السقوط في الامتحان

الفتوحات الدبلوماسية اللبنانية الاخيرة في الامم المتحدة كانت أشبه بنشاط أكاديمي أو حتى اجتماعي ليس له مبرر أو سند على أرض الواقع. لا يمكن أحداً أن يزعم أن السباق الذي خاضه المسؤولون اللبنانيون على الطيران الى نيويورك والظهور في جلسات الجمعية العامة ومجلس الامن وترؤس بعضها، كان له أي مردود سياسي، ولا الاجتماعات الجانبية كان لها أي أثر إيجابي.. مع انها سلطت الضوء على سلسلة من التحولات في الداخل اللبناني، وطريقة التعاطي الدولي معها.

خارج هذا السياق، يقع الإسهام اللبناني في تشجيع وتحريك طلب قبول عضوية دولة فلسطين الكاملة في الامم المتحدة، على الرغم من أن لبنان كان يميل ضمنا نحو التوجه في البداية الى الجمعية العامة والحصول من دون عناء يذكر على مرتبة الدولة الفلسطينية المراقبة والاستفادة من مزايا مثل هذه الصفة، لا سيما الانضمام الى جميع المؤسسات والوكالات التابعة للمنظمة الدولية، والتوقيع على جميع المعاهدات الدولية، لا سيما منها محكمة العدل ومعاهدة حماية المدنيين تحت الاحتلال وحصانة الدبلوماسيين.. على ان يتم التقدم في مرحلة لاحقة نحو مجلس الأمن لاختبار الفيتو الاميركي والجهد الدولي لإحياء مفاوضات التسوية.

عدا ذلك، فإن الحضور الرسمي اللبناني في قاعات الامم المتحدة وأروقتها وغرفها الجانبية والذي فاق حضور الدول الخمس الكبرى، لم يخدم أي غرض لبناني أو عربي أو عالمي، لا سيما عندما ترأس الرئيسان ميشال سليمان ونجيب ميقاتي جلستين لمجلس الامن في أقل من أسبوع غاب عنهما أي من رؤساء الدول أو الحكومات، واحدة مخصصة لما يسمى بالدبلوماسية الوقائية وكانت جلسة نظرية، وثانية للوضع في الشرق الاوسط تفادت بحث العنوان الاهم وهو طلب العضوية الفلسطيني. 
رحلة العلاقات العامة التي قام بها الرئيسان سليمان وميقاتي ومعهما وزير الخارجية عدنان منصور، لم تكن أكثر من مضيعة للوقت والجهد، خصوصا أنها تجنبت النقاش حول القرارات الدولية التي استدرجها اللبنانيون في السنوات السبع الماضية، والتي لا تزال عالقة على خطوط التماس اللبنانية الداخلية، مع ان بعضها أو على الاقل أولها أي القرار 1559 يمكن ان يسحب من التداول بعدما نفذ بالكامل ولم يعد يستدعي صدور تقارير دورية عن الهيئة الدولية، كما ان آخرها أي القرار 1701 يمكن أن يصنف كخلاصة لجميع القرارات السابقة. لم يذهب لبنان الرسمي الى نيويورك، لا من أجل فتح هذا النقاش ولا من أجل تفاديه في الغرف المغلقة، ما وضعه في قفص الاتهام أكثر من مرة بأنه يخرق الشرعية الدولية.

ثمة ما هو أهم من تلك الملاحظة على الأداء اللبناني في الامم المتحدة، فقد كان السباق الرئاسي مؤشرا إضافيا الى الموقع الرسمي الذي يعتبره المجتمع الدولي مؤثرا وجديا ومؤهلا للبحث في التزامات لبنان وعلاقاته الخارجية، لا سيما تفاعله على الازمة السورية. والتفهم الذي أبداه الاميركيون والاوروبيون لوضع لبنان الحرج في هذا السياق لم يكن عبثا، كما انه لا يدعو الى الاطمئنان الى ان الحياد المفترض إزاء ما يجري في سوريا والناجم عن انقسام عميق في المجتمع اللبناني سيصمد طويلا. 

السابق
حزب الله دان الاجراءات القمعية بحق المواطنين في البحرين
التالي
القوى الايطالية تسلم 4 شاحنات نفايات لـ4 بلديات في قضاء صور