على الأرضية

 قول أبا ايبان، ان الفلسطينيين لم يفوتوا أي فرصة لتفويت الفرص، كان شعبيا ليس فقط في البلاد – حتى كيسنجر أكثر من اقتباسه. اما الان فالنكتة هي علينا. اسرائيل هي التي لا تفوت أي فرصة لتفويت الفرص للتسوية. قبل نحو سنتين أعلن بيبي في خطاب بار ايلان عن دولتين للشعبين. ولكن منذئذ لم يحرك ساكنا كي يتحقق هذا. لا يمكن لا حيلة، أي خطاب، أي مناورة ان تغير الحقائق: في أنه رئيس الوزراء الذي يتمتع بالاسناد البرلماني الاوسع، ولا يوجد أي قرار بحل وسط لا يمكنه أن يقره في الكنيست.
لو أراد الوصول الى تسوية لكان بوسعه. رغم المصاعب والعراقيل. ولكن لديه أب ابن مائة لن يغفر له التنازل عن بلاد اسرائيل الكاملة، زوجة لا تسهل عليه الطريق الى التسوية ومحيط سياسي يعمل ضد قرارات تنطوي على تنازلات عن اراضٍ.
بيبي يتحدث الانجليزية – الامريكية اللامعة، ولكن ما يهم هذا عندما يقف حياله خصم يتحدث الانجليزية بجودة أقل ولكنه يعمل على نحو سليم. تحت أنف سفرائنا الكثيرين في جنوب أمريكا مثلا، وعد بتأييد معظم الدول اللاتينية للاعتراف بدولة فلسطينية كعضو في الامم المتحدة. كيف علقت اسرائيل في وضع تتعلق فيه بالغابون كي تنقذ اوباما من استخدام الفيتو في مجلس الامن؟
المناورة الفلسطينية لم تسقط من السماء. كان يمكن معالجتها قبل الاوان. أيحتمل أن نكون لم نرَ التحول الذي يقع في العالم أمامنا؟ أيحتمل الا نكون رأينا أن ابو مازن يدفعنا نحو الحائط، والان في واشنطن لا يزال لديه نصف رصاصة في فوهة البندقية؟ وبينما نوزع نحن كمامات الحرب الكيماوية ونستعد لتهديد وقوع الصواريخ في تل أبيب ايضا – في رام الله يستعدون لحياة مدنية طبيعية.
وماذا سيكون ردنا اذا ما نجحت خطوة ابو مازن في الامم المتحدة؟ نفرض عليه عقوبات؟ لا نحول لهم الضرائب التي نجبيها نيابة عنهم؟ ليبرمان ينفي ما نشر بانه اقترح عقوبات اذا ما ضمت السلطة كدولة الى الامم المتحدة. ولكن لا حاجة لان يفتح فمه كي نعرف الى ماذا يسعى وماذا يريد حقا. له نائب وزير يدعى داني ايالون يقلقنا في كل مرة يتحدث فيها. هذا هو الرجل الذي أهان السفير التركي واجلسه على كرسي منخفض. ليبرمان يمكنه ان ينفي حتى الغد، الافكار عن العقوبات منقوشة بين ذقنه وشاربه.
في زمن حكم نتنياهو فقدنا القدرة على اقتراح حلول ذكية، التفكير في المشاكل التي أمامنا مع نظرة الى البعيد. وبدلا من الذكاء والاعتدال اليهوديين شاع لنا صيت الازعر الاقليمي، وهو الذي يقودنا الى العزلة الدولية. وبينما اسرائيل لم تنفصل حقا عن موقف الاستخفاف البن غوريوني للامم المتحدة التي اسماها "اوم شاموم" (امم متحدة قفراء)، فان زعماء السلطة بالذات يحظون بالعطف العالمي لقضيتهم، عطفا جعلوه أداة دبلوماسية لدفع مصالحهم الى الامام.
ولما كانت المبادر لضم دولة فلسطين الى الامم المتحدة تؤيدها أغلبية الدول الاعضاء، فقد دخل بيبي في حالة فزع. وكعادته في مثل هذه الاوضاع، قرر بصفته سوبرمان الطيران الى واشنطن كي يقنع بان الدول وحدها يمكنها أن تكون اعضاء في الامم المتحدة. وقد عرقل فكرة الرئيس شمعون بيرس لتمثيل اسرائيل في الجمعية العمومية بل وحرص على أن يعود ايهود باراك، الذي يصدف في هذه الاوضاع أن يتواجد في واشنطن، الى البلاد. بيبي يحب أن يكون في مثل هذه الحالات نجما وحيدا. ماذا كان يقول مناحيم بيغن لرئيس الاركان رفائيل ايتان حين كان يسافر الى واشنطن؟ "حافظ على الدولة الى أن اعود".
الجمعية العمومية للامم المتحدة ليست الكونغرس الامريكي. وبيبي لن يحصل هناك على تصفيق بالوقوف. قسم كبير من الممثلين هم مسلمون، ولكن حتى المسيحيين لا يحبوننا حقا. الرئيس اوباما – الذي اكتشف مؤخرا بان في بضع مناطق انتخابية هامة يتفوق الجمهوريون في أوساط اليهود على المرشحين الديمقراطيين – يكافح في سبيل ولايته الثانية بأظفاره. وهو سيعمل حتى اللحظة الاخيرة للامتناع عن استخدام الفيتو ويحتمل أن ينجح في ذلك. مجلس الامن بدون فيتو سيعطي ربما مساحة من الزمن لبدء مفاوضات في المنطقة.
بيبي سيلقي خطابه بعد صدور هذا العدد. ولكن حتى أكثر خطاباته لمعانا لن يغير الحقيقة المريرة بانه يخدع الجميع، والدولة تحت حكمه لا تزال ملقية على الارضية. 

السابق
لحظة تاريخية خطيرة
التالي
كبير الطُهاة