الانقلاب: البطرك بعد الأمير والسلطان؟

أثار لدي الخطأ التقني الذي جرى في القمة الروحية بدار الفتوى، ونقل كلام البطريرك بشارة الراعي على إذاعة "القرآن الكريم" وفيه إفصاح عن رغبته بنزع سلاح "حزب الله"، أثار لديّ السؤال التالي: هل يمكن أن ينال بطريرك الموارنة في لبنان وسائر المشرق ما نال أمير دولة قطر ومحطة الجزيرة الفضائية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان؟
الجواب سيظهر قريبا. لكن بالطبع أظهر الخطأ الإذاعي ان البطريرك بشارة الراعي مقتنع بضرورة معالجة سلاح حزب الله وانه طالب الفرنسيين بنزع الذرائع لوجوده دوليا، والمهم ان الراعي بدا امام اقرانه من رجال الدين المسيحيين والمسلمين، وهو يخاطبهم وكأنهم جميعا يخالفون ما ذهب اليه من قول في بلاد "الام الحنون".

ليس المقصود من السؤال او التساؤل الآنف الانتقاص من مواقف الراعي او من صدقيتها. التساؤل مرده الى البهجة او الترحيب المبالغ به الذي غالبا ما ينقلب الى نبذ مبالغ به عند اي منعطف سياسي.
فقطر التي لم تنفِ يوما أن على اراضيها تجثم "سيسيليا"، اكبر قواعد القوات الأميركية العسكرية في الخليج، ولم يظهر اي مسؤول فيها تنصلا من العلاقات مع العدو الاسرائيلي، لم يمنع كل ذلك من ان تتلى القصائد وترفع اقواس النصر على امتداد الجنوب ترحيبا باميرها وان يتنافس نواب الجنوب ورموزه في السلطة على كيل المديح بين يدي الامير.

طبعا كان ذلك عربون شكر على مساهمة قطر في اعمار الجنوب، ولكن ما لبث ان انقلب الحال ليتحول الامير ودولته الى عدوّ شرّير… كلّ ذلك بسبب الموقف القطري من الثورة السورية. وهو ما ساهم بسرعة البرق الى تحول محطة الجزيرة المقاومة الى "خنزيرة" بعدما كانت "قناة المقاومة. وبدأ التسابق على نزع اللوحات التي كان جرى الاحتفاء بوضع كل منها تكريما للمساهمة القطرية في بناء المراكز الدينية في الجنوب. بالتأكيد من دون ان تصل النخوة والاعتداد بالكرامة الى حد المطالبة باعادة قيمة المساهمة القطرية الى اصحابها كتعبير صادق عن الصدمة والخيبة!
 
الى المشهد القطري في جبل عامل، ثمة مشهد مماثل ل"الطيب" الطيب اردوغان، فرئيس وزراء تركيا ليس افضل حالا في بلاد المقاومة والتحرير… وما ناله من وصف وتبجيل بعد موقعة "اسطول الحرية" لفك الحصار عن غزة قبل عامين، عاد وتحول بسرعة البرق الى "نموذج عثماني مقيت"، حتى قيل إنّ رجاله يكرهون العرب ويستبيحون اعراض اللاجئين السوريين في تركيا، على ما يردد البعض ممن اعلى من شأن الدور التركي ومنظومة الهلال الشيعي، تلك التي أدخلت فيها تركيا عنوة وتحت تأثير المشاعر المنفلتة.

نتمنى بصدق الا ينال الراعي ما نال قطر وتركيا، التمني هدفه ضبط المشاعر في البيئة السياسية الشيعية وعدم رسم السياسات على ايقاع رد الفعل. لأن من دلالات هذه السياسات هوالمزيد من تحول الشيعية السياسية الى مشروع اكثر تخلفا من المارونية السياسية. فجاذبية هذا المشروع او مؤشراته مفتقدة، ويكتسب حضوره بقوة النبذ والخوف والانتهازية وليست الطوعية معيار الترحيب المحدود بها اسوة بالعديد من الانظمة العربية القائمة بقوة السلطة المالية والامنية. وصار جليا، من خلال ما اظهرته وثائق ويكيليكس، استحالة ان تجد طرفا سياسيا لبنانيا يبدي تقبلا او رضى عن المنظومة التي تتربع على رأس هذا المشروع وتقوده، ان لم نقل اكثر من ذلك… والحقيقة هناك.

في المشهد الاخير، الفاضح لأزمة هذا المشروع السياسي، إنكشاف للعلاقة العضوية والمشبوهة مع البنية الامنية والسياسية والثقافية للنظام السوري. بحيث باتت اسيرة الدفاع عن الاستبداد والانزواء في كهف المخاوف الاقلوية. وكما ان تاريخ المقاومة لدى البعض يبدأ حين ولد حزب الله سياسيا، ثمة انزياح لهذه العقلية الى القول ان العلاقة اللبنانية السورية بدأت مع نظام آل الاسد فقط. وهذا ما يفسر وجود عشرات الانصاب والمراكز والشوارع في بلادنا المسماة باسم "الاسد".
كأن لا يوجد في سورية سوى الاسد مما يعتز به ويستحق الثناء. لا مفكر ولا شاعر ولا عالم ولا سياسي حكيم ولا شعب ولا نموذج يحتذى غير الاسد! وثمة من يعتقد ان هذه العقلية وهذا النموذج ليسا قابلين للاستمرار بغير تأبيد الخواء السياسي والفكري والاجتماعي. خواء يعبر عن نفسه في ازدراء المنتفضين من كرام السوريين على سلطة الاستبداد، وفي التزاحم الفارغ على استقبال البطريرك الراعي بحثا عن صورة مع "إمام البطاركة"، صورة لن تلبث ان تقلب على عاقبتها كما اصاب صورتي الامير والسلطان. 

السابق
مواقف مربكة!!
التالي
البناء: علامات استفهام حول لقاءات جنبلاط ومواقفه الأخيرة!