تفاقم أزمة جبل النفايات ..

كشف رئيس بلدية صيدا محمد السعودي أن «مجلس الإنماء والإعمار» أعطى أمر المباشرة بإنشاء الحاجز المائي جنوبي المدينة، الذي تعامل معه السعودي على أنه «إنجاز للمجلس البلدي ولمدينة صيدا ولمنطقتها، ويشكل المرحلة الأولى من خطة تخليص المدينة من كارثتها البيئية المتمثلة بجبل النفايات». وعلم ان السعودي سيقوم بجولة على فعاليات المدينة ونائبَيها، لوضعهم في أجواء «أمر المباشرة»، حيث شُكلت لجنة مهمتها التحضير لإقامة حفل وضع الحجر الأساس لإطلاق مشروع إنشاء الحاجز المائي، الذي سيحتضن كميات كبيرة صالحة للردم من مكبّ جبل النفايات المتراكمة منذ نحو 35 عاماً.

وقد ترك صدور أمر المباشرة بإنشاء الحاجز المائي جنوبي المدينة ارتياحا لدى الهيئات السياسة والبيئية، والفعاليات الاجتماعية والأهلية والبلدية الحالية والسابقة، كونه يضع اللبنة الأولى في ملف الألف ميل لإنهاء كارثة صيدا البيئية. لكنه ترك تساؤلات واستفسارات في الشارع الصيداوي، وأهمها «هل ذلك هو الحلّ الوحيد الممكن لمعالجة جبل النفايات؟ وهل هناك تصور وتخطيط وتصميم لكيفية الاستخدام المنطقي والإيجابي للمساحات الكبيرة التي سيتم ردمها في البحر؟ وهل عمليات الردم تلك ستكون مقدمة لتطوير مرفأ مدينة صيدا أم أنها ستكون جزءا لا يتجزأ من المشاريع العديدة، التي أرست رحاها في صيدا والتي لم تكتمل فصولاً حتى اليوم؟. ومن ضمن ما طرح في صيدا، من قبل مهتمين ومختصين وفنيين، حول الموافقة على دراسة الأثر البيئي، ملاحظات في الشكل وفي المضمون يمكن تناولها. في الشكل، أوردت الملاحظات أن «مجلس الإنماء والإعمار»، قد وقع بخطأ تلزيم مشاريع كبيرة وعمليات ردم في البحر، قبل الانتهاء أو الإعداد المسبق لدراسة تقويم الأثر البيئي، التي وجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من الملف الفني للمشروع، إذا لا يجوز بعد الموافقة على الشروط الفنية، وفض عروض التلزيم، تأخير العمل بانتظار دراسة الأثر البيئي واعتبار النتائج محسومة لصالح تنفيذ المشروع.

أما في المضون فإن في الموافقة المبدئية التي أعطيت من وزارة البيئة، بدا واضحاً أنها مشروطة، لكنها تسمح ببدء الأعمال، على أن يلتزم «مجلس الإنماء والإعمار» بأمور، منها، تزويد وزارة البيئة بخطة مفصلة تتضمن كامل العمليات المرافقة لإنشاء الجدار البحري، وكافة الخرائط التنفيذية، ومصادر المواد الأولية المستخدمة في عمليات الردم والإنشاء، وذلك بشكل دوري وشهري. وتزويد وزارة البيئة ببروتوكول المراقبة البيئية، وكيفية حماية البيئة المحيطة أثناء عمليات الردم والإنشاء (وهو غير موجود في الملف المقدم من قبل المجلس). أما في ما يتعلق بالمتعهد، فقد حذرت وزارة البيئة من استخدام أي مواد موجودة في البحر في عمليات الردم والإنشاء، واقتصار المواد المستخدمة حصراً على أنقاض حرب تموز 2006، وردميات البناء وإعادة البناء، وبعض الردميات الموجودة في المكبّ الحالي، والردميات المستقبلية، والمقالع والكسارات المرخص لها.

ومن اللافت أن وزارة البيئة لم تعط الإذن للسماح باستخدام الأتربة الغنية عضوياً، والتي تشكل نحو خمسين في المئة من حجم جبل نفايات صيدا الحالي، في عمليات الردم. وذلك ما يدعو إلى التساؤل حول أمور منها،
1ـ ردميات حرب تموز 2006، إذ لم تحدد وزارة البيئة مصادر تلك الأنقاض، لذلك فإنه يُخشى من أن يتم نقل العديد من التلال والجبال والمكبات العشوائية المنتشرة على الشاطئ اللبناني وفي العديد من المناطق إلى مكبّ صيدا.
2ـ ما هو مصير الأتربة الغنية والمشبعة عضوياً والموجودة حالياً في مكبّ صيدا العشوائي؟ وكيف يمكن التخلص منها في عمليات الردم حتى لا تبقى جاثمة على شاطئ المدينة؟ خصوصاً أن تجربة «مكبّ النورماندي» في بيروت، لم تشجع كثيراً على استخدام مثل تلك المواد في عمليات الردم البحري، لإقامة إنشاءات عليها، بسبب عدم استقرارها وإمكانية تحللها بشكل تدريجي.

