نقطة اللارجوع في تمويل المحكمة

بات من الصعب بالنسبة الى لبنان الرسمي وفق مصادر ديبلوماسية اجنبية معتمدة في بيروت ان تنأى الحكومة بنفسها عن تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان انطلاقاً من ان نقطة الارتكاز الوحيدة التي بدت بارزة في زيارة كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى نيويورك هي التزام القرارات الدولية وجوهرها موضوع المحكمة. فهذه التأكيدات التي أتت على خلفية تزخيم الحضور الدولي للبنان في مناسبة رئاسته الدورية لمجلس الأمن باتت تحشر رئيس الحكومة بشكل خاص باعتبار ان البديل من عدم تمويل الحكومة هو ان يضطر الرئيس ميقاتي الى الاستقالة في حال اتفق افرقاء قوى 8 آذار على موقف رافض لتمويل المحكمة وفق ما أعلن تكراراً رئيس "التيار الوطني الحر" العماد ميشال عون، في حين يستمر حليفه "حزب الله" ملتزماً الصمت الكلي حول هذا الموضوع تاركاً المجال أمام تكهنات سياسية عدة.

ذلك ان الرئيس ميقاتي ذهب بعيداً في تأكيد التزامه على هذا الصعيد واعلن موقفه الملتزم تمويل المحكمة في باريس وكرره أمام مجلس الامن بحيث يصعب ان يكون موقفه ازاء رفض القوى المشاركة في الحكومة اقل من الاستقالة . كما ان اللقاء الذي جمع الرئيس ميقاتي مع وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة قبل ايام قليلة أسفر عن اعتبارها موضوع تمويل المحكمة من الحكومة اللبنانية أمراً مفروغاً منه ومسلماً به وفق ما نقلت مصادر ديبلوماسية اتيح لها معرفة ما حصل في اللقاء الذي كان "ودياً وصريحاً" وحمل موقفاً قاسياً من سوريا الى جانب تأكيد عمل الولايات المتحدة على تجنيب لبنان اثار العقوبات المفروضة على سوريا خصوصاً في ما يتصل بقطاعه المصرفي على ان يلتزم لبنان ان يكون أقل انحيازاً الى سوريا.  
وتتضافر مجموعة معطيات لدى مصادر ديبلوماسية عدة تفيد بان "حزب الله" ليس في وارد ان يعارض تمويل المحكمة او يمنع ذلك من دون ان يعني ذلك عدم اعتراضه او المجاهرة بموافقته. وبحسب هذه المصادر فان اداءه على هذا الصعيد سيكون على غير ما يقوم بذلك زعيم "التيار الوطني الحر" العماد ميشال عون الذي طالب الرئيس ميقاتي بأن يقوم بتمويل المحكمة من أمواله الخاصة علماً ان مراقبين كثراً يرون ان هذه المواقف تصب في خانة دعم الرئيس ميقاتي وليس انتقاده بمعنى تعزيز موقعه في مقابل زعامة الرئيس سعد الحريري لطائفته خصوصا ان رئيس الحكومة سيذهب الى تمويل المحكمة على رغم هذه المعارضة من عون واتفاقه مع الحزب في هذا الاطار هو الاساس .

وبحسب بعض هذه المصادر ممن يلتقي بعضها مع مسؤولين في الحزب فان هذا الاخير سيسهل تمويل المحكمة ولن يضع عراقيل في وجهها تاركا الباب مفتوحا لاحتمال معارضة التمديد للمحكمة في اذار المقبل على رغم انه قرار يعود للامين العام للامم المتحدة بان كي مون مع استشارة الحكومة اللبنانية . وتقول مصادر ديبلوماسية اخرى ان " حزب الله" لن يعارض هذه المسألة على رغم موقفه المعروف من المحكمة ، وقد تنبهت هذه المصادر لموضوع الشعار الذي رفعه الرئيس ميقاتي في نيويورك ومفاده ان عدم تمويل المحكمة يخدم اسرائيل في ما قد يساعد على التمهيد لمخرج الموافقة الضمنية او عدم معارضة الحزب التمويل او رفض تأمينه .

اي ان هذا المخرج وسواه من الكلام المماثل قد يتم تسويقه في المرحلة المسقبلية القريبة من اجل عدم احراج الحزب امام جمهوره. وترى هذه المصادر ان موضوع المحكمة وتمويلها بات من الأمور الثانوية بالنسبة الى الحزب لعدم رغبته في ان تتعرض الحكومة لأي تشويش بما يهدّد مصيرها او قدرتها على الاستمرار. إذ ان سيطرته على الدولة وقرارها ومفاصلها الرئيسية وفق ما تقول هذه المصادر يعتبر أمراً أهم بكثير بالنسبة اليه من المحكمة أيّاً تكن الاتهامات التي تلحق بعناصر منه خصوصاً انه قال كلمته لجهة عدم امكان الوصول الى هذه العناصرمن أي جهة محلية او دولية.

وهو سيسعى بكل قوته للمحافظة على مكتسباته في السلطة وعدم تضييعها اذا أمكنه ذلك ومن ضمن هذا الاطار عدم ممانعته تمويل المحكمة خصوصاً اذا امكنه المحافظة على هذه المكتسبات وتعزيزها من دون ان تهتز حتى تركيزها وفق ما يسعى في الانتخابات النيابية المقبلة في سنة 2013. وبحسب هذه المصادر فان موضوع التمويل سيحاول الحزب توظيفه سياسياً في مرحلة لاحقة بما يصب في مصلحته او خانة اشاعة انه يتصرف بمنطق الدولة من خلال سيطرته على قرار الدولة اللبنانية وليس بمنطق الميليشيا او التنظيم الحزبي الطائفي في اطار تذليل الاعتراضات الدولية على وضع يده على سلطة القرار. فالحزب ووفق هذه المصادر لا يسقط من اعتباراته احتمال انتهاء النظام السوري الحالي والتداعيات المحتملة عليه في شكل خاص بمعنى انه قد يكون يعد العدّة لتحوله الحزب السياسي الأقوى وتحضير نفسه لذلك مع ما يعنيه ذلك من احتمالات تطاول سلاحه. 

السابق
الجمهورية: موسكو تتمسّك بمشروعها لحلّ سياسي في سوريا وبرّي إلى إيران فأرمينيا والراعي إلى واشنطن
التالي
المثقّف والجماهير