السفير: معركة تصحيح أجور أم زيادة ضرائب؟

مع الأعباء المعيشية المتراكمة والتضخم الذي بلغ أعلى نسبة في العام 2011، لم يعد موضوع تصحيح الأجور مجرد مطلب لفئة اجتماعية بل صار ضرورة ملحة لصيانة السلم الأهلي بمعناه الاجتماعي، ولذلك تأمل شريحة كبيرة من اللبنانيين ألا يخضع هذا الملف لابتزاز المعنيين في القطاعين العام والخاص، بل وضعه على سكة التطبيق، بدل التمييع الذي كان سمة الحكومات المتعاقبة منذ العام 2005 حتى الآن.
ومن البداهة أن يبين ملف تصحيح الأجور وزيادة التقديمات الاجتماعية، ولا سيما بدلات النقل والمنح المدرسية، وجود نقاط خلافية بين العمال وأصحاب العمل من جهة، وبين العمال والدولة من جهة ثانية، وبين أصحاب العمل والدولة من جهة ثالثة، لكن النقاط الخلافية تبقى بسيطة أمام واقع اجتماعي يستدعي من الجميع تحمل مسؤولياتهم لإيجاد قواسم مشتركة تخفف الضائقة التي باتت تحاصر أغلبية اللبنانيين في مختلف نواحي حياتهم.

وقد أطلت العناوين الخلافية برأسها من داخل البيت الحكومي، وتحديدا من بوابة البحث عن إيرادات لتغطية زيادة النفقات والتقديمات الاجتماعية الإضافية، بالإضافة إلى التزايد الهائل في نسبة العجز اللاحق في موازنة مؤسسة كهرباء لبنان، والذي سيرتفع نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات عالمياً، إلى مستوى قياسي يزيد عن 44 في المئة خلال العام 2012 ليتخطى المليارين ومئة مليون دولار.

ومن المقرر أن يعقد المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام جلسة اليوم لمناقشة التحضيرات لتنفيذ الإضراب العام المقرر في الثاني عشر من تشرين الأول الجاري، إذا لم يتم التوصل إلى إقرار المطالب المطروحة، لا سيما رفع الحد الأدنى للأجور وتحسين التقديمات الاجتماعية في القطاعين العام والخاص.

ويبدو أن الاتحاد العمالي سيستبق اجتماعات لجنة المؤشر واللجان الفرعية بالتمسك باستعجال تصحيح الأجور بعيداً عن ربط هذا المطلب بالسياسات الطويلة الأجل التي تحتاج سنوات لتحريك فرص العمل وتنشيط القدرة الشرائية.
ويقع تصحيح الأجور في القطاع الخاص في أول النقاط الخلافية، علما أن هذا الموضوع سيكون بندا رئيسا في اللقاء الذي سيعقد اليوم بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووفد الاتحاد العمالي العام، الذي أعلن أنه يذهب إلى اللقاء بروحية تأكيد التمسك بزيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة 50 في المئة على الأقل، ليصل الى 750 ألف ليرة. في حين أن هيئة التنسيق النقابية التي تضم الاتحاد العمالي ونقابات المعلمين والاساتذة تصر على أن تشمل الزيادة أو التصحيح باقي شطور الأجر، على اعتبار ان هناك فئات لها سنوات خدمة طويلة، ودخلها ليس بعيداً عن الحد الادنى، وبالتالي يجب ان تستفيد من زيادة حدها الادنى بين 10 و15 في المئة فوق زيادة الحد الادنى، وهذه النقطة ستتحول الى موضوع خلاف بين العمال واصحاب العمل من جهة، وبين العمال والدولة من جهة ثانية، نظراً لكلفتها العالية على الخزينة وأصحاب العمل، مع العلم ان توجه الدولة هو القبول بالزيادة المقطوعة بـ250 الف ليرة لكل شطور الاجور، بما فيها الحد الادنى، مع إمكان زيادة بدلات النقل حوالى 4 آلاف ليرة يومياً لتصل الى 12 ألف ليرة يوميا، وزيادة المنح المدرسية بنسبة 50 في المئة لتصل الى 750 الف ليرة بدلاً من 500 الف حالياً.  
ولعل النقطة الثانية، وربما الاهم، تتعلق في اختلاف المواقف بين فرقاء الحكومة حول كيفية تأمين الايرادات والضرائب الجديدة، لتمويل النفقات الاضافية، حيث يدعو بعض الوزراء الى ضرورة رفع الضريبة على القيمة المضافة وزيادة الضريبة على فوائد الودائع المصرفية بالاضافة الى زيادة الضرائب العقارية وفرض ضريبة على الارباح العقارية وإعادة التخمين العقاري. وفي المقابل، يرفض بعض الوزراء، ولا سيما وزير العمل شربل نحاس، زيادة الضريبة على القيمة المضافة المقترح رفعها من 10 الى 12 في المئة.

أما النقطة الثالثة، فتتعلق بكلفة زيادة الاجور على الخزينة العامة، فقيمة الرواتب والاجور ومعاشات التقاعد في الموازنة العامة تبلغ حالياً حوالى 6125 مليار ليرة، أي ما نسبته 57 في المئة من النفقات الجارية في الموازنة، من دون النفقات الاستثمارية حسب ارقام العام 2011. وهذا يعني أن كل زيادة بنسبة واحد في المئة على اجور القطاع العام تكلف الخزينة زيادة قدرها حوالى 60 مليار ليرة، مع الاشارة الى ان متوسط الاجور في القطاع العام هو حوالى مليون و400 الف ليرة، وهو اعلى قليلا في القطاع الخاص.

ويدافع المتحمسون لزيادة ضريبة القيمة المضافة تحت عنوان «الايرادات الاضافية»، عن طرحهم، معتبرين أن زيادة هذه الضريبة بنسبة 2 في المئة من شأنها أن ترفع عائدات هذه الضريبة حوالى 75 مليار ليرة تقريباً لترتفع من 3787 مليار ليرة حالياً الى حوالى 4700 مليار ليرة، مع الاخذ في الاعتبار الزيادة السنوية نتيجة الاستهلاك المتزايد، فيما ستؤدي زيادة الضريبة على فوائد الودائع المصرفية من 5 في المئة حالياً الى 7 في المئة الى جباية حوالى 300 مليار ليرة، علما ان عائدات هذه الضريبة تبلغ سنوياً حوالى 719 مليار ليرة، وسترتفع الى اكثر من 1000 مليار ليرة على اساس حجم ودائع بين 113 و116 مليار دولار خلال العام المقبل إذا بقيت الامور على حالها.
في سياق متصل، عقدت اللجنة المنبثقة عن لجنة المؤشر، امس، اجتماعا برئاسة وزير العمل شربل نحاس استمر ساعتين ونصف الساعة. وأشار نحاس الى ان البحث تناول موضوع الاسعار، وتم التوافق على ان تستقبل ادارة الاحصاء المركزي فريق عمل مؤسسة البحوث والاستشارات لتزويد لجنة المؤشر بصورة متكاملة عن تطور الاسعار، على ان تستكمل الاجتماعات في وزارة العمل بعد ظهر اليوم برئاسة نحاس الذي أعرب عن أمله في الوصول الى تفاهم مع العمال قبل الاضراب المحدد في 12 تشرين الأول.  

السابق
مخاطر الخوف الشيعي
التالي
حين تكون الثورة…مؤنث الثور