سوق التفاهم: مسرح تفاعلي يستنطق الجمهور في منشية النبطية

 تجرأوا فتكلموا. هم شباب يحلمون ببلد راق، خال من شوائب و"عنجهية" السياسة السوداء.. جرأتهم أفرغوها في مشهدية مسرحية من نوع جديد: "سوق.. التفاهم"، وهو عنوان مسرحية تفاعلية واقعية، أُقيمت في منشية النبطية، على مرأى من الناس كلهم…

هناك افترش الشبان الخمسة: "همسة، سجى، محمد، سيلفانا، رواد وعلي"، بسطاتهم المتنوعة، الخارجة عن إطار بسطات سوق الإثنين، بسطات بضاعتها: الفساد، العمالة، البطش، التزوير، البلطجة، وغيرها الكثير.

في هذا السوق، قال الشبان كلماتهم القاسية لكن الحقيقية. قرأوا أفكارهم بأصوات عالية، عبرُوا عن هواجسهم، تخوفهم، لم يهبوا لا زعيما ولا سياسيا ولا حتى قوى أمنية، المهم "هو أن نتكلم، عن مخاوفنا"، تقول همسة. يرفضون السكوت عن "شيطان الاختراقات التسولية السياسية التي افرغت البلد من كل شيء الا من العمالة والبطالة والسرقة والمخدرات والتزيف واكثر".

إذا في منشية النبطية سوق من نوع آخر أسموه "سوق التفاهم". هناك تسنى لكل عابر ان يرى عورات مجتمعه، التي أرهقته لكنه لا يجرؤ على البوح بها. فقد استنطق السوق، الذي نظمته شبكة مجموعات شبابية، الجمهور. حرَك داخله روحية الانقضاض على الوجع، على كل ما يعيق المستقبل: "خطابات فارغة، كذب وإحتيال الزعيم".

الجرأة التي لامست حدود الواقع أضفت نكهة واقعية على مسرح تفاعلي تمكن من أن يصيب الوجع في كافة جوانبه، من التعليم الى الكذب والغش في المواقف وغيرها من الصور الملونة المزركشة التي قدمها شباب شبكة مجموعات شبابية: "ما قمنا به هو لسان حال كل شاب يريد أن يعيش بكرامة في بلده لبنان، شاب لا يريد أن يبيع كرامته وأفكاره وأن يتحول إلى آلة يحركها الزعيم"، تضيف همسة، وتكمل: "نحن عبر عملنا هذا عبرًنا عن هواجسنا، أردنا أن نوصل الكثير من الرسائل، وما ووددت ايصاله شخصيا هو أن الفساد أصبح على الموضة، لذا لا بد من إحداث انقلاب على الزعيم الذي نجده في كل يومياتنا".

التفاعل الكبير الذي عاشه الجمهور مع مسرح لم يعتد عليه أثبت مدى الحاجة الى التغيير، بل أثبت أن الناس تحتاج الى من يعبر عن آهاتها بصوت عالي، إذ يكفي ما قالته تلك السيدة ربى: "ما عجزنا عن قوله تشجع الشباب على قوله بشجاعة، وهذا نذير خير".

لا تخفي رئيس جميعة "شبكة مجموعات شبابية" ليلى سرحان سعادتها "من تفاعل الجمهور مع عمل الشباب، فقد ولدت جرأتهم من قضية "عنهجية"، التي أعاقت تقدم الشباب في مجتمعهم، وتحقيق أحلام أوقعتهم في "تابوت" ارتزاق السياسة السيئة، هؤلاء الشباب قالوا كلمتهم، عبرّوا عن ذواتهم، وما قمنا به هو قناعة راسخة في تفكيرنا".

مع توالي مشهد العرض التفاعلي ضمن "سوق..التفاهم"، كانت المشاهد تتحول الى مرآة الروح الداخلية، التي تعيث داخلها الجروحات، تنكل الجسد المثخن بالآهات،لا يختلف اثنان ان العمل صب النار على الجرح، أوقدها عسى ان تطيح باكباش الوصاية، وخير دليل ما قاله محمد بيطار المشارك في العمل: "تمكنت من إيصال رسالة مهمة، فيها من الجرأة بقدر ما فيها من الإنقلاب على مقاليد الواقع "القاسي"،هذه الجرأة إستنطقت الجمهور،الذي أثقله الوجع".

إستنبط الشباب أفكار عملهم المسرحي هذا من مشاكل وهموم الناس، حملوها الى مسرحهم، وقالوها بصراحة متجردة من قيلولة الصمت والخوف، فخرجت واقعية تحاكي المواطن ذاته، الذين شحذو منه أفكارهم، وقدموها له على طبق آخر، في سوق آخر لا يشبه الا سوق الواقع الهش، المتمزق، المتفلت على مصراعيه، دون رقابة، فقدموا الافكار متأرجحة مبسطة، فخرجت منقلبة على زعيم يعيش على حساب راحة المواطن… 

السابق
القرى الجنوبية تستعدّ لاستقبال البطريرك الراعي
التالي
بنت جبيل تستعدّ بشغف لزيارة البطريرك الماروني