يلوحون للسلام

 1- سيء نموذجي
الميل هو الى اعتقاد ان سنة "تشعاف" (في التقويم العبري) تلاقي الاسرائيلي في مزاج سوداوي على نحو خاص. لكنه تبين لنا في استطلاعات سابقة للرأي ايضا جمهور مليء بالمخاوف والقلق، ودولة سحقت الأحداث المكثفة وأخمدت ايمانها، لكنه يبدو هذه السنة ان شيئا كهذا غير موجود؛ وأن هذه الروح الكئيبة ربما سادت هنا في فترة العمليات التفجيرية في منتصف التسعينيات. وأننا في فترة عدم ايمان وعدم تأميل انه يمكن حدوث شيء حسن هنا في السنة القريبة. هذه فترة جمود سياسي، وعزلة دولية وثورات في الدول المجاورة نهايتها غير معروفة.
وربما كانت خطبتا نتنياهو وأبو مازن في الامم المتحدة قبل أقل من اسبوع هما اللتان أحدثتا انطباع ان الجمهور الاسرائيلي كئيب وبلا أمل. أو الحاصل العام من أحداث السنة التي تركت أثرها فينا: الحريق في الكرمل، وتأثيم قصاب، وقضية هرباز وتعيين رئيس هيئة الاركان، واضرابات الاطباء الطويلة، والعنف الطاغي، واحتجاجات الصيف الطويلة وتوجه الفلسطينيين الى الامم المتحدة لاعتراف بدولتهم من طرف واحد، وعشرات القضايا الاخرى التي شغلت الانتباه العام. في كل دولة عادية، يتم تقسيم هذه الأحداث الحاسمة على سنين طويلة. فالدراما تأتي بأقساط منجمة مقدرة. وهنا فقط يخيل إلينا ان كل سنة هي مائة سنة.
اعتقدنا انه لا يحتاج الى استطلاع المزاج العام لنعلم ان شيئا ما هنا اختل تماما. حاولوا أن تتذكروا كم مرة سألتم أو سمعتم هذه السنة سؤال: ماذا سيكون اذا؟ وكم مرة سمعتم التنهدة المحددة جدا التي تعبر عن قلق وعدم يقين وخوف حقيقي على مكاننا واستمرار وجودنا هنا؟.
لكن هذا غير موجود. اذا كان هذا ما تشعرون به فانكم تنتمون كما يبدو الى مجموعة قليلة مكتئبة ولن نقول متباكية. فمزاجكم العام الفاسد تتحملون المسؤولية عنه وحدكم، ومن المعقول ان نفترض انكم تعيشون في فقاعة، وإلا فكيف يمكن ان نفسر نتائج استطلاع للرأي أجرته الدكتورة مينا تسيمح في يومي الاحد والاثنين على عينة ممثلة من السكان اليهود في اسرائيل. يبين استطلاع الرأي ان الجمهور الاسرائيلي في مزاج عام حسن بل حسن جدا. فـ 88 في المائة من الجمهور عامة يزعمون ان مزاجهم العام جيد كثيرا وجيد بل جيد جدا. ويتبين ايضا ان 88 في المائة من السكان اليهود يرون اسرائيل مكانا يطيب العيش فيه. بل توجد نسبة لا يستهان بها تبلغ 41 في المائة يعتقدون انها ستكون في المستقبل مكانا أفضل كثيرا.
ان ما يدهش هو أننا حينما نرى باقي معطيات الاستطلاع، لا نفهم من أين جاء هذا المزاج العام. كيف ينجح شعب فقد كل أمل في السلام أن يحافظ على روح معنوية مرتفعة. ولن نروي هنا مرة اخرى الطرفة المبتذلة عن الولد صاحب الشهادة السيئة والدرجة الممتازة في الانشاد. لانه يتبين أننا نستطيع ان نتلقى ضربة بعد اخرى ثم لا نكف عن الانشاد. لان استطلاع الرأي يبين مع كل هذه الروح المعنوية الجيدة ان 66 في المائة من الجمهور اليهودي عامة لا يؤمنون بأنه سيكون سلام مع الفلسطينيين أبدا.
