إسرائيل وسلاح حزب الله… وجعجع

يقول الراوي إن دعوة رئيس حزب «القوات اللبنانية»، سمير جعجع، حزب الله إلى قرار جريء بالتخلي عن السلاح، أصاب الحزب بصدمة وإرباك غير مسبوقين. بحسب الراوي، تداعت شورى القرار في حزب الله إلى جلسة نقاش، كانت هي الأطول في تاريخها، وشهدت انقساماً في مواقف أعضائها، بين من يرى ضرورة الإسراع وتلبية الدعوة بلا إبطاء، وبين رافض لها، على خلفية «عدم الثقة» بنصائح جعجع وتشكيكهم بخلفياته.

يضيف الراوي، أن اتجاهات الأمور ما زالت غير واضحة، في ظل الانقسام الحاد الذي تشهده شورى حزب الله. هناك من يرى إمكان اللجوء إلى التصويت، في نهاية المطاف، على أن يعقب ذلك استفتاء يشارك فيه كل المنضوين في صفوف الحزب، من دون تحديد ما إذا كان المناصرون، أيضاً، سيشاركون فيه… لكن في هذه اللحظة، استفاق الراوي، وتبين أنه كان في حلم، تماماً كما صاحب الدعوة، سمير جعجع.

مقابل ذلك، في يقظة إسرائيل، الأمور مختلفة تماماً، ولا تكتفي بالأحلام و«النصائح». فالحرب الإسرائيلية على لبنان لم تنته، وفشل عدوان عام 2006، لم يؤد إلى استسلام تل أبيب وثنيها عن تطلعاتها، ومنذ خمس سنوات، يحاول جيشها تحقيق جهوزية عسكرية، في مسار طموح جداً، على أن تُمكّنها من الحسم والانتصار في المواجهة المقبلة، رغم أن التأكيد الإسرائيلي، بحسب الحديث المتواتر من تل أبيب، يشير إلى قصور في تحقيق الجهوزية المطلوبة والكافية للانتصار، في ظل سباق الجهوزية مع حزب الله، إلى حد المطالبة بضرورة منع وقوع الحرب «كي لا تجلب إسرائيل على نفسها كارثة».

في كلام جعجع إشارة إلى أن السلاح لم يعد مبرراً ولا مقبولاً، في ظل التحولات الكبرى في المنطقة، وفي ظل سقوط المعادلات التي أوجدته. وهذه أيضاً جزء من الأحلام. فعن أي تحولات كبرى يقصد؟ وكيف لهذه التحولات أن تؤثر سلباً على المقاومة وسلاحها، وتدفع قادتها إلى «قرار جريء» بتسليم السلاح طوعاً؟ هل يقصد جعجع وجوب التخلي عن السلاح بعد أن أثبت أنه يمنع تل أبيب عن أطماعها وإمكاناتها في فرض إرادتها السياسية على لبنان؟ هل يقصد أن سقوط النظام المصري، أحد أهم التحولات في المنطقة، يفرض التخلي عن السلاح؟ هل يرى أن خلع الرئيس المصري حسني مبارك يمثّل غياباً لطرف داعم مطلق لخيارات مقاومة إسرائيل؟ هل يقصد أن تراجع مكانة واشنطن ونفوذها في المنطقة، وقرب خروجها من العراق، هو تحوّل من شأنه أن يضغط على حزب الله ويفرض عليه الاستسلام؟ هل يقصد أن بدء الاستسلام الغربي والتركي والخليجي أمام منعة سوريا، يفرض على حزب الله نزع نفسه عن سلاحه؟ أم أن الانكسار الدائم لقوى الرابع عشر من آذار، هو عامل ضاغط ويضع خيار المقاومة في مأزق؟ 
هذه هي أهم التحولات الكبرى في المنطقة، فهل هي ضاغطة على حزب الله وسلاحه؟ أم على أعدائه وخصومه؟ من يفترض به أن يتحلى بالجرأة ويتراجع عن مواقفه، هو المتضرر من هذه التحولات. وهو سؤال موجه إلى أصحاب النصائح والتوقعات الدائمة.
ولا شك في أن الكثيرين يسألون أنفسهم، عما يدفع البعض، ومنهم جعجع، إلى تكرار الحديث عن سلاح المقاومة، فيما هم وغيرهم يعرفون، جيداً، أن أحداً في هذا العالم، لا ولم يستطع نزع سلاحها؟ في الإجابة، يمكن القول إنه في كثير من الأحيان، قد يكون لمفاعيل الإقرار بالهزيمة وقع أشد من الهزيمة نفسها.

من هنا، من غير المتوقع أن يُصارح جعجع وقيادات 14 آذار جمهورهم بحقيقة أن لا أمل في نزع سلاح المقاومة، بل سيواصلون ما بدأوا فيه، ويجترحون لهم آمالاً ورهانات مختلفة. من جهة ثانية، تُعبر شعارات قوى 14 آذار عن حقيقة موقفها من مقاومة إسرائيل، سواء كانت هذه المقاومة في موقع التحرير أو الدفاع أو الردع، لكن صوغ هذه الشعارات يكون بأسلوب لا يشير بصراحة إلى حقيقة المنطلقات والخلفيات، ولعل أكثر من في قوى 14 آذار مراعاة لذلك، هو جزء واسع من مسؤولي تيار المستقبل، قياساً بتاريخ جمهورهم وتطلعاته. وبدلاً من رفع شعار لا لمقاومة إسرائيل، يُستبدَل بشعار نزع السلاح أو ما شابه، ولا يخفى أن وقع هذا الشعار، يختلف في آذان الجمهور، عن وقع شعار لا لمقاومة إسرائيل. أما من جهة ثالثة، فقوى الآذاريين بحاجة إلى قضية مستمرة، تحافظ من خلالها على تماسك جمهورها، وخاصة بعد الرهانات الفاشلة والمتكررة طوال السنوات الماضية، تارة ضد سلاح المقاومة والمقاومة نفسها، وتارة ضد سوريا.

بناءً على ذلك، لن يستسلم جعجع. وستبقى مواقفه عدائية تجاه حزب الله. لكن في ظل إمكاناته المتواضعة، سيكتفي بأحلامه. وكما يقول الراوي، سيظهر بعض من هذه الأحلام إلى العلن، وستسبب من جديد صدمة وإرباكاً، ومن يدري إن كان حزب الله قادراً على تجاوز صدمة جديدة؟ 

السابق
نبيه السري!
التالي
تمويل المحكمة أم حماية المجرمين؟