صمتُ جنبلاط المدوّي

يكاد يكون صمت النائب وليد جنبلاط معبّراً ومدوّياً أكثر من كلامه، إذ يحمل في طيّاته تعبيراً عن خطورة ودقّة اللحظة الداخلية، في الوقت الذي تتزايد فيه تعقيدات المشهد الإقليمي، والتي باتت تشكّل محور الخطاب الجنبلاطي، الذي انغمس أخيراً في تطورات الساحة العربية عبر تنقّله بين عواصم القرار العربية والإقليمية والغربية.

وبحسب قريبين من البيت الدرزي الداخلي، فإنّ غياب التعليقات الجنبلاطية على ملفّات الداخل السياسية والأمنية والاقتصادية، انسحب على كافّة القيادات الحزبية ونواب الحزب التقدمي الإشتراكي، كما الوزراء، وأسباب هذا التعميم الحفاظ على الحياد، وسط الاصطفافات السياسية الحادّة بانتظار بلورة صورة الوضع الداخلي، ورسم التحالفات السياسية بشكل نهائي عشية التحضير لقانون جديد للانتخابات النيابية. وفي هذه الأثناء يبدو النائب جنبلاط أمام ثلاثة احتمالات في خريطة التحالفات المرتقبة داخليّاً، فهو قد يبقى في موقع الوسطية التي يجاهر بها على الدوام، وتحديداً منذ انقلابه على قوى 14 آذار، أو قد يعود إلى صفوف المعارضة الحاليّة، أو قد يتمركز في موقع جديد يحافظ فيه على استقلاليته، مع نسج علاقات تنسيق مع تيار "المستقبل" وشخصيات سياسية مستقلة.

وفي هذا السياق ينقل المقرّبون عن جنبلاط استياءه من حلفائه في الأكثرية، وخصوصاً من الهجوم الذي تعرّض له في إحدى مقدّمات نشرات الأخبار على قناة "المنار"، والتي حملت رسائل سياسية مباشرة ضدّه، كما أنه منزعج من تجاهله من قبل أركان الأكثرية لدى مناقشتهم قانون الانتخاب ، وأنّه لم يحظَ بتأييد البطريرك بشارة الراعي في طرحه حول الحفاظ على تمثيل الأقلّيات في القانون الجديد، علماً أنّه وعده عندما زاره في الصرح البطريركي الصيفي في الديمان بدعم مشروع القضاء، لكنّه لاحقاً عدّل مواقفه إزاء التقسيمات الانتخابية.

وبالتالي فإنّ بقاء جنبلاط على مسافة واضحة من حلفائه، لا يعني بالضرورة فتح خطوط التواصل مع قوى 14 آذار، ولكن ذلك لا يعني عدم حصول مشاورات مع القوّات اللبنانية، كما مع تيار "المستقبل"، ولكن من دون أيّ اتّصال مباشر مع الدكتور سمير جعجع، على الرغم من لقاء النائب جنبلاط مع الرئيس سعد الحريري في باريس منذ مدّة. وتوقّع المقرّبون حصول لقاء جديد مع الحريري في فرنسا انطلاقاً من نقاط الالتقاء بينهما على تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، كما أكّدوا أنّ درجة التنسيق مع الحريري تتوقّف على موقف "حزب الله" الذي ما زال يهادن جنبلاط، ولسبب وحيد، هو عدم كسر معادلة الداخل وإجراء تبديل في الأقلّية والأكثرية النيابيتين، نظراً لانعكاس ذلك بشكل سلبيّ على الحكومة الحاليّة، والذي قد يهدّدها بالسقوط. فالحاجة لدى الأكثرية إلى بقاء جنبلاط في صفوفها تتفوّق على رغبتها في الانقلاب عليه نظراً لانعدام الثقة بالسيطرة على مواقفه، والدليل تجميد اللقاءات بين كوادر الطرفين في الآونة الأخيرة.

 
وبموازاة ذلك، وعلى المستوى الدرزي، فقد عمد جنبلاط إلى تسوية الخلاف الناشئ حول مجلس الأوقاف الدرزية مع القيادات الدرزية، وجرى حلّ الخلاف في اجتماع كليمنصو الذي ضمّ إلى جنبلاط الوزيرين غازي العريضي ومروان خير الدين والنائب طلال إرسلان على حد قول المقرّبين أيضاً، الذين كشفوا عن عشاء قريب في دارة إرسلان تستكمل فيه المشاورات حول مسائل متعلّقة بالطائفة، وأبرزها التعيينات الإدارية ولا سيّما منها تعيين محافظ جديد للجنوب.

وأضاف المقرّبون، أنّ الهدف الأساسي من اعتكاف جنبلاط عن الكلام السياسي هو التركيز سرّاً على قانون الانتخاب، وعلى الضغط للوصول إلى قانون يلائمه، وبأنّه يرغب بأن يأخذ حلفاؤه بهواجسه الانتخابية، خاصة وأنّه يرهن بقاءه في موقعه وتحالفاته الحالية بهذا القانون.

وخلاصة هذه المعطيات أنّ النائب جنبلاط يقف على مسافة واحدة من القوى السياسية الداخلية، كما يعيد حساباته الإقليميّة انطلاقاً من اقترابه إلى تركيا أكثر من سوريا أخيراً، إضافة إلى إشادته بالإصلاحات السعودية، ولكن من دون النجاح في زيارة المملكة.

وفي الوقت نفسه فهو لم يقطع خطوط التواصل مع دمشق، على الرغم من ضبابية الأجواء الإقليمية، وذلك للحفاظ على موقع وسطي يسمح له بالانتقال بسرعة إلى أيّ موقع آخر، وذلك بحسب التطورات في المنطقة. 

السابق
الحياة: سليمان.. تحدي اسرائيل بيان الرباعية ضربة للسلام وقانون الانتخاب الحالي انتهت فعاليته
التالي
يعود ··· والعود أحمد؟