من المؤكد ان هذا معطى صارخ. يصعب على الدكتورة تسيمح ان تتذكر استطلاعا للرأي أجرته، لم تؤمن فيه نسبة مرتفعة هذا الارتفاع بامكانية سلام حتى فيما يُستقبل. وهناك معطى آخر ترى تسيمح انه يجب ان يقلق وان يفاجيء وهو نسبة الناس الذين يعتقدون ان دولة اسرائيل على خطر وجودي: فقد اعترف 45 في المائة من جملة المستطلعة آراؤهم بأن لديهم مخاوف على استمرار وجودنا. وبعبارة اخرى نقول ان نصف الجمهور اليهودي عامة تقريبا يعيش مع شعور بتهديد وجودي، ولا يؤمن بأنه سيكون هنا سلام أبدا – ومع كل ذلك وضعه جيد. بالمناسبة نقول ليس صعبا ان نتبين من أين يأتي عدم الايمان هذا بالسلام، ان كل شيء يبدأ من الرأس كما هي الحال دائما. فـ 67 في المائة من المستطلعة آراؤهم يعتقدون ان رئيس الحكومة نفسه لا يؤمن بأنه سيكون من الممكن التوصل الى اتفاق سلام مع الفلسطينيين. وكذلك قمعت خطبتا الزعيمين، الاسرائيلي والفلسطيني كل أمل اذا كان موجودا أصلا: فقد قال ثلثا المستطلعة آراؤهم تقريبا ان الخطبتين عززتا آراءهم في أنه لا احتمال لسلام بين الشعبين.
لا يعني هذا ان الجمهور اليهودي في اسرائيل لم يحب خطبة نتنياهو، بالعكس. فقد نجحت خطبته العديمة الأمل بالتأثير في 76 في المائة منحوها درجة "جيدة كثيرا" أو "جيدة جدا". واعتقد 5 في المائة فقط من جملة الجمهور اليهودي انها كانت "غير جيدة كثيرا"، واعتقد 3 في المائة فقط انها كانت "غير جيدة جدا".
فما العجب من ان يمضي الجمهور الى اليمين. ان مواقفه تتطرف مرة اخرى. يبدو ان نتنياهو كان على حق حينما قال في خطبته انه يمثل أكثر الشعب في اسرائيل. فمن الحقائق ان أكثر من نصف الجمهور اليهودي أجاب بـ "لا" عن سؤال هل يجب على اسرائيل أو لا يجب، ان تنسحب الى حدود 1967 مع الحفاظ على الكتل الاستيطانية الكبيرة، مقابل اتفاق سلام: لا يجب على اسرائيل ان توافق. يتبين ان اتفاق السلام لم يعد سببا جيدا بقدر كاف من وجهة نظر أكثر من نصف الجمهور الاسرائيلي، لانهاء الاحتلال والخروج من المناطق حتى لو ضُمن لهم ان تظل الكتل الكبيرة في سيادة اسرائيل.
وليس هذا كل شيء: فأكثر من نصف الجمهور اليهودي ايضا لا يوافق على تسوية في القدس، تُنقل الأحياء العربية بحسبها الى سيادة فلسطينية وتبقى الأحياء اليهودية في سيادة يهودية.
2- نصف الجيب المليء
والنتائج مفاجئة في المجال الاقتصادي ايضا: فقلة فقط – وإن تكن كبيرة (25 في المائة) – قالوا ان وضعهم الاقتصادي غير جيد. أما أكثر الجمهور، أي 61 في المائة فيعتقدون ان وضعهم الاقتصادي جيد كثيرا، ويقول 13 في المائة آخرون ان وضعهم جيد جدا. يبدو ان الذين خرجوا الى الشوارع هذا الصيف هم الذين يعتقدون ان وضعهم جيد كثيرا. وحينما سُئل الذين أُجريت معهم المقابلات عن التغييرات التي طرأت على وضعهم الاقتصادي في السنة الماضية، وُجد توازن بين اولئك الذين يقولون ان وضعهم تحسن (19 في المائة)، واولئك الذين يقولون ان وضعهم ساء (22 في المائة). لكن المستقبل كالعادة وردي: فثلث الجمهور اليهودي يؤمنون ان وضعهم الاقتصادي سيتحسن، ويعتقد 10 في المائة فقط ان وضعهم سيسوء.
