هل من “قطبة مَخفيّة” بين الراعي و”حزب الله”؟

 يرتدي اللقاء المسيحيّ في بكركي طابعاً بالغ الأهمّية كونه الأوّل من نوعه من حيث جدول الأعمال والتوقيت والظروف الاستثنائية على مستوى البيت الداخلي، ويختلف عن كلّ اللقاءات السابقة التي شهدها الصرح البطريركي كونه يتزامن مع عاصفة سياسيّة محلّية وإقليميّة أثارتها مواقف البطريرك بشارة الراعي في باريس منذ أيّام وغطّت بتردّداتها على مجمل الملفّات الجدليّة الراهنة، وفي مقدّمها قانون الانتخاب الذي هو محور اجتماع الزعماء المسيحيّين اليوم.

ووسط موجة من التحفّظات والتساؤلات من مسيحيّ 14 آذار حول مغزى وأهداف الموقف المتقدّم للبطريرك الراعي الذي قارب فيه وبشكل غير مسبوق قضيتَي سلاح "حزب الله" والثورة الشعبيّة في سوريا، فلا يمكن إغفال مسارعة الحزب لتلقّف السجال حول مواقف البطريرك وتبنّي خطابه سواء من خلال الرعاية الميدانيّة لزيارته إلى البقاع الأسبوع الماضي، أو عبر العودة إلى مفردات التعايش والمساواة وحوار الحضارات بين المسيحيّين والمسلمين في لبنان، كما في الشرق. وبالتالي فإنّ توظيف الطروحات الانفتاحية لبكركي في السياق الداخلي والإقليمي، قد أوحى، وبحسب أوساط سياسيّة متابعة، بوجود ما يشبه "القطبة المخفيّة" بين البطريرك الراعي و"حزب الله"، سيّما وأنّ التناغم خلال الزيارة الرعويّة لمنطقة بعلبك ـ الهرمل كان جليّاً، وشكّل أكثر من رسالة إلى من يعنيهم الأمر، وفي مقدّمهم المشاركين في اجتماع بكركي اليوم.

ولفتت الأوساط إلى أنّه عشيّة توجّه البطريرك الراعي إلى منطقة البقاع، برز خطاب معتدل من قبل "حزب الله" إزاء دور وموقع لبنان بجناحيه المسلم والمسيحيّ، وهو خطاب كانت تخلّت عنه قيادات الأكثرية في الفترة الماضية واستعادته من خلال تبنّي مقاربة بكركي لدور المسيحيّين اللبنانيّين مستقبلاً. وأضافت هذه الأوساط، أنّ كلام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد خلال ندوة تلفزيونيّة مع الزميل كريم الجميّل حول "لقاء الحضارات" ضمّته إلى السفير فؤاد الترك، والناطق باسم "اللقاء الكاثوليكي" الدكتور زياد صليبا، أعاد إلى الذاكرة مفردات التعايش والانفتاح والمساواة بين اللبنانيّين، وخصوصاً عندما أكّد على أنّ "التعايش قدَر وليس خيارا في لبنان"، وبالتالي شكّل علامة فارقة في خطاب الحزب الذي لازمته صفة الحدّة والتلويح بالتصعيد على أكثر من مستوى طيلة السنوات الماضية. كذلك فإنّ إشارة النائب إلى التنوّع الطائفيّ ودور لبنان "الرسالة" مهما تعرّض العالم العربي للأزمات، أتت بمثابة الردّ المباشر من الحزب، الذي تَفادى الانخراط في ردود الفعل السريعة والمباشرة على مواقف البطريرك الراعي حول سلاحه خصوصاً، وتروّى معتمداً التعبير غير المباشر عن مشاطرته للراعي "هموم" المسيحيّين في لبنان، كما في سوريا، ولكن من دون الدخول في أيّة سجالات حول الشقّ الثاني من تصريح الراعي حول السلاح الذي اعتبر وجوده "غير منطقي" إلّا أنّه منطقيّ طالما إنّ الاحتلال الإسرائيليّ مستمرّ للأرض اللبنانية.

وتجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أنّ النائب رعد تبنّى تعابير البطريرك الراعي عندما وصف المقاومة بأنّها ردّ فعل على العدوان، واتّهم أطرافاً محلّية وخارجية باستعمال سلاح المقاومة كعامل في الصراع الإقليمي الحاليّ.

في المقابل، فإنّ "كرة الثلج" الحوارية التي بدأت مع زيارة الراعي لفرنسا قد باتت في ملعب الحزب على حدّ قول الأوساط التي توقّفت عند رفض النائب رعد كلّ ما يُساق ضدّ الحزب من اتّهامات بالتفرّد، واعتباره أنّ كلّ الطوائف تخشى التهميش والإقصاء، وليس فقط المسيحيّين، وذلك في معرض ردّه على تأكيد السفير الترك على معادلة لقاء الحضارات في لبنان والمنطقة، واقتراح الدكتور صليبا بترجمة هذا الشعار محلّياً عبر قانون انتخابي عصريّ. وأضافت أنّ انفتاح بكركي الملحوظ على عناوين الالتقاء مع الآخر سيؤدّي في نهاية المطاف إلى إقناع الأكثريّة السابقة التي رفضت كلّ الدعوات "الملتبسة" إلى الحوار منذ تشكيل الحكومة الحاليّة، مع العلم أنّه الهدف الأساسيّ للحزب لنزع صفة "أللون الواحد" عن السلطة الحاليّة، وهو ما سبق أن تطرّق إليه النائب رعد، وفي الندوة نفسها، عندما توقّع استجابة فريق 14 آذار لدعوته للجلوس إلى مائدة الحوار الوطنيّ في قصر بعبدا قريباً. 

السابق
“ويكيليكس” عون: العالم الإسلامي لا يزال متمسّكا بالقرن الرابع عشر
التالي
هل يشكّل التمويل المجلسي تشريعا للمحكمة ولقرارات السنيورة؟