لا تراهنوا على “بكركيين”!

يتمنى المسيحيون أن تُترجَم الحفاوة السياسية والشعبية الواسعة التي لقيها البطريرك الجديد لموارنة انطاكية وسائر المشرق بشارة الراعي من فريق 8 آذار وعموده الفقري، وخصوصاً من "شعبه" في اثناء زيارتيه الراعويتين للبقاع والجنوب، مواقف عملية تثبت انهم شركاء فعليون في الوطن وفي القرار الوطني، وليس مجرد غطاء لتنفيذ استراتيجيا سياسية محلية واقليمية. وينبع هذا التمني من تجربة سابقة مشابهة حصلت مع "بطريرك" سياسي للمسيحيين حظي في مرحلة معينة بتأييد 70 في المئة منهم، وساهمت في تنفيذ الاستراتيجيا المشار اليها اعلاه، اولاً بوقف ما اعتبره فريق 14 آذار "مسيرة السيادة والاستقلال".

وثانياً، بالتحول اكثرية نتيجة انقلاب سياسي ودستوري ناجح. وثالثاً، بمحاولة تكريس الانقلاب باستقطاب المزيد من "الكبار" لتأييده بل للسير معه، وإن من دون ضمانات، او بالأحرى اتفاق على القضايا الخلافية بين الشعوب اللبنانية وهي كثيرة. ورابعاً، بمحاولة احاطة البطريرك الجديد بالمسيحيين المؤيدين لفريق 8 آذار، وباعتبار اصحاب المواقف السياسية المختلفة عن مواقفه، او الخيارات او الثوابت، سواء داخل بكركي ومؤسساتها او خارجها، اخصاماً أو اعداء يحملون مشروعات غير وطنية وغير مسيحية، ويهدفون في الدرجة الاولى الى افشاله. ولعل الايحاء بوجود بطريركين هما الراعي وصفير مختلفين ليس في الاسلوب والنهج فقط، وهذا امر واضح جداً، بل في الثوابت المسيحية والوطنية وعليها، بل بوجود صراع بينهما، بل بوجود "بكركيين" هو الدليل الابرز على المحاولة المذكورة. . 
طبعاً ليس الهدف من كل هذا الكلام الاشتراك في "المعركة" الدائرة بين مسيحيي 8 و14 آذار وبين مسلميهما، الذين يحاول كل فريق منهم مضاعفة الطمأنة للمسيحيين ولوجودهم ولدورهم ولحصتهم في "الشركة" محملاً الآخر مسؤولية احلال الشك مكانها. بل الهدف منه اولا الاقتراح على اصحاب الغيرة على بكركي والمسيحيين اليوم من الفريقين الانتظار قليلاً قبل بناء الآمال او اختراعها تلافياً لتحولها اوهاماً مستقبلاً. فالبطريرك الراعي ذكي كفاية لكي لا يقع في فخ نقل الشرخ السياسي بين المسيحيين الى كنيسته ومؤسساتها، وفي مقدمها بكركي. فذلك يضعفها ويحقّق اهداف الذين أزعجتهم عقوداً فحاولوا تهميش دورها "بتشقيفها" و"تشقيف" المسيحيين كلهم. وذلك يضعف دوره ويجعله شبيهاً بأدوار "انداده" او "زملائه" سواء داخل لبنان او خارجه. والكاردينال الدائم والبطريرك السابق صفير ذكي كفاية ليعرف ذلك كله، وليتلافى تالياً الاستدراج الذي يمارسه معه الخائفون من "توجهات" البطريرك الجديد كي يساندهم في مواجهتهم له اذا اضطروا الى خوضها.

والهدف من الكلام نفسه هو تالياً دعوة البطريرك الراعي الى النظر بعدل الى مشكلة المسيحيين في الشرق. فالنظام الذي سماه هو "اقلوي" في سوريا يحمي المسيحيين في مقابل ولائهم له، من دون ان يكون لهم ولسائر الاقليات والاكثرية دور او"حصة" في القرار الوطني او في"الشركة"، وفقاً للغة الجديدة في بكركي. والنظام الذي بكى عليه، او ربما دافع عنه سابقاً مسيحيون في 14 آذار، اي نظام مبارك في مصر، وكان "اكثرياً" بالمعنى الاسلامي، لم تكن معاملته لمسيحييها افضل، وربما كانت اسوأ. وهو ايضا حضّه على الاستنتاج من ذلك أن المشكلة قد تكون في مكان آخر وعليه البحث عنه وعن حلول لها مع الكنائس المسيحية الاخرى بكل جد واجتهاد.

والهدف من الكلام نفسه ثالثاً هو دعوة البطريرك الجديد الى التوضيح مرة اخيرة ان المارونية كنيسة مشرقية، والى عدم الافساح في المجال امام احد لاتهامها بأنها غربية او "عميلة" للغرب، وهو ايضاً تحديد معنى الكنيسة المشرقية، والتأكيد انها ليست قطعاً كنيسة "ذمية" كما هي الحال في العالم العربي والاسلامي. والذمية طبعاً على درجات وهذا التحديد مطلوب ايضاً من الفاتيكان. والهدف هو ايضاً تذكير الجميع في اختصار بأن الدولة القوية والعادلة والمدنية والديموقراطية المتساوين أبناؤها بمقدار مساواة طوائفها والمذاهب بل قبلها، هي التي تحمي الجميع بحيث لا يضطر احد الى أن يكون في "ذمة" احد في يوم من الايام اذا تغيرت الظروف وموازين القوى.
طبعاً آمل ان لا يضير أحداً صدور هذا "الموقف" عن علماني ومؤمن في آن واحد. فالعلمانية تبقى افضل من التعصب طائفياً ومذهبياً الى درجة القتل والغاء الآخر 

السابق
رجل الأعوام الأخيرة
التالي
نجل الرئيس ..