حزب الله بين نار «تمويل المحكمة» وحماية «الحكومة الميقاتيّة»

يصف أحد نواب الأكثرية الجديدة الحكومة الميقاتية الحالية بأنها «كلوح زجاج شديد الشفافية وأنه معرض للكسر في أي لحظة في ظل التحديات الكثيرة التي تواجهها الحكومة والقوى السياسية التي تدعمها».
ويعتبر هذا النائب «ان هناك ملفات عديدة شائكة تواجهها هذه الحكومة وانه ليس من السهل عليها معالجتها والوصول الى حلول لها دون ان تتعرض للمشاكل والاهتزازات»، ومن هذه الملفات ما يلي:
1- ملف تمويل المحكمة الدولية والتوفيق بين التزامات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومن يدعمه في تمويل المحكمة وبين الموقف المبدئي لحزب الله وحلفائه في رفض المحكمة والحملة عليها.
2- قانون الانتخابات الجديد الذي ينبغي العمل لإقراره في الأشهر المقبلة مع بروز خلافات داخل الأكثرية الجديدة في ظل رفض رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لقاعدة النسبية وعدم حسم هذا الملف بين قوى الأكثرية الجديدة.
3- التعيينات الادارية وبروز بعض الخلافات بين رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والتيار العوني وكذلك بين بعض القوى المؤيدة للحكومة.
4- القضايا المعيشية والاجتماعية والقدرة على معالجة هذه القضايا من دون تحميل الشعب أعباء جديدة.
5- التطورات الجارية في سوريا والخلاف حول كيفية التعاطي معها بين بعض أفرقاء الأكثرية وحرص وليد جنبلاط على اعلان بعض المواقف المتمايزة عن بقية أطراف الحكومة.
إذن، هناك قضايا خلافية عديدة تواجهها هذه الحكومة وان كان ملف «المحكمة الدولية» سيكون في رأسها، فهل يمكن هذه الحكومة تجاوز هذا الملف من خلال مراعاة موقف حزب الله السلبي تجاه المحكمة مع الأخذ في الاعتبار المواقف التي يطلقها الرئيس نجيب ميقاتي بالالتزام بتمويل المحكمة؟
وهل ستستمر هذه الحكومة حتى عام 2013 موعد الانتخابات النيابية المقبلة أم ان الخلافات بين الأفرقاء الداعمين لها والتطورات في سوريا ستؤدي الى رحيلها قبل هذا الموعد؟
بين تمويل المحكمة وحماية الحكومة
الاستحقاق الأول والأهم الذي يواجه الحكومة الميقاتية في هذه المرحلة يتعلق بملف تمويل المحكمة، فرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، مدعوماً بالرئيس ميشال سليمان ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، يؤكد الالتزام بتمويل المحكمة وعدم القدرة على الخروج من هذا الالتزام سواء لجهة التعاطي مع القوى الدولية والاقليمية أو لجهة مراعاة الوضع الداخلي والقوى المؤيدة للمحكمة وخصوصاً «تيار المستقبل» و«قوى 14 آذار». وبالمقابل، فإن حزب الله وبعض حلفائه يؤكدون رفض تمويل المحكمة من قبل الحكومة ويشككون بعملها وقد أعلن بعض هؤلاء عدم السماح بمرور تمويل المحكمة عبر الحكومة. مع العلم بأن الحزب وحلفاءه، يملكون الأكثرية داخل الحكومة، وهم قادرون على اسقاط أي قرار بتمويل المحكمة عبر الحكومة.
أحد نواب حزب الله يصف الوضع بشأن تمويل المحكمة على النحو الآتي: «نحن لا نستطيع تمرير تمويل المحكمة عبر الحكومة لأن ذلك ينسف كل الحملة التي نقوم بها ضد هذه المحكمة والتشكيك بعملها، وفي الوقت نفسه نحن لا نريد ان يؤدي الخلاف على تمويل المحكمة الى نسف الحكومة الحالية، لأن انهيار هذه الحكومة سيكون له انعكاسات سلبية كبيرة على الأكثرية الحالية. لذا، علينا ايجاد معادلة دقيقة بين مراعاة مواقف الرئيس ميقاتي والتزاماته الدولية وبين مواقفنا الميدانية».
