الجمهورية: قمّة دار الفتوى تتجنّب الملفّات الخلافيّة وتسريب كلمة الراعي خطف الأضواء

غابت الملفّات الخلافية عن القمة الروحية التي استضافتها دار الفتوى بمبادرة من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، واكتفى البيان الختامي بالتذكير بالثوابت الروحية والسياسية وتجديد التمسّك بها من دون أن يقارب القضايا الحساسة من المحكمة الدولية وسلاح حزب الله، وصولا إلى التطورات في سوريا.

وجاء "الخطأ التقني" الذي رافق إلقاء الراعي مداخلته ليثير لغطا كبيرا، إذ كان من المفترض، وفق التنظيم، أن تنقل كلمة قباني والبيان الختامي، إلّا أن كلمة الراعي بُثت من طريق الخطأ، عبر الإذاعة التابعة لدار الفتوى.

وقد قال الراعي إنّه "وضع الفرنسيين والأسرة الدولية أمام مسؤولياتهم، وطلب من فرنسا تقوية الجيش لنزع مبررات سلاح "حزب الله"، والعمل على توطيد التفاهم بين الرئيسين نجيب ميقاتي وسعد الحريري".

وفي الشأن السوري، شَدّد على "ضرورة إرساء الحريات والديموقراطيات"، مضيفا في المقابل: "نحن في الكنيسة لا نوالي ولا نعادي أي نظام، ولكننا ضد العنف من أي جهة أتى، فمآسي العراق لا تزال ماثلة أمامنا، والديموقراطيات أصبحت حربا أهلية في العراق وهجّرت المسيحيين"، متمنيا "ألّا تقود الأحداث في سوريا إلى حرب أهلية بين السنّة والعلويين، وتنتقل إلى لبنان كونه يرتبط عضويا بسوريا".

واعتبر أنّ "مطالبة إسرائيل الأسرة الدولية بالاعتراف بها كدولة يهودية يشكل تحديا للمسلمين، ويعزز تنامي التطرف عندهم وعند المسيحيين واليهود، ما يجعل المنطقة في حال نزاع دائم".

ولم ينجح تدخّل دار الفتوى بطلب من المفتي والبطريرك عند الصحافيين لسحب الكلام من التداول، إذ سرّبت المداخلة عبر الإذاعة التابعة لدار الفتوى، ما استدعى توضيحا من مدير الإعلام في دار الفتوى خلدون قواس الذي أشار إلى أن "لو عمدنا إلى توزيع الكلمات، لوجدنا في ما بعد أن لا فائدة من البيان الختامي، أو لما سيصدر عن المجتمعين، خصوصا أن هناك 17 رئيسا يمثلون الطوائف كافة"، مؤكدا أن "الخطأ تقني وغير مقصود، والبطريرك يقول كلامه في العلن وداخل القاعات، ولكلّ رأيه ومواقفه، ولا أحد يحرج أحدا".

وكانت القمة الروحية بدأت في الحادية عشرة والربع في حضور إلى الراعي وقباني، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز نعيم حسن، رئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ أسد عاصي، متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأورثوذكس المطران الياس عودة، بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، بطريرك السريان الكاثوليك أغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك الأرمن الأرثوذكس آرام الأول كيشيشيان، بطريرك الأرمن الكاثوليك نرسيس بدروس التاسع عشر، رئيس الطائفة الكلدانية في لبنان المطران ميشال قصارجي، الرئيس الروحي الأعلى لطائفة اللاتين في لبنان المطران بولس دحدح، مطران الأرمن الأرثوذكس في لبنان كيغام خاتشريان، رئيس الطائفة الإنجيلية القس الدكتور سليم صهيون، رئيس الطائفة القبطية في لبنان وسوريا الأب رويس الأورشليمي، وعدد من الشخصيات الدينية وأعضاء لجنة الحوار الإسلامي – المسيحي.

قباني

وقد افتتح قباني، القمة الروحية بكلمة شدد فيها على أنّ دار الفتوى تشهد على وحدة العيش المشترك بين اللبنانيين في أصعب مرحلة من تاريخ لبنان المعاصر وأحلكها، وهي شاهدة على الانتصار الأخير للعيش المشترك بإنجاز اتفاق الطائف". أضاف: "إننا في وطننا لبنان أيها السادة، نتعاهد اليوم معا مسلمين ومسيحيين على الأمن والأمان لبعضنا، عهد الأخ لأخيه، وإننا لنعلم يقينا أن المسيحيين في لبنان هم دائما على هذا العهد مع إخوانهم المسلمين في لبنان، وكذلك المسلمون هم على هذا العهد أيضا مع إخوانهم المسيحيين، فلا اقتتال ولا ضرر ولا ضرار ولا إضرار بينهم، وهم بوحدتهم يحافظون على أنفسهم ووطنهم وأرزاقهم ووجودهم ومستقبلهم، ولا خوف على أحد من أحد، لا في لبنان ولا في المنطقة العربية كلها".

