الموساد وحزب الله..حكاية بلا نهاية

وسط رياح المتغيرات الهائلة التي تعصف بالعديد من الأنظمة الشمولية بعد إنتفاضة الشعوب العربية العارمة وصياغتها لعقد سياسي وإجتماعي جديد لم تتضح معالمه النهائية بعد تدور على جبهات أخرى أوسع الحروب الخفية والسرية التي تشكل مفرداتها الجزء المتبقي من تشكيل الصورة الإقليمية وأهمها الحروب الإستخبارية وعملياتها السرية بأدواتها المتنوعة و المتفرعة والمنبثقة من إرادات أنظمة وصراع تيارات و تشابك مصالح سياسية وإقتصادية وعسكرية هائلة , ولعل في متابعة تساقط شبكات التجسس الإسرائيلية وجهاز الموساد تحديدا و إنكشاف العديد من حلقاتها السرية في منظومة حزب الله اللبناني المرتبط بالنظامين الإيراني و السوري تكمن واحدة من أهم المفاجآت السرية و الميدانية , فمنذ سنوات و الأنباء تترى بين الفينة و الأخرى عن إكتشاف شبكة هنا و عنصر هناك و تنظيم في مكان ما وجميعها تتعلق بتسلل إسرائيلي إستخباري واسع المدى إلى تنظيم “حزب الله” الذي يدير بدوره شبكة إستخبارية هي الأوسع و ألأهم و الأكثر تنظيما في الشرق الأوسط و يمتد نشاطها طوليا و أفقيا نحو أميركا اللاتينية وأوروبا من دون أن نتجاهل حقيقة تمكن المنظومة الأمنية التابعة لحزب الله من إختراق العديد من أجهزة المخابرات العربية و الإقليمية المهمة لعوامل مادية بحتة او لأسباب طائفية معلومة أو نتيجة لعوامل خاصة أخرى.

لقد كان واضحا منذ نجاح عملية إغتيال القيادي في حزب الله عماد مغنية في فبراير عام 2008 على بوابة المخابرات العامة السورية في حي كفر سوسة الدمشقي وفي قلب القلعة الأمنية الخاصة بالنظام السوري وعلى يد وحدة إغتيال خاصة من جهاز “الموساد” الإسرائيلي من أن الحرب الخفية بين أجهزة المخابرات قد بلغت درجة متقدمة جدا من التخطيط و التسلل و الإنتقام , كما جاءت عملية إغتيال القيادي الفلسطيني محمود المبحوح بعدها في إمارة دبي بعد خروجه و سفره من دمشق نحو دبي وعلى يد مجموعة إغتيال خاصة من “الموساد” أيضا لتضيف إلى صورة تلك الحرب المعلنة و الشرسة صورة بشعة و دموية أخرى , فإغتيال المبحوح مرتبط أساسا بملفي “حزب الله” و النظام السوري و الإختراق الأمني الإسرائيلي لجهاز المخابرات السورية ولتنظيم “حزب الله” الأمني قد بات من الحقائق الناصعة و الواضحة ثم جاءت عمليات إغتيال بعض قياديي وضباط جهاز المخابرات السورية ومنهم العميد محمد سلمان في اللاذقية ليضيف إلى المشهد أبعاداً درامية أخرى و ليؤكد على مدى الطبيعة العملياتية الخاصة لتلك الحرب خصوصا و إن الإغتيالات الغامضة قد إمتدت أيضا للعاصمة الإيرانية طهران وحيث تم إغتيال عدد من العلماء النوويين الإيرانيين والعلماء المرتبطين بالحرس الثوري الإيراني وفي قلب العاصمة الإيرانية مما يعني ان عمليات الإختراق باتت ذات طابع شمولي وعام , وفي الحالة اللبنانية فإن الإختراقات الإسرائيلية كانت من الظواهر اليومية لسهولة التسلل إلى العديد من الأحزاب و التجمعات ذات الطبيعة الفردية أو الطائفية الخاصة ولعل إنكشاف إرتباط أحد ضباط جماعة العماد اللبناني ميشال عون وتياره الحر بإسرائيل كان أكبر من فضيحة و أقل من كارثة .

ثم جاءت القضايا الأمنية الخاصة ب”حزب الله” لتؤشر على مدى الإختراق الإسرائيلي لذلك الحزب الذي يغطي نشاطاته بهالة إعلامية هائلة من التمجيد و الإشادة رغم أنه مخترق وعلى أعلى المستويات , فقد سبق أن تم إكتشاف وجود سيارات دفع رباعي كان يستعملها بعض قادة الحزب و يستوردها من خلال شبكة رجال أعماله المرتبطين بحسن نصر الله شخصيا مجهزة بوسائل إتصال وتنصت إسرائيلية كانت ترصد كل إتصالات قادة الحزب و ترسلها لإسرائيل , كما أنه في ربيع عام 2009 تم التحفظ في مصر على رجل أعمال عراقي مرتبط شخصيا و عائليا بحسن نصر الله رصده جهاز “الموساد” و أعتقلته المخابرات المصرية وتم إعتقاله في فيلا خاصة لستة اشهر قبل أن يطلق سراحه و يعود إلى بيروت ضمن صفقة سرية عقدها “حزب الله” مع المخابرات المصرية وقتذاك! خصوصا و أن رجل الأعمال العراقي المشار إليه واسع العلاقات الدولية ويرتبط بعلاقات عمل خاصة جدا جدا مع كبار المسؤولين في بعض دول الخليج العربي بل أنه يحمل جواز سفر ديبلوماسيا من إحدى الدول الخليجية الناشطة على الساحة الدولية.. والحر تكفيه الإشارة ,ويبدو أن الهالة الإعلامية الضخمة التي يحيط “حزب الله” اللبناني بها نفسه لم تستطع إخفاء حقيقة التسلل الإسرائيلي المرعب لأشد الحلقات حساسية وأمنا فيه وهروب المجموعة الأخيرة من عناصر الحزب وعلى رأسهم القيادي الأمني أبو إسماعيل لإسرائيل و بمساعدة كوماندوس إسرائيلي دخل إلى قلب بيروت يؤكد بأن توجيه ضربة ستراتيجية لذلك الحزب من قبل إسرائيل أمر ممكن ولكنه على المستوى النهائي لايخدم الستراتيجية الإسرائيلية القائمة على إطالة أمد المواجهة تعزيزا لمصالح دولية وإقتصادية معلومة , فالتنظيمات الرافعة لشعارات الممانعة والمقاومة مخترقة حتى النخاع… وتلك هي المهزلة.  

السابق
البناء: احتضان رسمي ووطني حاشد للراعي وبرّي يُحذّر من سايكس – بيكو جديد
التالي
اللواء: ماذا حدث بين ميقاتي وكلينتون خلال 18 دقيقة؟