نقاط القوة والضعف في خيار أيلول

 ليس خيار أيلول الفلسطيني سوى معركة في حرب تخوضها السلطة الوطنية ومنظمة التحرير على اربع جبهات في وقت واحد. الأولى هي الذهاب الى الأمم المتحدة للحصول على قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 4 حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وقبول عضوية الدولة، ولو تحت الاحتلال، في المنظمة الدولية، والثانية هي استمرار العمل في بناء مؤسسات الدولة حسب الخطة التي يتولى تنفيذها رئيس الحكومة سلام فياض وتلاقي الثناء والرعاية من دول ومنظمات دولية عدة. والثالثة هي تحضير الشعب لحراك سلمي نوعي في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، والرابعة هي الاستعداد لمعاودة التفاوض المباشر مع اسرائيل على أسس واضحة وحسب مرجعية مؤتمر مدريد، وهو ما ترفضه حكومة نتنياهو وتعرض التفاوض من دون أسس على طريقة التفاوض من أجل كسب الوقت وفرض المزيد من الأمر الواقع بما يجعل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة السيدة مهمة مستحيلة.

ذلك ان ما فرض الذهاب الى الأمم المتحدة هو توصل السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس الى الاقتناع بما اختصره الدكتور نبيل شعث بالقول: المفاوضات عبثية، والمقاومة مستحيلة. وليس سراً ان التنظيمات الفلسطينية جميعاً متفقة على القسم الأول من المعادلة، ومختلفة حول القسم الثاني، بحيث ترى منظمات ان المقاومة بالسلاح ممكنة وضرورية، لا مستحيلة، وهي تتصور ان خوف اسرائيل من الخطوة الفلسطينية مبالغ فيه لمعرفة العدو ان ولادة الدولة على الارض تبقي في يده، وان كل ما تفعله ولادتها على الورق في الأمم المتحدة هو زيادة العزلة الدولية لاسرائيل التي خسرت تركيا وتتخوف من خسارة مصر ويزداد قلقها من التحول في المواقف الأوروبية لمصلحة حل الدولتين.
لكن نقطة الضعف في الموقف الفلسطيني برغم التضامن العربي والاسلامي والدولي مع القضية، هي تجميد المصالحة بين فتح وحماس أو التلكؤ في تنفيذ الخطوات العملية المتفق عليها في القاهرة. اما

الجدار الذي ينتصب أمام السلطة، فانه الموقف الأميركي المعلن باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن لمنعه من اصدار توجيه الى الجمعية العمومية تفتح باب الاعتراف بالدولة الفلسطينية والموافقة على ان تصبح العضو ال 194 في الأمم المتحدة. وهو أىضاً التهديد الأميركي بقطع المساعدات المالية وغير المالية، وانزال عقوبات محددة بالسلطة. غير ان السلطة ذاهبة الى النهاية في المغامرة وتحمل العقوبات، وهي تعمل على الخيار الثاني، اي الذهاب الى الجمعية العمومية للحصول على موافقة مضمونة بأكثرية الأصوات لرفع مستوى التمثيل الفلسطيني من مقعد مراقب تابع لمنظمة التحرير الى مقعد مراقب تابع لدولة.

والتحدي بعد ذلك هو العمل بنجاح في المعارك الثلاث الباقية على جبهات الحرب: اكمال مؤسسات الدولة، الحراك الشعبي ضد الاحتلال، والضغط لمعاودة التفاوض على أسس واضحة بناء على شعار الرئيس عباس لا بديل من التفاوض سوى التفاوض. لكن حكومة نتنياهو مصرة على التعنت، فالربيع العربي يخيفها، والدنيا تتغير من حولها، على حد ان أصواتاً بدأت ترتفع في الداخل للمطالبة بالتفاوض الجدّي الذي ينتهي بتسوية. وهي اي التسوية العامل الوحيد الذي يفك عزلة اسرائيل ويعيد علاقاتها مع تركيا ويفتح أمامها أبواب العالمين العربي والاسلامي ويخرج أوروبا من الاحراج بين اسرائيل والفلسطينيين.

ولا أحد يعرف كيف تتطور الأمور في اسرائيل، سواء رضخت حكومة نتنياهو او وجدت نفسها امام انتخابات مبكرة او تبدل في التحالفات يقود الى حكومة جديدة. لكن خيار ايلول الفلسطيني يستحق المغامرة، ولو بالصدام مع اميركا. فالسؤال هو: الى اي حد تستطيع اميركا الاستمرار في الوقوف ضد العرب والمسلمين وبقية العالم لمصلحة اسرائيل؟ والسؤال الأخير هو: الى اية درجة يستطيع الفلسطينيون والعرب طي صفحة المقاومة المسلحة ضد الاحتلال والهرب من خيار الحل العسكري الكلاسيكي؟ 

السابق
سورية والحوار… لكن مع من؟
التالي
تركيا.. حضور.. ودور.. وتحد