مسار سريع لتحقيق استقرار اليورو

منذ أشهر وأنا أؤكد أن أوروبا تستنزف طاقاتها في خوض معركة تظنها الأخيرة، وهذا ليس صحيحا، لأن ثمة معركة جديدة تحدق بها. على سبيل المثال، بينما أكتب هذا المقال، دخل البرلمان الألماني «بونديستاغ» في صراع حتى النهاية سعيا لإيجاد حل للأزمة الاقتصادية التي تجاوزتها الأحداث.
وقد كان من الواضح لبعض الوقت أن الأزمة قد اتسع نطاقها على نحو يتجاوز البرنامج اليوناني المعيب، إلى حد أن اليورو لا يمكن أن يكتب له البقاء في صورته الحالية، وأن كثيرا من بنوكنا باتت على شفا الإفلاس وأن ثمة حاجة لصندوق إنقاذ أكبر – ربما يقدر حجم تمويله بتريليوني أو ثلاثة تريليونات يورو – لتحقيق الاستقرار لمنطقة اليورو.
ومؤخرا، بدأ القادة الأوروبيون يدركون أن الحاجة الماسة لاتخاذ إجراء ربما تمثل في حد ذاتها تحولا دراميا في الأحداث. لكن لا يزال عليهم إدراك مدى ضخامة العملية الملقاة على عواتقهم. فهناك حاجة إلى تريليوني يورو لإعادة رسملة البنوك وتمويل احتياجات الاقتراض الخاصة باليونان وإسبانيا والبرتغال وآيرلندا وإيطاليا حتى عام 2014.
وهذا المبلغ لا نظير له في التاريخ الاقتصادي العالمي، حيث يقدر بنحو 3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. ومن المنتظر أن يؤدي إلى تقزيم حزم الإنقاذ السابقة المقدمة إلى أميركا اللاتينية وآسيا، وأن يتجاوز مقدار الدعم المقدم من مجموعة العشرين لصندوق النقد الدولي والمقدر بتريليون دولار في عام 2009.
ويجب أن يدرك القادة الأوروبيون الآن أيضا أن كثيرا من خطط الإنقاذ المطروحة حاليا لن تجدي نفعا. ويعتبر مبلغ 440 مليار يورو المقدم من برنامج التمويل والاستقرار الأوروبي (إيه إف إس إف)، وهو البرنامج الذي سيصوت عليه الألمان يوم الخميس، مبلغا ضئيلا جدا. وستتم مقاومة الخطوات الهادفة لتوسيع نطاق هذا البرنامج، وفي أي حالة، سيتطلب الأمر أشهرا من التقييم من جانب برلمانات الدول الـ17 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. بالطبع، هناك بديل مستقبلي أكبر وأجرأ لهذا البرنامج، وهو آلية الاستقرار الأوروبي لكن لا توجد إرادة سياسية لإخراج هذه الآلية على أرض الواقع إلى النور قبل عام 2013.
ومن المنتظر أن يدعم شكل آخر ظهر في واشنطن نهاية الأسبوع الماضي برنامج التمويل والاستقرار الأوروبي، بأخذ مبلغ الـ440 مليار يورو المقدم من البرنامج وإضافته إلى مبلغ الدعم المقدم من البنك الأوروبي، الذي تتراوح قيمته ما بين تريليون وتريليوني يورو، مع تحمل البرنامج الخسائر الأولية.
ويحصل البنك المركزي الأوروبي على دخله من عملياته المصرفية ويمكنه أن يتخذ إجراءات سريعة. لكن البنك منخرط بالفعل في توفير سيولة ضخمة، ومن ثم، لن يقتنع بتجاوز نطاق اختصاصه المحدود خشية التضخم، ما لم يحظ بدعم صندوق النقد الدولي والمجتمع المالي العالمي.
وتذهب نسبة 80 في المائة من قروض صندوق النقد الدولي الحالية بالفعل إلى أوروبا، والفائض في طاقته الإقراضية حاليا لا يزيد على 385 مليار دولار. إضافة إلى ذلك، فإنه ليس من المحتمل أن يطلب أموالا من أعضائه مجددا لتمويل أوروبا.
لكن، ربما تكون هناك طريقة ما للخروج من هذا المأزق. في سبعينات القرن الماضي، حينما تعرض صندوق النقد الدولي لضائقة مالية، اضطر للاقتراض من دول نفطية. والآن، يمكنه الاقتراض منها ومن الصين، التي ستفضل دون أدنى شك إقراض صندوق النقد الدولي عن إقراض إيطاليا بشكل مباشر.
وبالطبع ليس التدخل للضرورة الملحة من جانب البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي بديلا للإصلاح الهيكلي بمختلف أنحاء أوروبا، ولكنه مصدر دعم له. تعتبر الشروط الوحيدة التي أجدت نفعا في حقيقة الأمر في أوروبا هي شروط صندوق النقد الدولي، ويجب أن يمنح الصندوق القادة الأوروبيين موعدا نهائيا مدته 12 شهرا لإقرار وتنفيذ آلية طويلة الأجل تكون بديلا للتمويل قصير الأجل المقدم من البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، التي يجب أن تأتي في صورة تنسيق نقدي وسندات يورو وتحويلات مالية.
