سورية المستَهدَفة وليس الأسد وحده ؟!

 من الواضح جدًا أن الحصار الشديد الذي تمارسه قوى غربية على الرئيس بشار الأسد، ليس بريئًا من نظرية الاستهداف الذي اتّضح من قول وزير الخارجية السورية وليد المعلّم من على منبر الجمعية العمومية في الأمم المتحدة انه ليس بالضرورة موجّهًا إلى الرئيس الأسد، بل إلى وجه سورية المتنوّعة الطوائف والمذاهب ضمن دولة مدنية في محاولة لترويج مخطّط يحيي أنظمة دينية من لون واحد ووضعه تحت عباءة تركيا الإسلامية التي بقيَ منها ظلال من حكم مدني عسكري وريث لتركة أتاتورك.
وقد رأينا كيف احتضن النظام التركي جماعات من مصر وسورية يغلب عليها هذا الطابع للّعب على الوتر المذهبي بهدف استقطاب الحالات المنادية بالتغيير لتثبيت سلطتها من خلال منظومة جديدة مضبوطة على الإيقاع الغربي الذي تبدو تركيا اليوم متقاطعة معه مشكلة جسر عبور له ما بين الغرب ودول المنطقة.
فعندما يُحذّر البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، أكبر مرجعية روحية مسيحية في هذا الشرق، من خطورة هذا المنحى، فلخوفه على مصير الأنظمة المتنوّعة الطوائف في إطار مدني كسورية ولبنان، وهو إنما يعكس هواجس الإرشاد الرسولي الذي نادى بالانفتاح على دول المنطقة والتفاعل معها، لأنه يدرك أن لا حياة لمثل هذه الصيغ إلا بالتفاعل.
لقد مضى أكثر من ستة أشهر على محاولة إسقاط النظام في سورية وشق المؤسسة العسكرية، فإذا بهذا النظام يقوى أكثر بجيشه وقواه الأمنية، برغم الكلفة الباهظة التي يدفعها دفاعًا عن الكيان السوري الثابت في عقيدته الوطنية وحقوق العيش لكل الطوائف والمذاهب على قدم المساواة. كما يقوى بالعصبية القومية الداعمة لحركات المقاومة حتى استرجاع الحقوق العربية وفي طليعتها الحق الفلسطيني.
ويخطئ هذا الغرب، المراهن على أي نظام آخر، إذا ما استمرّ في محاولاته هذه، مهما شدّد من عقوباته وتطويقه حركة هذا النظام بإجراءات وتحذيرات، لأن أي انزلاق في سورية نحو فتنة طائفية أو مذهبية سوف يُحدث زلزالاً في دول المنطقة لن تسلم أي دولة من شظاياه حتى تركيا الماضية في تحريك ذلك. ولن يقتصر هذا الأمر على الطوائف، بل على العامل الإثني المتمثّل بالحالة الكردية المزمنة المطالبة بدولة مستقلة مع ما يعني ذلك من "تشطير" في الكيان العثماني الجديد الذي نال "حلواه" في اتفاقية سايكس- بيكو والتي كان من نتائجها حصوله على أجزاء تاريخية من سورية في الإسكندرون وأنطاكيا وكيليكيا مع ثقل مليوني من أبناء سورية العلويين يقارب السبعة ملايين.
فإذا كان رئيس الحكومة التركي رجب طيب أردوغان يعتقد أنه سيبقى بمأمن من هذا التشظّي الذي يؤجّج ناره في مواقفه واستضافاته، فإنه لا يقرأ جيدًا تركيبته الهشة والمعرّضة للسقوط قبل أن تسقط شعرة من النظام اللاطائفي في سورية.
لقد سئمت الشعوب العربية هذا النفس من المواعظ التي يجوب بها أردوغان دول المنطقة، مصوّرًا مصير الأسد كمصير سائر الزعماء الذين سقطوا نتيجة مطالبة جماهيرهم، سواء في تونس أم مصر أم ليبيا، وفاته، أو إنه لا يرى، أن هذا النظام هو "استثناء" لأنه يختلف عن سائر الأنظمة في تأمين مستلزمات الخدمة لشعبه من علم وطبابة ورغيف كريم، فضلاً عن رغيف الكرامة الوطنية التي تمثّل عنوانُها في الصمود التاريخي في وجه كل الضغوط التي مورست عليه منذ الحرب الأميركية على العراق عام 2003.
فالرئيس بشار الأسد لم يتاجر بقضية بلاده أو بقضية فلسطين، بل حمل لواءها ودعم صراعها مع العدو "الإسرائيلي". وخير شاهد على ذلك انتصاره في هذا الدعم المعنوي واللوجستي برهانه على المقاومة اللبنانية عام 2006 والمقاومة الفلسطينية عام 2008.
من أجل رؤيته الاستراتيجية هذه، استحقّ هذا الوقوف المشرّف من جيشه وغالبية شعبه ومن قيادات روحية كالبطريرك أغناطيوس الرابع هزيم، المقيم في داخل سورية، وهو يرى كل ما يحدث فيها عن كثب لا من خلال الشرفات التي يتحدّث من خلالها قادة يجهلون المعنى الأساسي لكرامة الشعوب.
ثمّ أن سورية ليست تلك اللقمة السائغة التي يمكن أن تؤكَل، سواء اشتهت "إسرائيل" ذلك أم تركيا، فهي تملك من المقدّرات العسكرية ما يكفي لردع أي رهان على ضعف ما في رصيدها الحربي إذا ما فُرضت عليها هذه الحرب. فالسلاح الذي تملكه هو السلاح نفسه الذي حقّق للمقاومة اللبنانية انتصارها الأسطوري على الجيش الذي لا يُقهر، فإذا به يُدحر على يد المقاومة سنة 2000 ويُردع في عدوان تموز عام 2006. 

السابق
اللعبة مفتوحة في مصر على الفرصة والخطر
التالي
الشعب والدولة واقعاً على الأرض!