هل أن التمثيل النسبي هو الأفضل للبنان؟

يعتمد نظام الدائرة الفردية مبدأ أن لكل مواطن صوتاً، ولكل مواطن حق اختيار أحد أعضاء المجلس النيابي. ويقضي هذا النظام بتقسيم الدوائر الانتخابية الحالية الى دوائر فردية بحسب عدد المقاعد النيابية المخصصة لكل دائرة (أي 128 دائرة)، على ان يحافظ على اكبر قدر ممكن من التوازن في حجم الدوائر لناحية عدد الناخبين على مستوى لبنان.
يجري تقسيم الدوائر في ضوء النسيج الاجتماعي في كل منطقة ويتقاطع مع جغرافية المنطقة بحيث يشعر المواطنون انهم أصبحوا أكثر قدرة على اختيار حقيقي في ما بين المرشحين في دائرتهم الانتخابية.
تجري الانتخابات على دورتين وفي كل الدوائر في يوم واحد. يتأهل في الدورة الأولى المرشحان اللذان نالا العدد الاكبر من الاصوات في الدائرة (وهو ما يُعرف بالـ (ballotage ويفوز بالانتخابات المرشح الذي ينال العدد الأكبر من الأصوات في الدورة الثانية عن الدائـرة التي ترشح فيها. بذلك ينتخب نائباً المرشـح الذي ينال الاكــثرية المــطلقة من الاصوات في الدائرة وليس الاكثرية العادية، فيأتي متمتعاً بشرعية شعبية حقيقية تستند الى عدد من الاصوات قريب لعدد الاصوات الذي يشكل الحاصل الانتخابي quotient électoral في النظام النسبي المقترح حالياً.
من حسنات هذا النظام أنه:
أ- يكرس المساواة التامة والحرية بين المواطنين في حق اختيار نوابهم.
ب- يدفع المرشحين الى مواجهة الناخبين مباشرة وإجراء حوار معهم بحيث يتفاعلون مع إرادة الناس وتوجهاتها وتطلعاتها بدل التوجه نحو المهندسين القابعين في الخفايا لتعليب اللوائح.
ج- يخفف من تأثير عامل المال في الحياة السياسية عبر خفض النفقات الانتخابية.
د- ينزع من اللاعبين الكبار القدرة على اختيار مرشحين عن المناطق من دون العودة الى قواعدهم، فيخفف من الهيمنة ويكون النواب أكثر حرية في عملهم.
هـ – يكرس المساواة بين الجنسين إذ يخفّ تأثير القاعدة الوراثية في الحياة السياسية ويعيد مسألة تشكل النخبة الى قاعدة المنافسة الشفافة بين أشخاص.
و- يجدد الخطاب السياسي عبر تعزيز التواصل وتضمين البرامج الانتخابية حاجات الناس مباشرة.
ز- يساهم في تجديد النخبة السياسية في لبنان عبر شروط المساواة بين المواطنين ناخبين كانوا أم مرشحين.
ح- يسمح للأحزاب والقوى السياسية والشخصيات المستقلة ان تختبر قوتها الانتخابية في الدورة الأولى حيث تتداخل المعايير الشخصية بالسياسية و«الانمائية»، بحيث تجري الدورة الثانية بين مجموعتين كبيرتين على أسس سياسية واضحة، مما يفرض على القوى والشخصيات المتقاربة فكرياً وسياسياً ان تتحالف وراء مرشح واحد، بعيداً عن أية منافسة في ما بينها التي غالباً ما تحصل اليوم عن طريق «التشطيب» المتبادل ضمن اللائحة الواحدة في نظامنا الحالي أم من خلال الصوت التفضيلي في بعض أنظمة التمثيل النسبي التي تعتمده.
ط – هو نظام بسيط، شفاف، خفيف الكلفة وغير قابل للتلاعب.
ي- يعيد التنافس الى داخل الطائفة الواحدة أو العائلة الواحدة أو العشيرة الواحدة بدل الشعور بالمواجهة بين الطوائف.
ك – يخفف من هيمنة الاكثريات وفي حالات الاختلاط الطائفي يعطي قوة تأثير للاقليات فتتحول الى بيضة القبان في المنافسة بين مرشحين من الطائفة الأكبر عددياً، مما يدفع الجميع الى الاعتدال في الخطاب السياسي وكذلك في ضوء الحاجة لتشكيل أكثرية للحكم.

الخلاصة
ان النظام النسبي، على الرغم من ميزاته في المبدأ، انما يطرح مشاكل في الوضع اللبناني الراهن ولا يؤدي الى الحلول المتوخاة منه عادة، لا سيما ان تمثيل الاقليات (وهو من الاهداف الاساسية لاعتماد هذا النظام) مؤمن بنص القانون اللبناني ولا حاجة لاعتماد النسبية لتحقيقه. بل ان نظام الكوتا الطائفية والمناطقية يشكل صعوبات عملية لتطبيق النسبية في لبنان، وإن جميع الحلول الممكنة لهذه الصعوبات تؤدي الى الابقاء على النظام الاكثري ضمن الطائفة او المنطقة الواحدة، مما ينفي الغاية من اعتماد النسبية في الوقت الحاضر، بل يمكن البحث بها جدياً في حال الغاء النظام الطائفي في يوم من الايام.
وبالتالي فإن النتيجة التي سيؤدي اليها اعتماد النظام النسبي في لبنان حالياً، انما يقتصر على اعادة توزيع المقاعد في الدوائر بين التحالفين الاساسيين (مع بعض القوى المتحالفة معهما اذا نالت ترتيبا متقدما في اللوائح) دون أي تغيير يُذكر على صعيد تشكيلة البرلمان بصورة عامة، مع إمكانية حصول اطراف ثالثة على عدد متواضع جداً من المقاعد في بعض الدوائر التي لا تتميز بتنوعها الطائفي.
أما بالنسبة لسائر الميزات التي قد يؤمنها نظام التمثيل النسبي من حيث المبدأ، فإنه يمكن الوصول الى معظمها من خلال الابقاء على النظام الاكثري ولكن ضمن الدائرة الفردية وعلى دورتين.
وبالختام ان النظام الانتخابي القائم على الدائرة الفردية على دورتين يسمح بتعزيز موقع المواطن في مواجهة التعليب والبوسطات والمال. وربما كان أهم ما في هذا النظام انه يفتح باب التجديد في الحياة السياسية ويشجع جميع المواطنين على المشاركة سواسية في الانتخابات، اقتراعاً وترشيحاً، رجالاً ونساءً، أياً كانت الفوارق والفروقات في ما بينهم.  

السابق
إبتسموا..على الأقل هذا الأسبوع!
التالي
تصحيح الاجور.. القانون التالي بعض الكهرباء