والسؤال هو هل يمكن أن يصل القادة الأوروبيون إلى اتفاق بشأن هذا المسار الجذري؟ أو على نحو أكثر دقة، هل يمكنهم تجاوز تشخيصهم الخاطئ للمشكلة؟ 
التحليل المغلوط – عدم الاستعداد للاعتراف بوجود أزمة مصرفية وتنافسية، إلى جانب أزمة مالية – قد أدى لثلاث سنوات من القرارات المعيبة.
في أول اجتماع لقادة منطقة اليورو في أكتوبر (تشرين الأول) 2008، فوجئ زملائي من القادة الأوروبيين عندما قلت إن الأزمة لم تكن مجرد أزمة أنغلوسكسونية، وقد أصيبوا بخيبة الأمل عندما قلت إن ديون البنوك الأوروبية أكبر بكثير من ديون البنوك الأميركية، وبدوا متشككين حينما حذرت من أن بنوكنا أكثر عرضة للمخاطر بسبب «أصولها السامة»، واعتمادها الزائد على التمويل قصير الأجل من الأسواق.
واليوم، تقدر ديون البنوك الأوروبية والتزاماتها المالية بنسبة 350 في المائة من إجمالي الناتج المحلي (على نحو يزيد بخمسة أضعاف على البنوك الأميركية)، والبنوك الألمانية، التي تقترض أكثر بـ31 مرة من حجم أصولها، هي نفسها في مشكلة وبحاجة إلى إعادة رسملة (هناك جانب من الحقيقة في فكرة أن ألمانيا لن توافق فقط على أن تصبح جزءا أكبر من حل، عند مواجهتها بالدليل على أنها أيضا جزء كبير من المشكلة).
تذهب نسبة 7 في المائة من صادرات أوروبا إلى الأسواق الناشئة سريعة النمو التي تمثل نسبة 70 في المائة من معدل النمو في العالم. ويتمثل العامل الثالث من عوامل أزمة اليورو في معدل النمو الذي يعتبر ضئيلا جدا إلى حد أن هناك تهديدا يلوح في الأفق بأن تصل نسبة البطالة إلى 10 في المائة خلال السنوات المقبلة.
وبداخل منطقة اليورو، لا يمكن أن تقلل الدول الأعضاء من قيمة عملاتها أو تحدد أسعار فائدة خاصة بها أو تطبع نقودا أو ترفع مستوى العجز في الميزانية، وقد عجزت عن تعويض ذلك بمحاكاة الأسلوب الذي انتهجته أميركا.
تتمتع الولايات المتحدة بمرونة كبيرة في حركة العمالة والأجور وتحرر سوق رأس المال والمنتجات، وهو ما يمكن الحكومة من مد يد العون للمناطق التي في أمسّ الحاجة للعون. واليوم أسعار الفائدة في الولايات المتحدة منخفضة بشكل كبير، ولديها برنامج لتوفير مزيد من فرص العمل وتحسين البنية التحتية، وكلها إجراءات يجب محاكاتها في أوروبا من دون تقليل التزاماتنا بتقليل الدين. إذن، هل يمكن أن تقود أوروبا الأسواق، من خلال مفاجأتها بالاتفاق على برنامج شامل يشمل إصلاحات مالية ومصرفية وأخرى خاصة بجانب العرض؟ نحن نعلم من التاريخ أن الساسة عادة ما يعجزون عن اتخاذ أي إجراء حتى عندما تواجههم السياسات الحقيقية بشكل مباشر، ولا يتخذون رد فعل إلا عندما تتوافق الأفكار الجديدة مع مصالحهم الوطنية.
توفر مقترحاتي لكل من البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي مسارا سريعا لتحقيق الاستقرار حتى يتم الاتفاق على تفاصيل خطة إنقاذ جديدة. ومن خلال المستويات المرتفعة للشروط، ليس صندوق النقد الدولي خيارا ناعما، لكنه فيه طمأنة لألمانيا بأنها لن تتحمل وحدها تكاليف عملية الإنقاذ؛ وأيضا طمأنة لفرنسا بأن تصنيفها الائتماني (AAA) ما زال يحظى بفرصة للنجاة على الأقل، ولباقي الدول بأن هناك إمكانية لتفادي ركود جديد قد يضربها بقوة.
لكن الوقت يضيق بالفعل على إمكانية تنفيذ مثل هذا الخيار. وإذا ما حدث خلال الشهر المقبل أن انتشر التراجع الاقتصادي على مستوى العالم، فمن المتوقع أن تحجم بقية دول العالم عن مد يد العون لأوروبا، وربما تصبح سياسة الحماية المعمول به في ثلاثينات القرن الماضي هي النظام الحالي السائد في العالم.
* عضو من حزب العمال في البرلمان البريطاني، تقلد منصب رئيس وزراء بريطانيا في الفترة من 2007 إلى 2010 وشغل منصب وزير الخزانة في الفترة من 1997 إلى 2007
 

السابق
تركيب لافتات حديدية تخمل شعار الامم المتحدة في حاصبيا
التالي
الكتيبة الهندية تحيي ذكرى مولد المهاتما غاندي