رصد لمواقف الراعي في الجنوب

على رغم ان المواقف التي اطلقها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من العاصمة الفرنسية اخذت حيزا كبيرا من الردود، فان هذه الردود لم تستنفد فعلا بعد مضي اسابيع قليلة على الزيارة بل على العكس من ذلك لا تزال تثير الكثير من التفاعلات المختلفة في الاوساط السياسية. ويسود اعتقاد واسع بان مواقف الراعي قد تستقطب المزيد من هذه التفاعلات مع محطات اخرى مرتقبة محليا في زيارته المتوقعة الى الجنوب التي تبدأ اليوم ومن ثم في ضوء لقائه المفتي محمد رشيد قباني من ضمن القمة الروحية التي تعقد الثلثاء المقبل، وهو لقاء استيعابي لما احدثه كلام البطريرك لدى الطائفة السنية من رد فعل لم يكن ايجابيا. وقد شكلت القمة التي عقدها البطريرك الراعي مع البطريرك اغناطيوس الرابع هزيم في البلمند يوم الثلثاء في 20 الجاري والبيان المشترك الذي صدر عن هذه القمة وما تضمنه من نقاط ايجابية عنوانا امل مراقبون سياسيون كثر على مستويات مختلفة ان يكون الاطار الجديد والواقعي الذي يحكم تحرك القيادات الروحية المسيحية كما سواها باعتبار هذه النقاط استندت الى بيان مكتوب ومدروس على الارجح على نحو يختلف الى حد كبير عن المواقف التي تستدرجها وسائل اعلامية او مناسبات اجتماعية او ما شابه. اذ هي ارتكزت الى ثوابت سياسية وطنية تحظى باجماع وطني وتبقي هذه القيادات في منأى عن الدخول في معمعة السياسة في تفاصيلها بين مد وجزر المصالح السياسية والشخصية وحسابات الافرقاء السياسيين وتوازناتهم او عدمها.

فالبطريرك الراعي يستعد ايضا لزيارة يقوم بها مطلع الشهر المقبل للولايات المتحدة وتشمل العاصمة واشنطن من ضمن ولايات اخرى يتوقع ان يلتقي خلالها سيد بكركي الجاليات المسيحية اللبنانية في زيارة تتسم بطابع راعوي اساسا من دون استبعاد ان تحصل لقاءات مع مسؤولين اميركيين ايضا. والولايات المتحدة ليست على غرار فرنسا بالنسبة الى اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا ولا تتسم العلاقة معها بالحرارة او الود اللتين طبعتا علاقة فرنسا تاريخيا بلبنان من حيث حتمية تأمين لقاء مع الرئيس الاميركي باراك اوباما مماثل للاستقبال الذي اقامه الرئيس نيكولا ساركوزي للبطريرك الراعي على رغم ان هناك من يرى ان الامر قد يكون مهما وضروريا من ضمن المعطى اللبناني والاقليمي وما يتصل بوضع المسيحيين في الشرق ومن يسعى من اجل حصول ذلك ومن يرى ان الامر لا يكتسب اهمية كبيرة للاسباب الانفة علما ان لقاءات على المستوى السياسي وعلى مستوى مراكز ابحاث ودراسات مهمة قد تساعد على تحفيز الولايات المتحدة وسواها على التفكير من خارج جدول الابحاث التقليدي للقضايا التي يتم تناولها كون هذه المراكز هي نواة او جوهر القرار السياسي الاميركي خصوصا.  
الا ان الامور تأخذ ابعادا مختلفة في ضوء المواقف الاخيرة للبطريرك الراعي ويخشى كثر ان تترك اثرا. اذ ان هناك احتراما خارجيا كبيرا للرأي الذي تبديه الكنيسة المارونية في لبنان خصوصا في ما قد يتصل بنظرتها او بمخاوفها على الاقليات في المنطقة في ضوء الانتفاضات في الدول العربية.

وهذه المخاوف مشروعة ولم تأخذ حظها من البحث والتفكير في اي من الدوائر الغربية حتى الان لان المسألة لم تطرح على اي نطاق من هذه الزاوية. وقد يكون مفيدا جدا الاضاءة على ما قد تغفل عنه دول كثيرة في ضوء انشغالات اهم وعدم رؤية واضحة للامور و هناك استعداد طبيعي غربي اميركي واوروبي للمساعدة في فهم ذلك وتفهمه وربما محاولة الاجابة او ملاقاة هذه المخاوف عبر تفكير مشترك لايجاد سبل لازالتها. لكن الدوائر الديبلوماسية تفضل عادة ان يتم تداول الامور على طاولة البحث في الاجتماعات المغلقة على اي مستوى كان باعتبار ان ليس ضروريا على الاطلاق ان تكون وجهات النظر متقاربة او متشابهة بل ان من المهم ان تكون متضاربة ومتناقضة بحيث يمكن اطلاع الطرف الاخر، ايا يكن، على ما يجهله. وهناك انفتاح خارجي بديهي اميركي او سوى ذلك على وجهات نظر مشرقية ترى الامور من منظار مختلف للرؤية الغربية. لكن ما يبحث على الطاولة امر يختلف كليا عما قد تكون عليه المواقف التي يتم التعبير عنها علنا او يجب التعبير عنها اعلاميا امام الرأي العام المحلي او الغربي.

وهو قد يكون احد اسباب سوء الفهم الذي احدثته المواقف التي اطلقها البطريرك الماروني من باريس. اضف الى ذلك ان عرض الامور من وجهات نظر قائليها قد يحمل من يعرضها تبعة تبني وجهات النظر هذه في ما قد يحمله مسؤولية تبرير او الدفاع عن منطق قد لا يكون صحيحا، وفق ما يرى كثر ان البطريرك الراعي فعل بالنسبة الى عرض ما يقول "حزب الله" في تبرير سلاحه واستمرار هذا السلاح في حين ان هذا المنطق لا يجد اي صدى ايجابي له في الخارج بل على العكس من ذلك.

لذلك تتسم الخطوات والتحركات التالية للبطريرك الراعي باهمية كبيرة على نحو مختلف عما كانت عليه الاسابيع القليلة الماضية خصوصا انه قد اتيح لسيد بكركي الاستماع الى وجهات نظر وردود فعل مختلفة على مواقفه.  

السابق
حزب الله: خطاب اوباما تضمن انحيازا مطلقا للكيان الصهيوني في موضوع إعلان الدولة الفلسطينية
التالي
بنك أدمغة يخطّط لمستقبل المسيحيّين في الشرق