بري من ارمينيا: ملتزمون القرارات الدولية والتخلي عن المقاومة كمن يدعو اسرائيل لاحتلال الارض اللعب بنار الفتنة الطائفية في سورية سينعكس على كل المنطقة

يواصل رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري زيارته الرسمية الى أرمينيا يرافقه رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد ورئيس لجنة الصداقة الأرمينية اللبنانية النائب آرتور ناظاريان ووفد اداري واعلامي.

البرلمان الارميني

وفي اليوم الثاني من زيارته، زار عند العاشرة من صباح اليوم البرلمان الارميني حيث ألقى خطابا أمام أعضائه وسط ترحيب حار من رئيس المجلس هوفيك أبراهاميان والنواب الذين وقفوا وصفقوا طويلا بعد كلمة الرئيس بري التي قال فيها:

"بداية أتوجه بالشكر الى دولة الرئيس الصديق هوفيك ابراهيميان رئيس مجلس النواب الارمني والى المجلس، على دعوتكم لزيارتي والوفد المرافق الى بلدكم العزيز، وعلى حسن الاستقبال والترحيب المميز وحسن الوفادة والضيافة والبرامج الحافل باللقاءات ولا سيما لقاء فخامة رئيس الجمهورية ووقوفي امامكم هذا الشرف العظيم الآن".

أضاف: "في ايلول من العام 1997 تشرفت بزيارة ارمينيا للمرة الاولى على رأس اول وفد رسمي لبناني على مستوى عال يزور بلدكم العزيز، حيث أتيح لي ان استمع الى طموحاتكم وانتم تنهضون بمسؤولية الاعمار ومسيرة الديموقراطية واعادة بناء علاقاتكم الدولية".

وتابع: "زيارتي اليوم كما الاولى هي لشكر بلدكم على وقوفه الدائم الى جانب القضايا العربية، ومساندتها الدائمة للبنان بمواجهة العدوان والانتهاكات الاسرائيلية، التي أشعرتنا من خلال المجازر التي ارتكبت ضد شعبنا بعمق آلام الشعب الارمني تجاه المجازر التي عانى منها، وهو ما سبق للمجلس النيابي اللبناني ان دعا الشعب اللبناني الى مشاطرة شعبكم الصديق ذكرى شهدائه الابرياء الذين ذهبوا ضحية المجزرة بحق شعبكم. نجدد اليوم تأكيد عمق العلاقات والمفاهيم بين لبنان وارمينيا، واعطاء زخم لتطويرها في كل المجالات".

واعتبر الرئيس بري "ان ما بين ارمينيا ولبنان الكثير من الجوامع المشتركة، أبرزها حب شعبينا للارض والوطن وتقديم الغالي والنفيس في سبيلهما، وايضا الامبراطورية البشرية اللبنانية والارمينية التي لا تغيب عنها الشمس، والمنتشرة والمغتربة على مساحة العالم، بسبب الوقائع الدموية الشرق اوسطية منذ مطالع القرن الماضي بل منذ فجر التاريخ، والمجاعات والكوارث التي تسببت بها الحروب ومحاولة اعادة تشكيل الجغرافيا وتقسيم الكيانات وفرض الايديولوجيات وطبيعة الانظمة السياسية فيها. كما ان بين البلدين جسرا من العلاقات البشرية الانسانية مثلها الارمن اللبنانيون الذين شاركوا بقوة في كل ما يصنع حياة المجتمع والدولة في لبنان، وكانوا اكثر القوى حيوية واكبر قوة عمل وانتاج".
وقال: "بين البلدين طموح شعبينا لبناء افضل الديموقراطيات المصنوعة وطنيا والمرتكزة على الدستور هنا وهناك، وعلى القوانين ومنع الاساءة اليها او التعسف في استخدامها. وبين البلدين تجربة عميقة تاريخية لا يمكن لنا معها ان ننخدع بظواهر الاشياء، او ان نقع فريسة الطموحات الاقليمية او الدولية والعودة الى عصور الانتداب والاستعمار والاحتلال، او ان نقع ضحية مشاريع تتصل بالمنطقة الجغرافية او الاقتصادية الشرق اوسطية، او ان نكون محكومين الى الرعب الذي يمثله الناتو او اسرائيل في تهديد سيادة الدول. وبين البلدين ما يزيد عن عشرين اتفاقية متنوعة في شتى المجالات، وبينهما جسر يتمثل بالخريجين اللبنانيين من الجامعات الارمنية والذين يزيد عددهم عن الالفين".

