عبـاس: أنا رئيـس سـلطة بلا سـلطة

لم تكن الساعات الأخيرة سهلة على محمود عباس، قبل تقديمه طلب عضوية فلسطين أمس الى أمين عام الأمم المتّحدة بان كي مون. يصفه أحد المشاركين في اجتماع وزراء الخارجية العرب أمس الأول وما تلاه من مشاورات مكثفة، بأنه بدا «يائسا ومهزوما وزاهدا بكلّ شيء»، فيما ينقل دبلوماسي عربي شارك في حفل العشاء الذي أقامه أمير قطر في منزله، أمس الأول، عن عباس قوله امام مجموعة من الشخصيات العربية: «أنا رئيس سلطة بلا سلطة».

مارس الأميركيون في الساعات الأخيرة ضغوطا قوية جدّا وبصورة غير مباشرة على عباس، تولاها بالنيابة عنهم بعض الدول الخليجية وقادها القطريون عبر وزير خارجيتها حمد بن جاسم، أما الطلب الى عباس فبات معروفا: «التراجع عن تقديم طلب العضوية الى مجلس الأمن الدولي والتوجه الى الجمعية العامّة للأمم المتّحدة». وقد طرحت على عباس مجموعة حلول بديلة رفضها كلّها مجاهرا بإصراره على تقديم طلب العضوية الى الأمين العام ومنه الى مجلس الأمن ولو كانت النتيجة «الفيتو» الأميركي».
ومن «الحلول البديلة» التي طرحت على عباس، على سبيل المثال لا الحصر، الطلب إليه الذهاب الى الجمعية العامة وتبرير تغييره وجهة نظره بوجود مبادرة عربية جديدة في هذا الخصوص إضطر الى القبول بها… ولكن عباس رفض وذهب بعض الوزراء الى الجزم بأن عباس لن يسلك سبيل مجلس الأمن الدولي، وهذا ما دحضه الرئيس الفلسطيني بشدة، بحسب دبلوماسي فلسطيني رفض الكشف عن اسمه.

وبدا كثر من الدبلوماسيين العرب محبطين جدا من التراخي العربي، وخاصة الخليجي (القطري أكثر تحديدا) إزاء دعم عباس في خطوته أمام المنظمة الدولية، ودلّ ذلك على حجم الضغوط الأميركية التي مورست ورضخت اليها أطراف عربية عدة.
وعبّر وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور عن حزنه الشديد مما وصلت إليه الأمور، وقال لـ«السفير» إن الموقف العربي «هو في تراجع للأسف الشديد، فمنذ عام 1948 ولغاية اليوم والعرب لا يتمسكون بموقف يستمرون ثابتين عليه. بل نرى أن التراجع في المواقف هو الأساس». ويتذكر منصور «اجتماع القمة في الخرطوم عام 1967 حيث حملنا اللاءات الثلاث (لا للصلح لا للتفاوض لا للاعتراف) ولم نصمد عليها، وها هي إسرائيل تحمل علينا اليوم لاءاتها من عدم التخلي عن القدس الى منع عودة اللاجئين الفلسطينيين والإستمرار في بناء المستوطنات وتغيير الديموغرافيا وصولا الى عدم القبول بدولة فلسطينية مستقلة تتمتع بالسيادة الكاملة». أضاف منصور: «نحن بحاجة الى موقف عربي ثابت نسير فيه ونفرضه بحكم ما نملك من مقومات في ما لو اجمع كل العرب على هذا الموقف الواحد. واتصور أنه آن الأوان أن نخرج من البازار السياسي الذي تضعنا دول المصالح فيه وألا نكون ردّة فعل للآخرين».
طريق شائك لطلب العضوية  
من جهة ثانية، قال دبلوماسي لبناني بارز لـ«السفير» بأن مسار طلب عباس المتوقع هو أن يحوله بان كي مون فورا الى رئاسة مجلس الأمن الدولي التي تحيله بدورها الى المجلس للتشاور فيه. ولن تبرز ردّة فعل المجلس إلا في الأسبوع المقبل بسبب وصولنا الى نهاية الأسبوع».
وأضاف الدبلوماسي الذي رفض الإفصاح عن اسمه بأن «سيناريوهات عدّة يمكن إدراجها حول السلوك المتوقع لأعضاء مجلس الأمن، فقد يعمدون الى تأليف لجنة لدراسة الطلب، وهذا الأمر يتطلب توافق الأعضاء، وقد تعمد إحدى الدول مثلا الى طلب التصويت على تشكيل اللجنة، علما بأن القرار الإجرائي (أي تشكيل اللجنة) لا يتطلب موافقة الدول الخمس الدائمة العضوية، أيضا قد يطلب الأميركيون مثلا معلومات إضافية تذكر في الطلب قبل إنشاء أية لجنة، كذلك قد يدور نقاش طويل في حال وجود نية للعرقلة عن الجهة الدولية التي سترأس هذه اللجنة، ثم من يحدد مسارها وآلية عملها وهكذا دواليك».
ويختم الدبلوماسي المذكور قائلا: «إذا لم تنوجد إرادة سياسية لإمرار الموضوع، فسيصار الى تأخيره طويلا، وثمة اساليب عرقلة عدة قد تتبعها الدول متذرعة بأسباب واهية، بينما إذا وجدت النية السياسية يتم إقرار طلب العضوية بيوم واحد فحسب كما حصل لدولة جنوب السودان».
ويشير دبلوماسي أوروبي متابع للمسار الفلسطيني في الأمم المتحدة الى أن «السلطة الفلسطينية تخلت منذ عملية اوسلو للسلام عن منظمة الأمم المتحدة وخطّت لذاتها مسارا مستقلا للعلاقات مع واشنطن وإسرائيل، ولم تعد تهتم بالمنظمة الدولية إلا من باب المظهر و«السياحة السياسية» فحسب، واليوم تعود السلطة الفلسطينية الى مرجعية الأمم المتّحدة بعد غياب 20 عاما، ما يحتاج الى جهد كبير في إعادة صوغ العلاقات مع مصادر القوة ومفاتيح الهيئة الأممية، وهذا ليس بالأمر السهل، لأن مسار الطلب الفلسطيني يحتاج الى متابعة داخلية حثيثة في دهاليز مكاتب الهيئة الأممية وفي مكتب الأمين العام وهذا ما ليس متوافرا لهذه السلطة اليوم». 

السابق
الراعي وصل الى صور
التالي
في سوريا: نشتمّ الموت.. لا نراه!