هل يشكّل التمويل المجلسي تشريعا للمحكمة ولقرارات السنيورة؟

 يتعاطى «تيار المستقبل» وحلفاؤه في «14 آذار» مع موضوع تمويل المحكمة الدولية كبند ساقط حتما في مجلس الوزراء، نظرا لاختلال الميزان بين اكثرية تعارضه واقلية تؤيده، ولذلك بات يلوّح منذ الآن بأن نوابه عازمون على تقديم اقتراح قانون معجل مكرر لا يرمي الى الاجازة للحكومة بفتح اعتماد لدفع حصة لبنان في تمويل المحكمة، بل يرمي الى إلزام الحكومة دفع تلك الحصة والمتأخرات بلا ابطاء.
ويقول أحد نواب «المستقبل» ان الاقتراح المذكور جاهز بمادته الوحيدة واسبابه الموجبة، ولكن ليس الآن أوان تظهيره وطرحه». وعلى ما يقول بعض العارفين، فإن استراتيجية تيار المستقبل حيال هذا الامر، ترتكز على تحيّن لحظة سقوط تمويل المحكمة في مجلس الوزراء، ليسارع الى التقاط المبادرة وطرح اقتراح التمويل في الوقت المناسب، ضامنا تمريره في جلسة تشريعية لمجلس النواب على اكتاف اكثرية نيابية من ضمنها نجيب ميقاتي نفسه ووليد جنبلاط وكتلته.
ويعلق تيار المستقبل املا كبيرا على الاقتراح الذي يرتكز على بعد تمويلي بقدر ما يختبئ في داخله هدف ثأري، يسعى من خلاله الى الآتي:
– تحقيق نصر معنوي يمكنه من تعويض كل الانتكاسات السياسية التي تلاحقت خلال الاشهر السبعة الاخيرة وخاصة بعد اقالة زعيمه سعد الحريري من رئاسة الحكومة.
– إعادة المبادرة ولو جزئيا، الى «14 اذار»،، واعادة جدولة اجندة الاولويات الداخلية بما يعيد بند المحكمة الى رأسها كعنوان جديد قديم لتعبئة الجمهور وتحريضه.
– إلباس نجيب ميقاتي قميص فشل التمويل، والاستثمار عليه لاصابة رئيس الحكومة في صميم معنوياته وكسره سياسيا، وتقليص، ان لم يكن شطب مساحة حضوره التي توسعت منذ تكليفه رئاسة الحكومة، ومحو نقاط الربح السياسي والوطني والسني التي راكمها ميقاتي في الاشهر الاخيرة على حساب تيار المستقبل، خاصة في الشمال وطرابلس.
– إرباك الاكثرية الحاكمة، وفرزها بين مؤيد للتمويل وبين معارض له، بما يؤدي تلقائيا الى اهتزاز الثقة بين مكونات الحكومة.
هناك من يقول داخل تيار المستقبل ان افضل توقيت لتقديم الاقتراح المعجل المكرر، هو اثناء انعقاد جلسة تشريعية، وليس قبل ذلك خشية ان يطرأ ما يعيق او يعرقل او يمنع وصوله الى الهيئة العامة لمجلس النواب.. والهدف من ذلك هو إحراج رئيس المجلس نبيه بري، ذلك ان اقتراح التمويل سيضعه بين حدين احلاهما مرّ: حد مراعاته «حزب الله» الرافض لهذا التمويل، وحد مراعاته النظام الداخلي لمجلس النواب، وما بين الحدين سيحكمه النص بحيث لن يستطيع مراعاة الحزب.. كما لن يستطيع تجاوز نظام المجلس بل سينحاز اليه، خاصة وان النظام الداخلي يحدد آلية التعاطي مع الاقتراحات المعجلة المكررة، والتي توجب على رئيس المجلس، كما يقول معدو الاقتراح، الالتزام بها وتطبيقها عبر طرح الاقتراح على الهيئة العامة لكي تقرر هي مصيره كما حصل في الكثير من الجلسات التشريعية حيال عشرات الاقتراحات المعجلة المكررة.