3ـ أما بالنسبة للمقالع والكسارات المرخص لها، فمن الملاحظ أنه لا يوجد في محيط صيدا أو على بعد بضعة كيلومترات منها مقالع وكسارات مرخصة وعاملة، ما يدعو للاستفسار عن إمكانية إعادة ترخيص تلك الكسارات لتفعيلها! وما ينتج عنها من أثر بيئي سلبي! أو نقل بعض المواد من كسارات بعيدة نسبياً وهو أمر يعتبر مكلفاً اقتصادياً وغير منطقي.

مع العلم ان وزارة البيئة سمحت بعد إنشاء الجدار البحري بردم البحر في المنطقة الواقعة بين مكبّ صيدا ومحطة معالجة مياه الصرف الصحي في سينيق، إلاّ أن الأموال المرصودة حالياً للمشروع (الهبة السعودية وأموال من الحكومة اللبنانية)، لا تكفي لردم كامل المساحة المقدرة بـ 450 ألف متر مربع، لذلك ستقتصر عمليات الردم على منطقتين، الأولى في محيط المكب (10 هكتار)، والثانية في محيط معمل تكرير مياه الصرف الصحي (8 هكتار)، وذلك لإنشاء محطة جديدة لتكرير ومعالجة مياه الصرف الصحي. وعليه، فإن الجهات والهيئات الصيداوية المراقبة ترى أنه يحقّ لها التساؤل عن مصير النفايات الحديثة والقديمة والمستقبلية في المكبّ الحالي (الجبل)، أو التي ستدخل إليه خلال الأشغال وقبل الانتهاء من الاتفاق على تشغيل «مركز معالجة النفايات». وما هو الأثر الناجم عن تحويل صيدا إلى عاصمة للمشاريع البيئية ذات المردود البيئي السلبي؟ وما هو التعويض الذي ستحصل عليه المدينة نتيجة لاستقبالها اليومي لملايين الأمتار المكعبة من مياه الصرف الصحي والمياه المبتذلة، أو لاستقبالها من 350 إلى 400 طن من النفيات المنزلية، ونحو 2 طن من النفايات الاستشفائية يومياً، في حال تم تشغيل المركز أو الوحدة المتخصصة التي بنتها البلدية بالاتفاق مع السفارة الإسبانية.  شروط «البيئة»
في المقابل، فإن نسخة موافقة وزير البيئة ناظم خوري على المرحلة الأولى من «مشروع أعمال الحماية البحرية وردم البحر»، تضمنت تنفيذ الأشغال بشرط التقيد بما ورد في تقرير اللجنة التقنية بتاريخ 23 آب الماضي، العائد لمراجعة دراسة تقويم الأثر البيئي العائدة لمشروع أعمال الحماية البحرية وردم البحر في صيدا لجهة توضيح الواقع الحالي لمكبّ صيدا، وكيفية إيقاف الرمي العشوائي للنفايات داخله، مع الإشاراة إلى أن إمكانية تشغيل «معمل التخمير اللاهوائي للنفايات الصلبة» في صيدا لا تزال غير واضحة. بالإضافة إلى شرط تحديد مصادر المواد الأولية، التي تستخدم في أعمال الحماية البحرية وردم البحر في صيدا وتفاصيلها الفنية وكيفية الالتزام بالتعميم الصادر عن رئيس مجلس الوزراء رقم 19/2006 بتاريخ 20 حزيران 2006، ضمن شروط، منها، حصر استخدام المواد الأولية التي ستستخدم في أعمال الحماية البحرية من دون استخدام الموارد الطبيعية البحرية، على أن تتوافق تلك الردميات مع المعايير المناسبة لعمليات الردم في البحر، (الردميات الموجودة في مكبّ صيدا، والردميات الناتجة عن دمار الأبنية والمنشآت جراء عدوان تموز 2006، والردميات الناتجة عن المكبّات العشوائية للردميات، والردميات الناتجة عن ورش البناء، والمقالع المرخصة حسب المرسوم 8803، بتاريخ 4 تشرين الأول 2002.
واشترطت «البيئة» تزويدها بخطة مفصلة لكامل العمليات المرافقة لإنشاء الجدار البحري، وردم البحر مع خرائط تنفيذية تفصيلية، ومقاطع طولية وعرضية مع مصادر المواد الأولية المستخدمة في أعمال الإنشاء وكمياتها وخصائصها وذلك بموجب تقارير شهرية. وكذلك استخدام الجدار البحري المنوي إقامته لإنشاء الحيود البحرية الاصطناعية، لإعادة إحياء وتعزيز التنوع البيولوجي.