وأكد ان "الاهم ان بين البرلمانين في لبنان وارمينيا مذكرة تفاهم جرى توقيعها قبل عام ونصف اثناء زيارة الصديق هوفيك ابراهميان رئيس مجلس النواب في ارمينيا الى لبنان، والمذكرة تتطلب وضع آلية تطبيقية لها خصوصا لأنها تتجاوز تبادل الخبرات التشريعية والثقافية الى تعزيز علاقات الصداقة بين الشعبين اللبناني والارمني".
وقال: "ان ما بين ارمينيا والعرب كذلك علاقات تاريخية، اذ انهما ينتميان لأكثر الشعوب القديمة تحضرا في الشرق الاوسط، كما ان العرب والارمن ظهروا على مسرح التاريخ منذ آلاف السنين عكس شعوب كثيرة اختفت مع التاريخ، وواصلا مسيرتهما التاريخية الى اليوم وهما يقاومان كل اشكال الاستعمار والاضطهاد والتمييز وصولا الى السيادة والاستقلال".

أضاف: "ان ما يجب ان نعترف به هو ان حجم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين بلدينا لا يرقى الى مستوى العلاقة بين الشعبين، واني في هذا المجال اخجل من ذكر الارقام المتواضعة الناتجة عن تلك العلاقة. انني ادعو الحكومة اللبنانية والحكومة الارمنية الى تفعيل اللجنة الحكومية المشتركة بين البلدين".

وأشار الرئيس بري الى "ان هناك فرصا كثيرة للاستثمار، بينها تنمية العلاقات في المجال السياحي واعتماد ياريفان كمركز اقليمي للقيام بحملة ترويجية للسياحة في لبنان في بلدان الاتحاد السوفياتي السابق، وكذلك اعتماد ارمينيا كبوابة للدخول الى رابطة الدول المستقلة، كما ان بإمكان ارمينيا اعتماد لبنان كقاعدة ارتكاز لعلاقاتها العربية والمتوسطية في شتى المجالات".

وقال: "اننا في الوقائع الشرق أوسطية يجب ان نتمتع برؤية حسنة وبحسن التقدير والتدبير، ونحن نرى الضغوط الخارجية المتنوعة على بلداننا ومحاولات الاستثمار على التحركات الشعبية في الشرق الاوسط لابتزاز بعض الانظمة السياسية، او انتاج انظمة ملائمة او سياسات خارجية مستقبلية تتلاءم مع المصالح الاجنبية ومع الاستيلاء على ثرواتنا البشرية والطبيعية. اننا نلمس ان الازدواجية في المعايير الدولية اضحت سياسة واضحة لدول سلطة القرار الدولي، التي تغمض عينيها عن رؤية الانتهاكات الاسرائيلية اليومية لحقوق الانسان والجرائم ضد الانسانية التي تتواصل كل يوم".
 أضاف: "اننا نرى ان سلطة القرار الدولي تضع كل النظام العربي في قفص الاتهام وتعرض عليه لوائح اتهامية لاخضاع كل دولة على حده، وهي تنقل الاضواء من قطر عربي الى آخر وتستخدم سياسة فرق تسد بين الانظمة العربية وصولا الى رفع قيمة ( الفاتورة ) المفروضة على بعض النظام العربي لتحييده وهذا الامر سوف لا يحصن احدا بالنتيجة لأن جدار النظام العربي سيتهاوى بالتدريج واحدة تلو الآخر دون التمكن من الاحتفاظ بأي جزء منه، وما قد يختلف هو المكان والتوقيت".

وتابع: "نحن طبعا لسنا ضد المطالب المحقة لشعوب المنطقة التي تتعلق بالحكم الصالح والديموقراطية وتداول السلطة والشفافية واحترام الدساتير والقوانين، ونحن بالتأكيد ننحاز الى هذه المطالب، ولكننا من جهة اخرى لا يمكننا الا ان نسعى لتحصين أقطارنا في تصديها لمحاولات تهديد وحدتها الجغرافية والبشرية والمؤسساتية".

ورأى الرئيس بري "ان الوقائع الشرق اوسطية الراهنة انطلاقا من معركة الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الامم المتدة الى الممارسات العنصرية الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني ، الى التطورات التي يشهدها اكثر من بلد عربي، ان هذه الوقائع، تشير الى ان وقتا طويلا سيمضي قبل ان نشهد استقرارا في الوضع العام للمنطقة". وقال: "ان الشرق الاوسط لن يشهد اي هدوء وسيبقى من حق الشعب الفلسطيني النهوض بمقاومة شعبية شاملة، ومن حق لبنان التمسك بالمقاومة ايضا على امتداد حدوده بمواجهة الانتهاكات الاسرائيلية، ومن حق سورية الاستمرار في الممانعة لاستعادة الجولان المحتل حتى حدود الرابع من حزيران 1967".

