الراي: تقطيع تمويل المحكمة الدولية حتمي والحكومة ستتجاوز القطوع

برز تطور سياسي لافت في الساعات الثماني والاربعين الاخيرة التي اعقبت عودة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى بيروت بعد زيارته لنيويورك وتمثل في ظهور مواقف متناقضة من موضوع تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بين بعض اطراف الحكومة علناً. ففي وقت راح الوزراء المحسوبون على ميقاتي وفريقه وكذلك وزراء في كتلة النائب وليد جنبلاط يجزمون بأن التمويل سيتم تأمينه وانه لن تكون هناك اي امكانية لعدم تنفيذ الالتزامات التي قطعها رئيس الحكومة في هذا الشأن، انبرى وزراء في تكتل النائب العماد ميشال عون وكذلك المحطة التلفزيونية الناطقة بإسمه الى الجزم في المقابل ان هذا التمويل لن يمر بسهولة ما دام لن يقترن بتعديل البروتوكول الموقع مع المحكمة الدولية والذي يستحق موعد تجديده في مارس المقبل. وبدا واضحاً للمعنيين والمراقبين ان هذا التناقض العلني بدا بمثابة تمهيد ساخن لفتح ملف التمويل جدياً في الاسابيع القليلة المقبلة بموازاة عمل الحكومة على انجاز مشروع قانون الموازنة للسنة المقبلة، علماً ان التمويل يعود في عقدته الحالية الى السنة الحالية التي لم يسدد فيها لبنان بعد حصته الكاملة في موازنة المحكمة.

وأبلغت اوساط واسعة الاطلاع الى «الراي» ان ثمة مخاضاً «دعائياً» وإعلامياً على الأقل سيمر به ملف التمويل على افتراض ان هناك توافقاً ضمنياً حوله قد حصل او انه في طور الترتيب، معربة عن اعتقادها ان الرئيس ميقاتي ما كان اقدم على قطع تعهدات بنبرة جازمة من اعلى محفل دولي، اي الامم المتحدة، في شأن التمويل لو لم يكن متسلحاً بقرار ضمني يخوله قطع هذه التعهدات، بمعنى انه يدرك ان «حزب الله» في النهاية سيسمح بتمرير هذه الخطوة مهما رتبت من محاذير عليه لمصلحته في الحفاظ على الحكومة. ولكن ذلك لا ينفي وجود اجتهادات ذهب اصحابها الى القول ان ميقاتي افاد من هذا الجانب ليذهب ابعد مما يتيحه الهامش المتاح لديه في التعبير عنه علناً. ولذا علت اصوات حليفة لـ «حزب الله» بنبرة اعتراضية على ملف التمويل لإعادة التوازن الى المشهد الحكومي والتذكير بأن لهذا الملف ضوابط يضعها «حزب الله» ايضاً ولا يمكن مروره من دونها.

وتقول الاوساط نفسها ان ذلك لا يعني بالضرورة استعادة ما جرى في ملف الكهرباء لجهة الفرز الذي كشفه داخل الحكومة، بل ربما تشهد معالجة هذا الملف تعاملات سياسية مختلفة معه ويصعب تبيُّن اطرها قبل طرح الملف رسمياً وعملياً على مجلس الوزراء. ذلك ان مرور الملف بمجلس الوزراء سيكون امراً حتمياً ولن تكون هناك اي آلية اخرى سواه. وثمة من يقول ان اللقاء الذي جمع قبل يومين الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله والنائب سليمان فرنجية قد يكون فاتحة لقاءات اخرى لنصرالله مع زعماء وشخصيات اخرى يطرح فيها ملف التمويل كإحدى الأولويات التي ينبغي بتّها في هذه المرحلة. ويتوقع ان تتكثف المشاورات في كل الاتجاهات اعتباراً من الاسبوع الحالي لايجاد مخرج لهذا الملف ينأى بالحكومة عن اي اهتزاز محتمل. 
وفي هذا السياق، لفتت طمأنة نائب «حزب الله» علي فياض الى ان الحكومة «ستجد حلاً لمواجهة الملفات كافة التي تنتظرها بما فيها الملفات الشائكة التي يظنّ البعض أنها ستكون محل تباين واختلاف بين مكوّناتها»، مشيراً الى «ان الحكومة لا تريد أن تكون في مواجهة المجتمع الدولي اساساً وتصر في الوقت نفسه على ان تبقى الاولوية للمصالح العليا للوطن».
واكد فياض «ان القرارات داخل الحكومة تعبّر عن كل مكوناتها وليس عن فريق معين»، مشددا على «ان الحكومة حريصة على احترام القانون ودور المؤسسات ولا تسمح بتجاوز القوانين المرعية الاجراء في إدارة الدولة».
وفي الاطار نفسه، أكد نائب «حزب الله» حسن فضل الله أن الحزب «يريد للحكومة أن تنجح في عملها وأن تحصن بالإنجازات في كل الملفات التي تقدر على معالجتها، وهناك اليوم وضع معيشي ضاغط»، موضحاً أن «الحكومة اللبنانية الحالية قوية ومتماسكة وهي عندما تعالج أي موضوع تنطلق من مبدأ التوافق والتفاهم، وإذا كان هناك أي مشروع لم نستطع التفاهم عليه فإما نضعه جانبا، وإما نعتمد الأسس الدستورية، لذلك لا خوف على هذه الحكومة مهما سمعنا ومهما رأينا، والعكس هو الصحيح تماما».