منح احتجاج الخيام الاسرائيليين أملا. فنصف المستطلعة آراؤهم، أي 49 في المائة، يعتقدون ان سياسة الحكومة الاقتصادية الاجتماعية بعد الاحتجاج ستجيب على نحو أفضل عن حاجات الطبقة الوسطى مما أجابت حتى اليوم. ويعتقد 42 في المائة انها ستستجيب أكثر لحاجات الطبقات الضعيفة (ينبغي ان نذكر ان الاستطلاع أُجري قبل نشر تقرير لجنة تريختنبرغ).
ان التقديرات المتعلقة بالوضع الامني معقولة بيقين. يقول 41 في المائة في الحقيقة ان وضعنا الامني غير جيد، لكن 59 في المائة يقدرون حتى الآن وضعنا بأنه جيد الى جيد جدا. ومع ذلك يشير الاستطلاع ايضا الى اتجاه سلبي في تقدير الوضع الامني لدولة اسرائيل: فـ 26 في المائة يعتقدون ان الوضع اليوم أقل حسنا مما كان في السنة الماضية، ويعتقد 24 في المائة انه سيسوء أكثر.
واذا بحثنا عن علامات على عدم وجود أمل، أمكن ان نجدها ايضا في سؤال تناول احتمالات اطلاق سراح جلعاد شليط القريب: فنصف الجمهور الاسرائيلي لا يؤمن بأن الجندي المخطوف سيعود الى بيته خلال السنة القريبة.
3- الوزير الرائع
طلبنا الى المستطلعة آراؤهم ان يقدروا أداء الوزراء الاربعة الكبار في الحكومة. يجب ان نقول ان الدرجات متوسطة كثيرا. فأكثر من نصف المستطلعة آراؤهم بقليل (54 في المائة) يمنحون رئيس الحكومة درجة جيد أو جيد جدا. و45 في المائة يعطون هاتين الدرجتين لوزير الخارجية ليبرمان، و37 في المائة لوزير المالية شتاينيتس ووزير الدفاع باراك. حينما يكون أكثر من نصف المستطلعة آراؤهم بقليل راضين عن أداء رئيس الحكومة – حتى بعد خطبة اعتبرها أكثر الجمهور خطبة جيدة – فليست هذه درجة عالية، بيقين. وحينما يعتقد 37 في المائة فقط من الجمهور ان وزير الدفاع يؤدي عمله على نحو جيد فليست هذه بشرى خير.
سألت مينا تسيمح: اذا كان الوضع سيئا الى هذه الدرجة فلماذا هم فرحون جميعا؟
"المزاج العام الشخصي للناس ينبع في الأساس من عوامل متصلة بحياتهم الشخصية لا بالدولة"، تُفسر. "الناس منطوون على أنفسهم. ونحن نفرق تفريقا واضحا، باعتبار ذلك نظام دفاع، بين حياتنا الشخصية وما يحدث في الدولة. نحن على علم تام بما يحدث هنا لكننا لا ندعه يؤثر فينا وإلا ما استطعنا العيش هنا. وربما ينبع المزاج العام الجيد من ان المواطن الاسرائيلي ينظر الى دول اخرى حوله. وعندما يجري موازنة تبدو الامور أقل فظاعة".