في ضوء هذه المعادلة تطرح بعض الأوساط السياسية والنيابية والقانونية عدّة صيغ للاستمرار بتمويل المحكمة بدون المرور عبر الحكومة وبشكل لا تبرز الخلافات بين اطراف الأكثرية الحالية.
بقاء الحكومة أو انهيارها
لكن هل ستستمر هذه الحكومة حتى عام 2013 موعد الانتخابات النيابية أم ان التطورات في سوريا والخلافات بين أفرقاء الأكثرية الجديدة حول بعض الملفات الساخنة ستؤدي لفرط هذه الحكومة وانهيارها؟
مصادر مطلعة في «الأكثرية الجديدة» تؤكد «ان أهم ملف ساخن وحساس يمكن ان يؤثر على وضع الحكومة بعد «ملف تمويل المحكمة الدولية»، يتعلق بالتطورات في سوريا، فلقد أدى اندلاع التحركات الشعبية المعارضة للنظام السوري الى حصول ضغوط قوية على الحكومة الميقاتية، كما برزت بعض التباينات بين أفرقاء الأكثرية الجديدة حول كيفية التعاطي مع هذه الأوضاع، وهناك من يراهن على ان انهيار النظام في سوريا سيؤدي الى انهيار الحكومة الميقاتية والتمهيد لعودة الشيخ سعد الحريري لرئاسة الحكومة المقبلة».
ولا تنفي هذه المصادر «وجود خلافات داخل الأكثرية الجديدة حول العديد من الملفات الداخلية (قانون الانتخابات، التعيينات الادارية، التعاطي مع القضايا المعيشية والاقتصادية، ملفات الموظفين المدعومين من تيار المستقبل، لكن رغم أهمية هذه الملفات الساخنة التي قد تنعكس سلباً على أداء الحكومة (كما حصل مع ملف تمويل مشروع الكهرباء)، فإن قوى الأكثرية الحالية حريصة على استمرار عمل الحكومة وتحقيق بعض الانجازات العملية، لكن اذا حصلت متغيرات غير تقليدية في الوضع السوري فإن ذلك سيكون له تأثير مباشر على الوضع الحكومي، ما قد يعرِّض الحكومة للانهيار أو الاستقالة».
اذن رغم ان العمر الافتراضي للحكومة الميقاتية لن ينتهي قبل موعد الانتخابات النيابية المقبلة في عام 2013، فإن ذلك لا ينبغي ان هذه الحكومة تواجه عقبات عديدة، وان رئيسها نجيب ميقاتي يتعرض لضغوط قوية دائمة ويومية، سواء من بعض الجهات الدولية الاقليمية والعربية، او القوي الداخلية، وان هناك من يراهن على فشل الحكومة أو انهيارها في أي وقت.
لكن مصادر حزب الله تؤكد «ان الحزب حريص على استمرار عمل الحكومة ونجاحها والعمل لتحقيقها بعض الانجازات الأساسية، وخصوصاً ما يتعلق بالقضايا المعيشية والاجتماعية، والحزب يسعى بكل ما يستطيع وبالتعاون مع بقية الحلفاء إلى حماية هذه الحكومة وصمودها حتى عام 2013، وقد بذل الحزب جهوداً كبيرة في الأسابيع الماضية لمعالجة الكثير من المشاكل التي واجهتها، وهو سيعمل ايضاً في المراحل المقبلة من أجل معالجة بقية المشاكل، دون ان يعني ذلك ان الأمور سهلة وان الملفات التي تواجهها الحكومة ليست شائكة».
كل ذلك يؤكد أن الوضع الحكومي سيبقى في حالة توازن دقيقة وان قوى الأكثرية الجديدة حريصة على حماية «لوح الزجاج الحكومي الشفاف والدقيق»، لكن من يضمن ان لا تؤدي رياح الخارج القادمة من الشرق الى زعزعة الوضع الحكومي والدفع نحو تغييره؟
قاسم قصير – مجلة الأمان – 23/9/2011

السابق
اللقاء الماروني الموسع انتهى والمشاركون انتقلوا إلى مائدة بكركي
التالي
فضل الله: نقف مع دعوات التعايش والشراكة الإسلامية المسيحية