في المقابل، هناك من يؤكد ان تلك الخلفية الثأرية التي ينطلق منها معدو اقتراح تمويل المحكمة في تيار المستقبل، قد لا تجد سبيلا الى صرفها على ارض الواقع، كما قد لا يكون لها اي مفعول احراجي لرئيس المجلس لسببين اساسيين:
الاول، ان النظام الداخلي لمجلس النواب يعطي رئيس المجلس صلاحية استنسابية في التعاطي مع الاقتراحات المعجلة المكررة، وتؤكد على ذلك المادة 109 من النظام التي تنص على ما حرفيته: «للرئيس طرح الاقتراح او المشروع المعجل المكرر على المجلس في اول جلسة يعقدها بعد تقديمه حتى ولو لم يدرج في جدول الاعمال». واذا كانت الصلاحية الاستنسابية تجيز نصا وصراحة للرئيس «ان يحيل»، فإنها ضمنا تجيز له «الا يحيل». ومعنى ذلك ان اقتراح التمويل ان تم التقدم به في اي وقت، لن يشكل عامل ضغط او عامل احراج.
الثاني، حتى ولو افترضنا عدم وجود معوقات امام الاقتراح، فانطلاقا من مبدأ التعاون والتنسيق بين السلطات، درجت رئاسة مجلس النواب منذ العام 1992 على العمل بـ«اتفاق ادبي» يقوم على اخذ رأي الحكومة في كل ما يرتب اعباء على خزينة الدولة، ولأنه اقتراح يرمي الى الإنفاق، فإن إمكانية أن يحيله بري من هذا الباب الادبي الى الحكومة لابداء رأيها فيه، كبيرة وأكثر من واردة، فكيف اذا كان الاقتراح قائما على خلفيات سياسية منبثقة من الانقسام السياسي الحاد ويرتب اعباء كبرى وارتدادات على الاستقرار العام في البلد؟
ولكن السؤال الكبير: ماذا يعني وصول اقتراح تمويل المحكمة الى الهيئة العامة لمجلس النواب، وما هو حجم التداعيات السياسية وغير السياسية التي سيفرضها اقراره؟
ـ أولا، لا يستطيع مجلس النواب ان يخرج عن قاعدة أرساها بري منذ سنوات في التعامل مع تهريب المحكمة الى مجلس الأمن ومفادها أن «ما بني على باطل، هو باطل»، وبالتالي فان اقرار التمويل يعني التشريع غير المباشر للمحكمة ولكل ما صدر عن حكومة فؤاد السنيورة البتراء على حد تعبير الرئيس بري، الذي رفض فتح الباب امام كل المشاريع التي أقرتها تلك الحكومة ومنها الموازنات لعدم ورودها الى المجلس وفق الاصول الدستورية والميثاقية.
ـ ثانيا، ان مجرد طرح الاقتراح على الهيئة العامة لمجلس النواب، يعني اقراره، كونه سيحظى بتأييد اكثرية نيابية قائمة على مثلث 14 اذار ـ وليد جنبلاط ـ نجيب ميقاتي ومعه محمد الصفدي وأحمد كرامي.
ـ ثالثا، ان اقرار التمويل، معناه الموافقة على المنحى التسييسي الذي تنتهجه المحكمة الدولية، وعلى التغطية على الشهود الزور وعلى اعطاء صك براءة لكل المنحى الذي قاد اولا الى اتهام سوريا والى سجن الضباط الاربعة لاربع سنوات وأخيرا الى اتهام حزب الله ويمهد لتوسيع مروحة الاتهام لتعود مجددا الى سوريا وتشمل ايران.
ـ رابعا ان اقرار التمويل، وتشكل اكثرية نيابية مؤيدة له في مجلس النواب، معناه زعزعة الاساس الذي تقف عليه الحكومة الميقاتية، نظرا لما سيرخيه من تداعيات وارباك بين مكونات الاكثرية، وهذا غاية ما يتمناه تيار المستقبل ويسعى إليه مع حلفائه. 

السابق
هل من “قطبة مَخفيّة” بين الراعي و”حزب الله”؟
التالي
الأزمة السوريّة تجاوزت خيارات التسوية