تأخر الديمقراطية هو الخطر على مصر

هل تنفجر مصر داخليا؟ في الواقع، هذا هو ما يعتقده الكثير من الأميركيين، على الرغم من أنهم يتحدثون عن ذلك بهدوء حتى الآن. ويشعر الأميركيون بالقلق إزاء شيء محدد، ألا وهو وصول جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الأحزاب الأصولية الإسلامية إلى السلطة عندما تشهد مصر أول انتخابات ديمقراطية في وقت لاحق من العام الحالي، كما يشعرون بالقلق إزاء عملية السلام مع إسرائيل – كانت قائمة على أساس نظام مبارك الذي استمر لمدة 30 عاما بدعم من الولايات المتحدة – التي أصبحت «معلقة بخيط رفيع»، على حد قول روبرت ساتلوف، مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

وهناك بالطبع من الأسباب ما يدعو للقلق من حدوث تلك السيناريوهات، ولكن أظهرت المقابلات التي أجريتها الأسبوع الماضي مع عدد من الصحافيين والنشطاء والمسؤولين المصريين، أن التهديد المباشر والفوري الذي يهدد مصر لا يكمن في انقلاب إسلامي دراماتيكي أو قطع في العلاقات الدبلوماسية مع الدولة اليهودية، ولكنه يكمن في إطالة أمد الفوضى والنظام التائه الذي يحكم البلاد الآن.
تمر مصر حاليا بفترة عصيبة وغريبة، ولا يمكن التنبؤ بنتائجها وعواقبها، ما بين الديكتاتورية العسكرية والديمقراطية الليبرالية، فمنذ الإطاحة بنظام حسني مبارك في شهر فبراير (شباط) الماضي، ازدهرت وسائل الإعلام الحرة والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، كما يمكن رؤية الإضرابات والمظاهرات بشكل يومي في الشوارع المصرية، وحتى مبارك نفسه يقبع خلف القضبان للمحاكمة. ولكن تم اعتقال الآلاف بعد محاكمتهم أمام محاكم عسكرية، كما تعرض المدونون الذين ينتقدون الجيش للمضايقات، وتمت العودة إلى «قانون الطوارئ» الذي يحظر معظم التجمعات العامة.

ويقول المجلس العسكري الحاكم إن الانتخابات البرلمانية ستعقد في أواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، ولكنه لم يضع جدولا زمنيا دقيقا حتى الآن، كما لم يقم بتحديد نظام الانتخابات أو الدوائر الانتخابية التي سيتم استخدامها، أو واجبات البرلمان الجديد – بخلاف اختيار جمعية تشريعية لصياغة دستور جديد. وبالإضافة إلى ذلك، لا يعرف المصريون موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، وما إذا كانت هذه الانتخابات ستجري قبل أو بعد الانتهاء من صياغة الدستور الجديد، أو ما إذا كان الجيش سيسعى لإعطاء نفسه صلاحيات رقابية في النظام السياسي الجديد. ويتم الإعلان عن بعض القرارات، ثم يتم مراجعتها أو عكسها بصورة مفاجئة، اعتمادا على آخر جهة يتشاور معها المجلس العسكري.
وفي الوقت نفسه، بدأ الاقتصاد يتهاوى بسبب مخاوف السائحين والمستثمرين الأجانب. وقد أثبت المجلس العسكري أنه يتمتع بذكاء وفطنة في الناحية الاقتصادية، حيث قام فجأة بفرض شروط جديدة على تأشيرات الزوار الأجانب، قبل أن يقوم بإلغائها بشكل سريع ومتهور!

وكان المجلس العسكري قد وعد في مرات سابقة بتسليم السلطة بحلول الشهر الحالي، ومع ذلك سيتم الانتهاء من الانتخابات البرلمانية في نهاية شهر فبراير (شباط) المقبل في أحسن الأحوال، في حين أنه من المتوقع أن تجري الانتخابات الرئاسية، التي من شأنها أن تضع حدا للحكم العسكري في البلاد، في غضون تسعة أشهر، حسب توقعات بعض المحللين، في حين يرى آخرون أنه من الممكن أن تمتد هذه الفترة لتصل إلى 18 شهرا.
وتكمن المشكلة الرئيسية في أن الانتخابات هي الوسيلة الوحيدة التي يمكنها وقف الدوامة التي تسير فيها البلاد. أما بالنسبة للمرشحين للرئاسة، فإن خمسة من أبرز ستة مرشحين ينتمون إلى التيار العلماني الوسطي، يتقدمهم حتى الآن، وزير الخارجية الأسبق والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، الذي قد يكون قد تحول في الآونة الأخيرة إلى الديمقراطية الليبرالية، وهو معروف بمواقفه القوية تجاه إسرائيل. ومع ذلك، فمن شبه المؤكد أنه سيكون أفضل من المجلس العسكري، وسيكون قادرا على إعطاء الاقتصاد فرصة للتعافي. 
وتشير التقديرات إلى إمكانية حصول الأحزاب الإسلامية على نسبة تتراوح بين 10 و40 % من مقاعد البرلمان، ولكن ما زال هذا يعني أنهم سيشكلون أقلية في البرلمان. ومن الجدير بالذكر أن الإسلاميين أنفسهم منقسمون إلى عدة فصائل، ويعترف أقوى فصيل فيهم بأنهم لن يكونوا قادرين على فرض أجندة أصولية على الطبقة الوسطى العلمانية، أو الأقلية المسيحية في مصر، على الأقل على المدى القصير والمدى المتوسط.
ولكن ماذا عن إسرائيل؟ نقلت بعض وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة عن عمرو موسى قوله إنه «لا يمكن المساس» بمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وإن اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة خلال الشهر الحالي كان عملا «غير مقبول». ونددت كل الأحزاب السياسية في القاهرة بالهجوم على السفارة الإسرائيلية. وعلى الرغم من مطالبة البعض بإعادة التفاوض على البنود الأمنية في المعاهدة، إلا أن أيا منهم لم يطالب بإلغائها. ومن الجدير بالذكر أن الغالبية العظمى من الغوغاء الذين اقتحموا السفارة الإسرائيلية لا تتألف من ثوريين سياسيين، ولكن من مثيري الشغب وجمهور كرة القدم الذين تجمعوا في وسط القاهرة لأنهم كانوا غاضبين من التعرض للمضايقات من قبل الشرطة، التي لم تفعل شيئا في بداية الأمر عندما تحركوا لاقتحام السفارة.
ومن جهة أخرى، يلمح أولئك الذين يشعرون بالقلق من انهيار الدولة المصرية، إلى أنه ينبغي تأجيل الانتخابات أو حتى إلغاؤها. وفي الواقع، هناك حاجة ماسة إلى عكس ذلك. ويتعين على الولايات المتحدة وغيرها من الحكومات الغربية، أن تتبنى المطلب الذي تم طرحه الأسبوع الماضي من قبل وائل غنيم، وهو المدير التنفيذي لشركة «غوغل» في الشرق الأوسط، وواحد من قادة الثورة المصرية، حيث قال إنه يتعين على المجلس العسكري أن «يعلن بسرعة عن مواعيد محددة لنقل السلطة بصورة كاملة… لسلطة مدنية منتخبة، من شأنها أن تسيطر على كل شيء في البلاد». في الواقع، لا تكمن مشكلة مصر في الثورة ولا في ديمقراطيتها المستقبلية، ولكنها تكمن فيما يحدث – وربما ما لم يحدث حتى الآن 

السابق
القوات: نحن الأقوى مسيحياً
التالي
شربا نحاس باقٍ في الضاحية