأمم المتحدة» في وسط بيروت عادت الى الواجهة مع الاعلان اقتحام مجهول طبقة في مركز جفينور بمنطقة كليمنصو تضم مكاتب لـ «اليونيسيف» و«المنظمة الدولية للهجرة» التابعتين للأمم المتحدة ورمى مناشير تحمل انذاراً كاذباً بوجود متفجرة. وبعد اخلاء المكاتب من الموظفين والكشف الأمني عليها تبين خلوها من أي مواد متفجرة.
وذكرت تقارير ان الاجهزة الأمنية قامت بعملية مسح لكل الطبقات في مركز «جفينور» وعاينت أشرطة الفيديو المسجلة، وتمكنت من كشف هوية الفاعل، فتبين انه موظف لبناني يعمل في واحدة من طبقات المركز وليس في مكاتب الامم المتحدة، وبدأت عملية تعقبه ومطاردته للقبض عليه، فيما ذكرت صحيفة «النهار» ان موظفي الأمم المتحدة في المركز لن يعودوا الى مكاتبهم حتى اشعار آخر.

وسبق هذا الحادث لقاء لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع الأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «أسكوا» ريما خلف التي جزمت بان اللجنة «لا تريد نقل مقرها إلى قطر أو إلى أي مكان آخر»، معلنة انه «على المدى الطويل هناك مبنى للاسكوا خصصت له الحكومة أرضاً في ضبية (شمال بيروت) حيث سيقام المبنى الدائم، وعند بنائه سيتم الأخذ في الإعتبار كل المتطلبات الأمنية»، مضيفة: «أما في الأمد القصير جدا فسيبقى الشارع على يمين مبنى الاسكوا ويساره مغلقا إلى حين نتدبر مع الحكومة الانتقال ربما إلى مبنى آخر داخل بيروت يلبي المتطلبات الأمنية للأمم المتحدة والإسكوا».
واذ اكدت ان «ليس هناك من تهديد للاسكوا»، قالت: «(…) لكن هناك تهديدات لبعض مباني الأمم المتحدة، كما حصل في أبوجا مما استدعى مراجعة الإجراءات الأمنية في كل مباني الأمم المتحدة». 

السابق
لمن يزهر الربيع؟
التالي
رفض التوقيع