طهران.. الإمامة وأوهامها!

 في هذه الأيام، بات أكثر المواضيع سخونة في مكاتب المستشارين هو «الربيع العربي»، الكعكة التي يأمل كل طرف في التهام شريحة منها.
وللمرة الأولى منذ فترة طويلة، يبدو العرب، أو على الأقل بعضهم، وكأنهم قد بدأوا محاكاة ناجحة. إذن، لماذا لا نحاول لعب دور في هذه الثورات بما يأتي في صالحنا؟
في البداية، حاول الخمينيون في طهران تجاهل الأمر برمته. تبدو الانتفاضات في تونس ومصر محاكية لما قد حدث في إيران عام 2009 حينما قاد الشباب الماهرون في استخدام تكنولوجيا المعلومات حركة ضد إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد.
حينما بدا واضحا أنه لم تخب جذوة الانتفاضات العربية، غيرت الدعاية الخمينية موقفها. فقد وصفت الانتفاضات العربية بأنها نتاج «مؤامرات صهيونية وأميركية» تهدف إلى أن تحل محل «التابعين القدامى».
وبحلول شهر يونيو (حزيران)، تحول موقف طهران مرة أخرى. والآن، بات الاتجاه الرسمي يدعم الثورات في كل بقاع العالم العربي باستثناء سوريا. وعلى الرغم من ذلك، بقي السؤال هو: ما الذي أراده العرب؟
لم تتمكن وسائل الإعلام الرسمية من إخبار جمهورها بأن العرب أرادوا حقوق الإنسان والديمقراطية. يبدو ذلك مشابها للدوافع والمبررات التي ثار الإيرانيون لأجلها في عام 2009.
هل أراد العرب الوحدة؟
مجددا، لن تروق الفكرة لطهران، وطالما كانت القومية العربية، في صورتها الحديثة التي أطلقها جمال عبد الناصر، مضادة للسياسة الإيرانية.
ماذا لو أراد العرب نظاما «إسلاميا»، أيا كان ما يعنيه ذلك؟
لن تشعر طهران بالارتياح تجاه ذلك التحليل أيضا. فمعظم «الإسلاميين» العرب من السلفيين، ومن ثم، فهم أعداء النسخة الإيرانية من الإسلام.
وقد كان الموضوع مثار جدل في إطار «قاعة النجوم» التي تدير الجمهورية الإسلامية تحت قيادة «القائد الأعلى» علي خامنئي.
وكانت نتيجة ذلك الجدل بسيطة، ألا وهي أنه يجب أن تدعي الجمهورية الإسلامية أن الثورات العربية مستلهمة من تجربة إيران في عام 1979 عندما استولى الملالي على السلطة، بالتحالف مع الشيوعيين.
وبمجرد أن وضعت تلك الاستراتيجية، تم اتخاذ العديد من الخطوات.
أولا، سمح لوسائل الإعلام بإظهار الثورات العربية، باستثناء الثورة في سوريا، بصورة إيجابية. بعدها، بدأوا الترويج لخامنئي كـ«إمام» وليس مجرد آية الله. وكان مدلول هذا أن إيران لم تعد «جمهورية» مثلما يؤكد اسمها، وإنما «إمامة». ومن شأن هذا التغيير أن يمكن خامنئي من ادعاء أنه قائد المسلمين بمختلف أنحاء العالم، شاءوا أم أبوا.
وكانت الخطوة التالية هي بناء مؤسسة لترويج ذلك الادعاء. وبذلك، أقيم «مؤتمر الصحوة الإسلامية» في طهران هذا الأسبوع.
ووفقا للمنظمين، جذب المؤتمر 600 «باحث وقائد سياسي» من 53 دولة. وقد افتتحه خامنئي بخطبة قدم فيها الإمام الراحل روح الله الخميني على أنه رائد «الصحوة». وكان مدلول ذلك هو أنه، بوصفه خليفة للخميني، يجب أن يعامل باعتباره «إمام الأمة».
ومع ذلك، فإن ادعاء أن العرب قد قاموا بثورة للمطالبة بأن يكون خامنئي «إمامهم» ما زال بحاجة إلى سياق منطقي. ولكن ماذا يمكن أن يكون ذلك السياق؟
من الواضح أن المشاركين لم يستطيعوا الاتفاق على القضايا العقائدية. بل إن بعض الضيوف لم يكونوا حتى مستعدين للصلاة إلى جانب مضيفيهم الإيرانيين. كان من المستحيل الادعاء بأن جميع المسلمين أرادوا العيش تحت «ولاية الفقيه» أو حكم الملالي، مثلما يحدث في إيران.