أضاف: "أقول ذلك، لأنني وبالعودة الى كلمتي في مجلسكم الكريم خلال زيارتي السابقة، نبهت الى ان اسرائيل تسعى للتهرب من استحقاقات السلام العادل والشامل استنادا الى مبدأ الارض مقابل السلام. لقد جرى توقيع اتفاق اوسلو واتفاق وادي العربة وأثبتت التجربة ان كل نقطة في اي اتفاق مع اسرائيل تحديدا تحتاج الى اتفاق. لقد قامت اسرائيل في الظاهر بالانسحاب من غزة، ولكنها احتلت القطاع من الخارج بواسطة الحصار والنار والاجتياحات المستمرة للمناطق الفلسطينية في الضفة، وهي تستخدم حق المطاردة ضد كل فلسطيني في كل المناطق الفلسطينية".

وتابع: "اليوم تقوم اسرائيل بإستكمال تشريد عرب النقب من ارضهم المحتلة منذ عام 1948 ، وهي تخطط لـ " ترانسيفر " فلسطيني من كل المناطق داخل ما يسمى بالخط الاخضر، من اجل الاحتفاظ بإسرائيل نقية من اي عنصر غير يهودي، وصولا الى الكيان الديني الذي سيؤدي الى اشعال حروب دينية في الشرق الاوسط"، مؤكدا "أن ما أثبتته الوقائع هو ان السلام الذي لا يتصف بالعدالة ليس سلاما ولن يدوم".

أضاف: "لقد قلت امام برلمانكم منذ اربعة عشر عاما ان لبنان كما سوريا يتمسكان بالمبادىء والثوابت الاساسية التي تضمن سيادتهما الوطنية على اراضيهما وعلى مواردهما المائية والحيوية. يومها لم يكن احد قد تحقق من ثروة لبنان من النفط والغاز في البحر المتوسط، ولم تكن اسرائيل قد بدأت عمليات القرصنة لثروات بلدنا في المنطقة الاقتصادية. لقد قلت يومها واجدد القول اليوم اننا ملتزمون بالقرار الدولي رقم 425 واليوم القرار رقم 1701، الا ان اسرائيل تضرب بعرض الحائط القرارات الدولية وتقوم بإنتهاكها كل يوم. لذلك كانت المقاومة وستبقى طالما الخطر يداهمنا ويربص على اراضينا ويهدد حقوقنا"، معتبرا "ان التخلي عن المقاومة الآن كمن يدعو اسرائيل لاحتلال الارض او كمن يفتح منزله لدخول السارق".

وتابع رئيس مجلس النواب: "لقد عبرنا عن فرحنا بالمفاوضات التي انطلقت عام 2008 بينكم وبين تركيا. ان سياسة "صفر مشاكل" مع دول الجوار تتطلب تنازلات من كل الاطراف لمصلحة شعوبنا وحياتها الاقتصادية ورفاهيتها. اننا نتمنى وتمنينا ان يبادر البرلمان التركي الى المصادقة على البروتوكول الموقع بين البلدين منذ اكثر من عامين".
وأكد "ان لشعوبنا العربية مصلحة كاملة في اغلاق الحساب حول كل القضايا الخلافية، وفي تثبيت فتح الحدود البرية بين ارمينيا وتركيا بصفة دائمة، والوصول الى تسوية عاجلة بشأن اقليم ناغورني كاراباخ، تأخذ بعين الاعتبار دائما رأي سكان الاقليم وبناء علاقة حسن جوار كاملة".

وقال: "اننا في علاقات الجوار لا نقبل طغيان دولة على اخرى ولا نقبل بالتدخلات بالشؤون الداخلية لاي بلد، خصوصا بالفوضى البناءة العابرة لحدود سورية او سواها والتي نرى انها معبرة عن التزامات اطلسية. اننا نحذر من ان اللعب بنار الفتنة الطائفية في سورية او غيرها سينعكس على كل المنطقة وسيفتح الشهية لتقسيم ما هو مقسم"، مؤكدا "أن لنا جميعا مصلحة بأن تكون سورية البلد الانموذج في الشرق الاوسط لنظام عصري ديموقراطي متطور قوي ومنيع، يشكل سدا امام العدوانية الاسرائيلية ويحقق التوازن المطلوب لتحقيق السلام العادل والشامل في الشرق الاوسط".

وختم: "أطلت عليكم، ولكن كان لا بد من الاضاءة على الوقائع الضاغطة على اقطارنا وسبل تفعيل علاقاتنا لما فيه مصلحة شعوب المنطقة وعلى وجه الخصوص الشعبين في ارمينيا ولبنان".

رئيس الحكومة الارمينية

ثم زار الرئيس بري رئيس الحكومة الارمينية فيكران سركيسيان وعرض معه العلاقات الثنائية والتعاون بين البلدين والتطورات الراهنة. 

السابق
ماروني: تمويل المحكمة امر حاصل وما يحصل في سوريا انتفاضة و ثورة شعبية
التالي
الأسبرين يومياً يهدد البصر