“سلّة” من المستجدات ترخي بظلالها على ألق الإنتفاضات

 يشهد الإهتمام الدولي بالإنتفاضات العربيّة تراجعا بعد المستجدات الضاغطة التي فرضت نفسها كأولويات في المنطقة.

وفي المحصلة أن تركيّا أقدمت على خطوة متسرّعة عندما قررّت الوقوف الى جانب قبرص التركيّة على حساب قبرص اليونانيّة في البحر، في إطار التنقيب عن النفط. وسبّب هذا التصرّف إنزعاجا لدى الإتحاد الأوروبي، وسارعت اليونان الى توجيه الرسائل الدبلوماسيّة بإتجاه أنقرة، كما عبّرت الأمم المتحدة عن قلقها، وإعتبرت أن ما أقدمت عليه أنقرة جاء نتيجة انفعال كبير نظرا للضرر البالغ الذي ألحقته بالجهود الدبلوماسيّة الدوليّة الرامية الى إعادة توحيد الجزيرة.

ولا يزال هذا الملف مفتوحا على غاربه في الوقت الذي تتعاظم فيه المواجهات بين السلطات في أنقرة والثّوار الأكراد.

وتشير تقارير دبلوماسيّة أن الوضع مرشّح للتفاقم لأن تحريك الملف الكردي في هذا الوقت بالذات ليس بريئا، ويتصل بحسابات وخلفيات إقليميّة ودوليّة بمعنى أن النظام السوري لن يكون منزعجا من الإرباك الذي قد يسبّبه هذا الملف لرئيس الوزراء رجب طيّب أردوغان وحكومته بعد الإنحياز الكبير لمصلحة المعارضة السوريّة.

كما تحاول كلّ من إيران وروسيا الإمساك بأطراف هذا الملف كورقة ضغط لثني أنقرة عن استقبال شبكة الرادار المتطوّرة التابعة لحلف الناتو على أراضيها، والتي تعتبر تحديّا إستراتيجيّا للأسلحة الصاروخيّة الروسيّة – الإيرانيّة.

ويأتي هذا التطوّر بعدما رفضت الولايات المتحدة المبادرة الروسيّة التي حملها وزير الخارجيّة سيرغي لافروف الى نظيرته الأميركيّة هيلاري كلينتون والهادفة الى تخفيف العقوبات الإقتصاديّة على طهران، وإغلاق ملفّها النووي، مقابل أن تجيب إيران على أسئلة الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة.

وكان سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف قد ناقش مع نظيره الإيراني سعيد جليلي إقتراح موسكو على واشنطن تسوية الملف النووي الإيراني من خلال سياسة "الخطوة خطوة".

ويأتي الرفض الأميركي نتيجة عاملين: إشتراط واشنطن وقف طهران تخصيب اليورانيوم، وفك التحالف الروسي – الإيراني في دعم نظام الرئيس بشّار الأسد.

ويعود مأخذ الإدارة الأميركيّة الى المحادثات التي أجراها وزير الخارجيّة الإيراني علي أكبر صالحي في موسكو منتصف آب الماضي بشأن مشروع مبادرة مشتركة حول سوريا سبقها تفاهم مع الطرف السوري، وتهدف الى تفادي الضغط الدولي، ويبدو ان هذه المبادرة لا تزال مفاعيلها ظاهرة للعيان حتى الآن.

وتضيف المواجهة الدبلوماسيّة – الإعلاميّة المحتدمة بين سوريا والولايات المتحدة، إعتبارات جديدة على تشابك المصالح الأميركيّة – التركيّة من جهة والسوريّة – الإيرانيّة – الروسيّة من جهة أخرى، ويأتي تعنيف السفير الأميركي في دمشق، بعد السفير الفرنسي، في سياق خطة ممنهجة إعتمدتها العاصمة السوريّة وتقوم على التصدّي للضغوط الدوليّة بالهجوم، وهذا ما لمسه دبلوماسيّون تابعوا عن كثب تحركات وزير الخارجيّة وليد المعلم في نيويورك، والتي ضمّنها تهديدات واضحة للدول التي تمدّ المعارضة السوريّة بكل أنواع الدعم المتاح.

ولم تنتظر واشنطن طويلا، وجاء الردّ الأولي على لسان وزيرة الخارجيّة هيلاري كلينتون التي طالبت السلطات في دمشق بتوفير الحماية لطاقم بعثتها الدبلوماسيّة، إلاّ أن الرد العملي هو مدار بحث ونقاش مستفيضين، ويأخذ بعين الإعتبار مستجدات عدّة فرضت نفسها كأمر واقع منها محاولة دمشق ربط نزاعها الداخلي بالنزاع الإقليمي – الدولي المحتدم في المنطقة.

وهذا ما أشار اليه وليد المعلم في كلمته أمام الجمعيّة العامة في نيويورك عندما أكد أن النظام لا يقمع الإنتفاضة، ولكنه يواجه مجتمعا دوليّا قرر التدخل في شؤون سوريا الداخليّة بواسط "المسلحين" لإسقاط النظام. كما يأخذ النقاش الدائر داخل مواقع القرار في الإدارة الأميركيّة نواة قيام تحالف إقليمي – دولي جديد قوامه سوريا وإيران وروسيا في مواجهة تركيا والولايات المتحدة وحلف الناتو، عنوانه منع تركيب شبكة رادار متطوّرة للإنذار المبكّر ضد الصواريخ في تركيا مع نهاية هذا العام، فيما مضمونه إقتصادي – إستراتيجي ينطلق من الصراع الخفي على تقاسم النفوذ حول الثروة النفطيّة في المتوسط بحيث لا تبقى حكرا على إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة، والحدّ من هجمة حلف الناتو على دول المنطقة بحيث تكون الحدود الليبيّة هي آخر حدود نفوذه في المتوسط، والشرق الأوسط، وعدم تمدده بإتجاه سوريا مهما كانت الذرائع التي تستخدمها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لإستصدار قرار عن مجلس الأمن الدولي ضدّ النظام السوري تحت الفصل السابع الذي يجيز إستخدام القوّة، والعودة الإيرانيّة – السورية – الروسيّة بقوّة الى الداخل العراقي، في حال قررت الإدارة الأميركيّة بقاء جنودها وعدم سحبهم من العراق نهاية هذا العام…

ويبقى هناك الكثير من المستجدات التي تتفاعل، وتجعل الإهتمام الدولي بالإنتفاضات العربيّة يتراجع نسبيّا. 

السابق
البناء: لجنة المؤشر أقرّت المبدأ… وتصحيح الأجور خلال أسبوعين
التالي
صدفة يمنية