الأزمة السوريّة تجاوزت خيارات التسوية

 تنقل مصادر سياسية في بيروت عن أوساط ديبلوماسية غربية مؤثرة ان كلمة الرئيس الاميركي باراك اوباما امام الجمعية العمومية للامم المتحدة والتي افرد فيها حيزا للموقف الرافض لاعتراف دولي في مجلس الامن بالدولة الفلسطينية كاملة العضوية كما لدعوته المجموعة الدولية الى قرار بفرض عقوبات دولية على سوريا يوحي بالنسبة الى الموضوع السوري بأن الولايات المتحدة تولي التطورات في سوريا اولوية قصوى. لكنها ليست اولا في وارد الظهور في موقع الانخراط في خطط ضد النظام السوري على رغم موقفها منه. اذ ان هذا الانخراط في حال اعتبر موقف الادارة الاميركية من النظام السوري على انه انخراط فعلي يمكن ان يؤدي الى مفعول عكسي ويضر بمصلحة المعارضة السورية. وهي ثانيا لن تقوم باي خطوة منفردة. ومن هنا دعوتها الى قرار في مجلس الامن فضلا عن تشجيعها الاتراك على اتخاذ موقف حاسم من النظام الى جانب الموقفين الاميركي والاوروبي بحيث يندرج هذا التشجيع في اطار اقتناع الادارة الاميركية بان تركيا تتمتع بدور مؤثر وحاسم في اتجاهات التطورات في سوريا.
وبحسب هذه المصادر تقف وراء المشهد اليومي المتكرر لاصطدام الحركة الاحتجاجية الشعبية بعمليات مواجهة تقوم بها السلطات السورية والذي يعمم انطباعا بان الامور قد تطول على هذا النحو جملة وقائع باتت ثابتة في المعطيات الخارجية المتعلقة بتطور الوضع في سوريا. ابرزها:
ان القمع الذي تقوم بها القوى الامنية التابعة للنظام بات شديدا جدا من اجل منع خروج التظاهرات الشعبية وتاليا الظهور بمظهر من انهى الوضع الامني غير المستقر والمتوتر والسيطرة عليه. وهذا القمع بحسب هذه المصادر قد نجح في الحد من خروج تظاهرات كثيرة ولو انه لم ينجح في منعها كليا ولا تعتقد هذه المصادر ان هذه التظاهرات ستتوقف على رغم ما يمارس ضدها. وهذا المستوى من القمع وفق تقارير البعثات الغربية يشكل مصدر قلق شديد بالنسبة الى الدول المعنية بالوضع السوري راهنا بحيث لا يمكنها السكوت على حصوله او تجاهله.
ان الوضع السوري بناء على ما تقدم لم يعد يسمح بخيارات تسووية بين النظام والمعارضة ايا تكن طبيعة صيغة التسوية التي يمكن ان تطرح وفق ما تكشف هذه المصادر اذ ان هناك تجارب وضعت سابقا في هذا الاطار وسقطت كلها برفض من النظام نفسه. وتاليا فان فكرة تأمين صيغة انتقالية لقيادة سوريا في المرحلة المقبلة ويبقى فيها الرئيس السوري بشار الاسد او يشكل جزءا منها قد ولى زمنها ولم تعد خيارا متاحا او مقبولا علما انه ليس من الواضح بالنسبة الى هذه المصادر المدة التي يمكن ان يأخذها الوضع الاستنزافي داخل سوريا والتي ترجح مصادر عدة استمراره بين اشهر عدة كحد ادنى وسنة كحد اقصى ما لم تطرأ عوامل اخرى تساهم في حسم الامور قبل هذه المواعيد المبدئية. اذ يتم النظر الى تطور الموقف التركي الذي بات اقرب الى الموقفين الاميركي والاوروبي من حيث الرغبة والاتجاه الى فرض عقوبات على النظام الذي قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان قبل ايام قليلة انه قلب صفحة العلاقات بين تركيا وبينه وان بلاده تستعد لفرض عقوبات على النظام. وبحسب معلومات المصادر الديبلوماسية نفسها فان التغيير او التطور في الموقف التركي والاستعداد الاكبر الذي تبديه السلطات التركية ازاء موقف اكثر صلابة من النظام انما هو مبني استنادا الى الضغط الايراني على تركيا وعقم التفاوض الذي قام بين الجانبين حول الوضع السوري ومستقبل النظام فيه. لكن تركيا تملك اوراقا مؤثرة من حيث قدرتها على التدخل في حال اعادت الى جدول اعمالها اقامة منطقة عازلة على طول الحدود مع سوريا او من حيث الاعتقاد الغربي بان لتركيا قدرة على التأثير بالجيش السوري لا يملكها اي طرف آخر.
ان الغرب قلق من عدم اظهار المعارضة السورية القدرة على ان تكون موحدة. وان هذا العامل الاخير لا يزال يحتاج الى عمل كثير من جانب المعارضة التي تحتاج ايضا الى ابراز شخصيات كارزماتية قادرة على اقناع السوريين بالثقة بها وبقدرتها مع آخرين قيادة سوريا في المرحلة المقبلة بالتعاون بين جميع الافرقاء.
تعتقد المصادر الديبلوماسية ان العقوبات التي اتخذت ضد النظام السوري ستؤتي مفعولها وستؤثر على النظام خصوصا في ما خص الضغوط الاقتصادية منها من دون ان تخفي هذه المصادر تخوفها من انعكاسات ما محتملة لهذه الضغوط على لبنان وعلى قطاعه المصرفي في شكل خاص. اذ ان بعض هذا القطاع له امتدادات وعلاقات في سوريا مع النظام او بعض الافرقاء فيه او مع رجال اعمال باتت اسماؤهم مدرجة على لائحة العقوبات الاوروبية والاميركية. وبحسب هذه المصادر فان هناك حرصا خارجيا على عدم استهداف القطاع المصرفي اللبناني او عدم امكان ان تطاول اي عقوبات المصارف اللبنانية، لكن من غير المحتمل في رأي هذه المصادر الا يتأثر البعض منها في حال لم يتخذ هذا البعض اجراءات تضعه في منأى عما يمكن ان يمسه كنتيجة من نتائج الموقف الدولي من النظام السوري.
 

السابق
هل يشكّل التمويل المجلسي تشريعا للمحكمة ولقرارات السنيورة؟
التالي
ثوابت العهد والإستحقاقات الداهمة