حوري

من جهته، رأى عضو كتلة "المستقبل" النائب عمار حوري أن لقاء دار الفتوى "يشكّل في حدّ ذاته خطوة إيجابيّة والبيان الذي صدر تحدث عن الثوابت في الطائف، وهذا أمر جيّد ومرحّب به"، مشيرا إلى أن "البيان تجنّب التطرّق إلى السياسة وبعض القضايا الخلافية، وكان واضحا أن اللقاء حاول الذهاب إلى نقاط الالتقاء". أضاف: "أما بالنسبة إلى ما نقل عن كلام لغبطة البطريرك، فبدا واضحا أنّ كلامه ما زال ملتبسا".

البيان

وانتهت القمة في الثانية إلا ربعا من بعد الظهر، وتلا الأمين العام للقمة الروحية الإسلامية – المسيحية محمّد السمّاك البيان الختامي، وقال: "بعد التداول في هذه القضايا، ارتأى المجتمعون انطلاقا من مسؤولياتهم الروحية والوطنية تأكيد المبادئ والثوابت الآتية:
 
أولا: متانة العيش الوطني، والتفاعل التاريخي والحاضر في المنطقة العربية بين المسلمين والمسيحيين، استنادا إلى انتمائهم العربي، هوية وثقافة، ولتجربتهم العريقة والغنية، وللتحديات المشتركة والمصير الواحد، وتأكيدا على أنّ وجود المسيحيين وهذا الشرق هو وجود تاريخي وأصيل وأن دورهم أساسي وضروري في أوطانهم.

ثانيا: استقرار لبنان، الوطن النهائي لجميع بنيه، على ثوابت العيش المشترك ومرجعية وسيادة الدولة والدستور، والتوافق على المصالح الوطنية والقومية الكبرى ضمن القواعد التي أرسَتها وثيقة الوفاق الوطني اللبناني في الطائف وعلى أساس المشاركة في إدارة الشأن العام واحترام مبدأ المناصفة، إن وحدتنا الداخلية تدعونا إلى الوقوف سدا منيعا في وجه المحاولات الخارجية التي تستهدف زعزعتها وزرع الفتنة في ما بيننا.

ثالثا: احترام كرامة الإنسان وحرياته الأساسية ومن ضمنها الحريات الفردية والدينية والسياسية وحرية التعبير، واعتبار التنوّع غنى وإثراء لإنسانية الإنسان، واعتبار المواطنة أساسا في تحديد الحقوق والواجبات، وفقا للمبادئ الدستورية والقانونية والشرائع الدولية وفي مقدمتها شرعة حقوق الإنسان.

رابعا: لبنان جزء من العالم العربي هوية وثقافة ومصيرا (…) والأمل اليوم وغدا باق في تقريب ثقافة المواطنة لدى شباب لبنان ومحبة الوطن ومعرفة تراثه والتزام رسالته ودوره في العالم العربي والعالم.

خامسا: إن الحراك الجاري في البلدان العربية المطالب بالحرية والكرامة والعدالة والديموقراطية، يتيح فرصا يقتضي الاستفادة منها لحماية هذا الحراك ومنعه من الانزلاق إلى ما قد يتجه به اتجاهات تنحرف به عن غاياته الأصيلة أو تكون سببا في إثارة الهواجس والمخاوف. والمطلوب من الجميع الحرص على الإصلاح والتطوير والانفتاح ومراعاة الإرادة الشعبية والتمسك بالدولة المدنية القائمة على مفهوم المواطنة بما يبدد كل الهواجس ووجوه القلق ويعزز الثقة بالعيش الواحد، والحرص في الوقت ذاته على أمن المجتمعات والانسجام بين فئاتها، وصون المصالح الوطنية والقومية. مع تأكيد رفض كل أنواع التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية ورفض كل أنواع الظلم والعنف والاستبداد.

سادسا: إن لبنان وطن الرسالة والعيش المشترك واحترام الحريات، يبقى ويستمر بوحدة أبنائه وبإيمانهم به وبرسالته، وبتضامنهم في مواجهة محاولات إثارة الفتن وباعتماد الحوار الهادئ والمباشر والصريح أساسا لحل المسائل الخلافية بعيدا من التخاطب الاتهامي في وسائل الإعلام، ويشكل التزام اللبنانيين بناء الدولة ومؤسساتها الدستورية الضامن لهم جميعا.

سابعا: إن لبنان القوي بوحدته الوطنية وبتضامن أشقائه العرب وباحترام المجتمع الدولي، يلتزم رفض توطين اللاجئين الفلسطينيين شكلا وأساسا، ويتمسك بحقهم في العودة إلى أرضهم ووطنهم عملا بقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 194. ويعتبر العمل على تحرير بقية الأراضي اللبنانية والعربية المحتلة وتحرير المقدسات الإسلامية والمسيحية مما تتعرض له من انتهاك واعتداء، واجبا وطنيا وعربيا جامعا وبحكم قرارات الشرعية الدولية. وهو يهيب بالأمم المتحدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس".

وأقام قباني مأدبة غداء تكريمية في "معهد تفهم الإسلام" في دار الفتوى، على شرف رؤساء الطوائف.
 

السابق
ميقاتي: أخطر ما يهدد مستقبل السلام ما تمارسه اسرائيل من انتهاكات للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومواصلتهاأعمال الإستيطان
التالي
الحياة: القمة الروحية تؤكد مرجعية الدولة والدستور وترفض الظلم والاستبداد والتدخلات الخارجية