كما اشترطت تزويدها ببروتوكول واضح للمراقبة، يلحظ مواقع أخذ العينات بالنسبة لعناصر البيئة المحيطة، والمؤشرات الواجب قياسها ضمن عناصر البيئة وللمواد الأولية المستخدمة في عمليات الردم، والمؤشرات الواجب قياسها ضمن عناصر البيئة، للتأكد من حسن تنفيذ مشروع إعادة إنشاء الشعاب المرجانية والحيود البحرية الاصطناعية، وتواتر عمليات أخذ العينات، ممهلة المجلس شهراً واحداً لتزويدها بكافة التفاصيل، ليتسنى لها متابعة حسن تنفيذ مشروع أعمال الحماية البحرية وردم البحر في صيدا. وأكدت الوزارة في موافقتها أنها تحتفظ بحق فرض شروط بيئية جديدة، عندما تدعو الحاجة وإجراء المراقبة الدورية، وحقّ الطلب بوقف الترخيص في حال عدم تنفيذ الشروط البيئية.
الأثر البيئي
وأرفقت «البيئة» كتاب الموافقة المرسل إلى «المجلس» بنسخة عن تقرير اللجنة التقنية لمراجعة دراسة تقويم الأثر البيئي، العائدة لـ «مشروع أعمال الحماية البحرية وردم البحر في صيدا»، والمسجل بتاريخ 23 آب الماضي. وجاء في التقرير أنه، نتيجة الكشوفات الميدانية، غاية المشروع معالجة مكبّ النفايات في صيدا وتوسعة وتطوير محطة تكرير مياه الصرف الصحي، لإنشاء قسم خاص بالمعالجة البيولوجية. وسيتم تنفيذ المشروع على مرحلتين، الأولى، تشمل بناء كامل الجدار البحري وردم نحو 18 هكتار (10 هكتارات مخصصة لردم البحر في محيط مكب صيدا البحري، و8 هكتارات مخصصة لردم البحر في محيط محطة تكرير مياه الصرف الصحي).

أما المرحلة الثانية، فتشمل ردم نحو 45 هكتارا، لم تحدد الغاية النهائية لتلك المرحلة، إنما عرضت الدراسة لثلاثة سيناريوهات: إمكانية إنشاء مرفأ جديد لمدينة صيدا، أو إمكانية إنشاء حديقة عامة للبلدية، أو إمكانية استخدام تلك المساحة لإنشاء مؤسسات تجارية.
وعلى الرغم من أن إطار الدراسة ينحصر ضمن أعمال الحماية البحرية وردم البحر في صيدا، إلا أن القيمة المضافة وأهمية المشروع وجدوى دراسة تقويم الأثر البيئي له، يجب أن تحدد من خلال دراسة المشروع من كافة تفاصيله. وذلك ما لم تتطرق إليه الدراسة من ناحية الواقع الحالي لمكبّ صيدا، وكيفية إيقاف الرمي العشوائي للنفايات داخله، والواقع الحالي لمعمل التخمير اللاهوائي للنفايات الصلبة في صيدا، وكيفية معالجة النفايات المتواجدة في مكب صيدا والفترة الزمنية المحددة لذلك (ضمن المرحلة الأولى أو الثانية أو بينهما)، والمواقع التي سيتم إرسال النفايات المختلفة الناتجة عن معالجة النفايات الموجودة في مكبّ صيدا إليها، أو المعطيات العلمية التي تبرر لكل من المكبّ والمحطة جدوى مساحة الردم المحددة بموجب دراسة تقويم الأثر البيئي.
وأوصت اللجنة في تقريرها بـ«توضيح أجزاء المشروع المتعلق بمعالجة المكب وتوسعة وتطوير محطة تكرير المياه المبتذلة، مع الأخذ بعين الاعتبار دراسة تقويم الأثر البيئي، التي تقدمت بها بلدية صيدا في 10 آذار 2006، ووافقت عليها وزارة البيئة بتاريخ 30 آذار 2006»، التي ورد فيها أن «أحجام المواد التي ستستخدم في عملية تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع أعمال الحماية البحرية وردم البحر في صيدا تقدر بنحو 1.5 مليون متر مكعب من الردم مصدرها مقالع، و123 ألف متر مكعب من الاسمنت الجاهز، مصدرها مقالع، و1.1 مليون متر مكعب من جرف البحر». وطلبت اللجنة تحديد مصادر المواد الأولية التي ستستخدم وتفاصيلها الفنية، وتزويد الوزارة بخطة مفصلة لكامل العمليات المرافقة لإنشاء الجدار البحري وردم البحر.
 

السابق
خريس : مواقف الراعي وطنية بامتياز وتهدف لصيانةالعيش المشترك
التالي
الجراح: صفير رمز للأرزة اللبنانية