وقد يكون الجواب في مكان آخر تماما، ويثير للنقاش موضوعا مؤلما نمتنع عن نقاشه وهو: هل الشعب في اسرائيل يريد السلام حقا أم أن هذا السلام ربما يكون اسطورة نحملها معنا وتلاشت منذ زمن في الواقع. ربما يكون هذا شعارا يصعب علينا ان ننفصل عنه لكنه تحول منذ زمن الى عبارة جوفاء اخرى: الشعب يريد سلاما. لانه ما السيء عندنا في الحقيقة؟ الوضع الامني معقول بيقين، وعدد الحوادث الامنية في الحد الأدنى، وكذلك ايضا عدد المصابين من جنود الجيش الاسرائيلي. تسقط بين الفينة والاخرى صواريخ على سدروت وعسقلان بل على بئر السبع، لكن المدن تضج بالحياة، والمطاعم في تل ابيب مليئة، والوضع الاقتصادي محتمل قياسا بدول اخرى ومنها دول غربية، وعندنا الآن ايضا تريختنبرغ الأعلى الذي سيهتم بنا. ان عددا أكبر من الناس اهتموا برؤية نهائي سيد الطُهاة من أن يروا خطبتي نتنياهو وأبو مازن في الامم المتحدة، فهذا ببساطة لا يثير الاهتمام في الحقيقة. وها هم اولئك الشباب خرجوا جموعا الى الشوارع لا بسبب الاحتلال ولا طالبين السير في مسيرة سياسية. خرجوا الى الشوارع بسبب وضع جيوبهم.
ربما لا يكون الجمهور الاسرائيلي اذا عديم الأمل. ربما لا يهمه ببساطة ان يكون سلام أو لا يكون. فلماذا كل هذا الاضطراب، نقض المستوطنات، وتمزيق الشعب وتضييق مساحة البلاد. وبماذا يهمنا وضع ملايين العرب الذين يعيشون في المناطق المحتلة؟.
الشيء الوحيد الذي لا يعبر عنه استطلاع الرأي هو فهم الجمهور – أو لمزيد الدقة، عدم فهمه – أن عدم السلام ليس وضعا ليس فيه سلام. ان عدم السلام، أو عدم التفاوض في تسوية سياسية على الأقل، يعني الحرب.
4- تقديم كديما الموعد
بعد الانتخابات التمهيدية لحزب العمل، وانتخاب شيلي يحيموفيتش رئيسة والانتباه الذي حصل عليه الحزب في فترة الانتخابات الداخلية، يوجد الآن حراك مشابه في كديما ايضا، فبدأ الناس يتحدثون هناك ايضا عن انتخابات تمهيدية لرئاسة الحزب. على حسب الدستور، يفترض ان تتم الانتخابات الداخلية في كديما قبل موعد الانتخابات العامة بثلاثة اشهر. لكنهم في كديما يخشون من ان جو الانتخابات في الكنيست اليوم ونية ليبرمان كما نشر ان يقرر في جلسة الشتاء موعدا مبكرا للانتخابات، سيفاجيء كديما غير مستعد. وهذا ما دفع ناسا رؤساء في مجلس كديما الى الدفع قُدما بمبادرة توقع عليها الكتلة الحزبية تطلب تقديم موعد الانتخابات باتفاق. وينضم هذا الى توجهات مشابهة من مسؤولين كبار في كتلة كديما البرلمانية منهم مئير شتريت وآفي ديختر الى رئيسة الحركة.
ان لفني التي قد يضعفها نشر توجه كهذا من قبل مسؤولين كبار في حزبها، تنوي ان تبادر بنفسها الى اجراء مشابه وتقي نفسها الحرج. وقد طلبت بحسب ما قالت عناصر في كديما ان يؤخروا الاجراء شيئا ما كي تعلن هي بتاريخ الانتخابات التمهيدية في الشهور القريبة. ويبدو ان القرار سيُبت بعد الأعياد مباشرة.
يتبين ان للسياسة قوانين تخصها، ويبدو انه برغم ان ائتلاف نتنياهو قوي وليس لأحد من حلفائه وفيهم ليبرمان أية مصلحة في نقض الحكومة، فانه سيستقر الرأي في السنة القادمة على موعد مبكر للانتخابات.
هل هذا ما يريده الجمهور الاسرائيلي؟ أن يتم تقديم موعد الانتخابات؟ اليكم الاخبار اذا، ليعرف كديما أو كل حزب آخر يبني على ذلك: برغم التقديرات غير الجيدة للحكومة، لا يريد أكثر الجمهور – 71 في المائة – تقديم موعد الانتخابات الى 2012 بل يفضلون ان تجرى في موعدها نهاية 2013. 

السابق
ماذا يحصل عندما تمر الحدود بين الصالون والمطبخ
التالي
“حزب الله”: بيان القمة الروحية وثيقة وطنية تحسم مسار اللبنـانيين وتعبّر عنهم