ولفت فضل الله إلى أن «معادلة الحكومة الحالية القائمة اليوم من خلال الأكثرية الجديدة لا تعني أن هذه الأكثرية فريق واحد أو خط سياسي واحد، بل هي ائتلاف مجموعة قوى لديها مصالحها واعتباراتها وحساباتها، في الوقت الذي قد يرى البعض هذا المشهد غير مناسب، فإننا نعتبره عنصر قوة لهذه الحكومة».
من جهته جزم وزير الاشغال والنقل غازي العريضي (من فريق النائب جنبلاط) بان تمويل المحكمة سيحصل، معلناً «لا أرى أن هناك خطراً على الحكومة من الانفراط بسبب التمويل اذ يمكن إيجاد طريقة معينة للتمويل من دون أن تتأثر الحكومة». وقال: «المال المطلوب دفعه مرتبط بميزانية المحكمة للـ 2011، ويجب أن يُدفع في الـ 2011. اما بروتوكول التعاون فينتهي في مارس، وعندها لا بد من نقاش اذا كان هذا الامر يُجدد أم لا. والنقاش مشروع بشأن هذه الاتفاقية بكل هدوء».
وشدد على ان «ثمة فريقاً كبيراً في لبنان يريد الاستمرار بتمويل المحكمة وبكل عناد واصرار، وهذا حقه لأنه لا يمكن تضييع حق الشهداء وعائلاتهم، وهم رموز كبار في تاريخ لبنان على رأسهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، مع ما لذلك من مدلولات وانعكاسات واقعية على الارض في لبنان. واذا كنا نريد الحفاظ على الاستقرار في لبنان لا بد من الاخذ بكل هذه المعايير بالاعتبار».

وردا على سؤال، أكد العريضي العائد من زيارة لسورية قبل ايام حيث التقى اللواء محمد ناصيف انه «ليس سرا ان اخراج سعد الحريري من رئاسة الحكومة كان أمرا مرحبا به على المستوى السوري والايراني والقوى الحليفة لهاتين الدولتين، وبالتالي الطبيعي أن يكون هناك تمسك بالحكومة الحالية لصعوبة تشكيل حكومة أخرى واختيار رئيس حكومة آخر في ظل موازين القوى الاكثرية الحالية».

في هذه الأثناء، اختار الأمين العام لـ»تيار المستقبل» أحمد الحريري مناسبة الذكرى 29 «لدحر الجيش الاسرائيلي عن بيروت» ليعلن أن «الربيع الآتي سيكون ربيع كل العرب في بيروت، وستكون أياماً للفرح والأمل والاستقرار لكل اللبنانيين».
وقال الحريري: «لن يكون في لبنان بعد اليوم غبن أو خوف أو استقواء أو استهتار»، مشيراً إلى أن «الوفاء للرئيس الشهيد رفيق الحريري لا يمكن أن يكون إلا بالوفاء لبيروت وأهلها ودورها الوطني والعربي».
وفي موازاة ذلك، نقل الرئيس السابق للحكومة عمر كرامي عن الرئيس السوري بشار الاسد الذي استقبله يوم الخميس الماضي يرافقه نجله الوزير فيصل كرامي أن «القصة انتهت، واننا مرتاحون الى طي صفحة الأحداث في سورية، وهي تحت السيطرة».
واوضح كرامي لصحيفة «النهار» ان الصورة التي وضعه في أجوائها الأسد «تختلف كلياً عن المعلومات التي تصل الى لبنان والعالم بشأن حقيقة الأحداث في سورية»، لافتاً الى انه سمع من الرئيس السوري عبارة «بالنا ليس مشغولاً»، في اشارة الى «قدرة الأجهزة الأمنية والسياسية في سورية على ضبط الامور، وخصوصاً في الايام الاخيرة». 

السابق
الجبهة الشعبية تتحرك ضد ترتيبات نزع سلاح المخيمات بين لبنان والسلطة الفلسطينية!
التالي
ميقاتي لا يمكنه التهرب من تمويل المحكمة لارتباطه بالتزامات دولية