رجال دولة..

تفتخر الدول برجالات متميّزين من أبنائها ومشغّلي آلاتها، فيما هؤلاء الأفذاذ يُكرَّمون من خلال دمغ أسمائهم بصفة "رجال دولة". ويكون ذلك اختصاراً جليلاً لمكرمات كثيرة فيهم، منها نظافة الكف والضمير المهني وإيثار المصلحة الوطنية العامّة على المصلحة الشخصية الخاصّة.. عدا الشفافية في موضعها، وهذه بمعنى ما، رديف حداثي لمفردة الصدق الخالدة.
وتفتخر الجمهورية، التي تشلّعت وتخرّبت وتدمّرت واهترت على مرّ السنوات الماضية، تفتخر إلى اليوم بأسماء كبيرة رافقت عزّها ورفعتها وعلو كعبها وأحاديتها السلطوية المطلقة في كل شأن يخصّ رعيّتها، من الأمن إلى القضاء وما بينهما من شؤون وشجون لا تقوم دول من دونها.

.. ومن بين تلك الأسماء التي عَبَرَ أصحابها فوق آثام ونقائص كبيرة وخطيرة، فؤاد شهاب وريمون إده ورفيق الحريري ورشيد كرامي وغيرهم الكثير من رعيل ماسيّ حاول المستحيل لتحطيم المزرعة وبناء الدولة، فنجح قليلاً وأُحبط كثيراً.
غير أنّه، والحق الحق يُقال، لم يسبق أن ترافق وتزامل انهيار بناء الدولة بفعل ما أصابها وأصاب الجمهورية من حروب وضروب ضروس وكبيرة الشأن والتأثير، مع انهيار مماثل في أداء بعض وجوهها ورموزها وأساطينها. ومع إحالة "تراث" الكذب السياسي المألوف من خانة فيها شيء من الفكاهة إلى هذا القدر من الثِقَل والسماكة والزناخة!

ولم يسبق أن جرى تصدير ذلك الأداء المخجل إلى الخارج، واعتباره جزءاً من المنتوج الوطني، ومن قِبَل بعض مَن يُفترض بهم أن يكونوا رجال دولة قبل أي شيء آخر.. أي قبل أن يكونوا "طرابيش" معتدّة بدورها التزويقي والتزييني، أو "برافانات" تغطي وتستر عن سابق "وعي وتصميم" أكيدين مشاريع أكبر منهم ومن لبنان، بل مدمّرة لهذا البلد وكل مقوّماته.
.. أي أيّام هذه؟ وأي دولة تُحطَّم مصداقيتها بهذا الشكل؟ وأي مشروع هو ذاك الذي لا "يعوّف" شيئاً من أجل أهدافه، وفي مقدمها إحالة كل مكرمة وطنية كبيرة أم صغيرة، إلى حطام، وكل مؤسسة أياً كان نوعها إلى التباس أكيد لا يُعرَف أوّله من آخره.. وكل مذمّة أخلاقية إلى فضيلة يعلّقها البعض فوق صدره ولا يخجل!

  

السابق
المحكمة وإعفاء الإيرانيين من التأشيرات بين الحريري وميقاتي
التالي
أوسمة السلام لجنود القوة الإيرلندية