إذن، ما الذي يمكن فعله؟ وجد الحل في الملاذ الأخير، وهو «معاداة الأمركة». ومن ثم، تحول «مؤتمر الصحوة الإسلامية» إلى تجمع مناهض لأميركا يحتفي بـ«التحقير من شأن أميركا» من جانب الخميني (مع قدر من النقد اللاذع لـ«الصهيونية»).
وواتت علي أكبر ولايتي، وزير خارجية سابق ومستشار السياسات الخارجية الحالي لدى «القائد الأعلى»، شجاعة ادعاء أن «الربيع العربي» كان مدفوعا بأكمله بكراهية «الشيطان الأكبر»، مثلما يطلقون على أميركا.
ومع ترسيخ معاداة الأمركة كآيديولوجية للحركة، تم خلال المؤتمر سماع خطب لاذعة لمجموعة من الشخصيات. وشملت هذه الشخصيات شيوعيين متقدمين في العمر، عادة ما يجتمعون في المقاهي الثقافية في باريس، والمشاهير الذين استقوا فكرة متاجرهم من «أشكال المعاناة في فلسطين».
ولم يكن المشاركون الحقيقيون في «الربيع العربي» موجودين. وأتى اثنان من المنفيين من الإخوان المسلمين من لندن. كما حضر أيضا شيوعي تونسي كان قد عاش في فرنسا منذ عام 1960. وشارك أيضا اثنان من النشطاء الحوثيين من اليمن. وغاب الثوار السوريون عن الحضور بسبب إنكار خامنئي الثورة في سوريا.
وبنهاية المؤتمر، بدا من الواضح أن ما جمع المشاركين لم يكن الإسلام أو حب لقب «الإمام» الذي منحه خامنئي لنفسه، وإنما معادة الأمركة.
وبصرف النظر عن اعتبار منظمة التعاون الإسلامي «وسيلة فعالة»، أعلنت طهران عن إنشاء كيان منافس هو: «حركة الصحوة الإسلامية». وسيكون لهذا الكيان الجديد أمانة عامة يرأسها ولايتي.
وستضم الأمانة العامة 12 عضوا. ومن بين الأعضاء المحتملين رئيس الوزراء العراقي الأسبق إبراهيم الجعفري، ومصطفى عثمان إسماعيل مستشار الرئيس السوداني، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني، ورمضان عبد الله الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.
ومن بين الأعضاء الآخرين المحتملين علي ناصر محمد الرئيس الشيوعي السابق لجمهورية جنوب اليمن الديمقراطية، والمناضل اليمني عدنان جنيد، والناشط الأوزباكستاني محمد صالح، وكمال هلباوي رجل الأعمال المصري المقيم في لندن.
وكانت الخطوة التالية هي الترويج للمؤسسة الجديدة عبر «العالم العربي». وأوكلت لأحمدي نجاد تلك المهمة. وعلى الرغم من ذلك، فإن آماله سرعان ما تحطمت على صخرة الواقع. فقد أشارت ليبيا وتونس ومصر إلى عدم استعدادها لاستقباله في طريق عودته من اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وكانت سوريا متحمسة لاستقباله، لكنه رفض الذهاب إلى هناك. وفي النهاية، سيقوم بزيارة دولتين هما موريتانيا والسودان، آخر دولتين عربيتين لا يزال بهما نظام عسكري.
وعلى مدار الأسابيع الماضية، قام قادة من 40 دولة، من بينهم الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني ووزير الخارجية الروسي ورئيس الوزراء التركي، بزيارة تونس وليبيا ومصر لإظهار التضامن مع «الربيع العربي».
يبدو أن الأشخاص الوحيدين غير المرحب بهم هم قادة «الإمامة» في إيران.
لقد جانب أحمدي نجاد الصواب عندما رفض الذهاب إلى دمشق، في الوقت الذي كان بمقدوره ذلك. وربما عما قريب، لن يكون
 

السابق
أوباما والكرامة العربية
التالي
حيث نجحت تركيا وفشل العرب والإيرانيون…